في دمشق وريفها.. مياه الشرب الآمنة، للمقتدرين فقط


يُفضل "أبو مراد"، الذي يقطن في العاصمة دمشق، شراء مياه الشرب المعدنية على استخدام المياه القادمة عبر الأنابيب لأسباب عديدة، علماً أنّه يتكبّد جرّاء ذلك ما يُقارب 150 ألف ليرة سورية شهرياً، يراها قليلةً جداّ مُقارنةً بما سيدفعه من أجور مستشفيات خاصة وثمن أدوية في حال تعرّض أحد أطفاله الثلاثة للمرض.

المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي، الخاضعة لسيطرة نظام الأسد، قامت مطلع العام الحالي 2020 بتقنين المياه بسبب انخفاض منسوب نبع الفيجة في محافظة ريف دمشق، والذي يُعد مصدراً رئيسياً لتأمين مياه الشرب، إضافةً إلى تراكم المشاكل في شبكات المياه جرّاء إهمال أعمال الصيانة الدورية.

قاطنو العاصمة وريفها يُعانون تقنيين المياه من جهة، وتلوثها جرّاء نسبة كبيرة من العكارة الموجودة فيها من جهةٍ أخرى، الأمر الذي يُجبر المقتدرين منهم على تأمينها عبر شرائها من الباعة الجوالة بالدرجة الأولى، واقتناء عبوات مياه معدنية بالدجة الثانية، أمّا غير المقتدرين مادياً فهم مُجبرون على استخدامها كما هي واضعين أنفسهم وأبنائهم عرضةً للمرض.

يبلغ سعر جالون المياه "سعة 20 ليتر" الصالحة للشرب من الباعة الجوالة بين 300 و 500 ليرة سورية، وتحتاج الأسرة الواحدة بمعدل وسطي لجالون واحد يومياً، وتتكبد شهرياً نحو 15 ألف ليرة سورية، أمّا سعر عبوة المياه المعدنية الواحدة "سعة ليتر ونصف" بين 500 و 600 ليرة سورية مع أخذ العلم أنّ سعرها الرسمي لا يتجاوز 190 ليرة سورية.

أبو مراد، يغدو حذراً جدّاً حتّى في شراء عبوات المياه المعدنية، إذ أنّ عمليات الغش لم توفرها، بحسب ما قال لـ "اقتصاد"، وبسبب اعتياده على شراءها لسنوات طويلة أصبح ملمّاً في تمييز العبوات المغشوشة عن الصالحة، وكان سابقاً قد تعرّض لخسائر مادية كثيرة جرّاء وقوعه في الغش لا سيّما بين أعوام 2012 و 2014، حيث كانت تُغش عبوات المياه المعدنية بشكل كثيف دون تدخل الجهات الرسمية المعنية لأسباب غير معلومة.

في المقابل تنعدم الخيارات والبدائل أمام عائلات كثيرة لا تستطيع شراء المياه من الباعة، فمبلغ 15 ألف ليرة شهرياً بالرغم من قيمته الصغيرة إلّا أنّه يُساوي قيمة كبيرة عند الكثير من العائلات التي تُفضّل شراء الغذاء على المياه بسبب اتساع دائرة الفقر بحسب ما قالت لـ "اقتصاد"، "أم غيث"، التي تقطن في ريف دمشق الغربي، مؤكدةً بأنّ ارتدادات ظروف الحرب المستمرة لا سيّما الاقتصادية منها دفعت الناس إلى عدم التفكير بالمخاطر الناتجة عن استخدام مياه شرب غر صالحة.

ومن أبرز مخاطر استخدام مياه الشرب الملوثة، الإصابة بالتسمم أو السحايا أو اليرقان أو التيفوئيد أو الكوليرا والأخطر الإصابة بالسرطانات التي لا تظهر بشكل مباشر على المصاب بحسب ما أكّدته لـ "اقتصاد" الطبيبة الصيدلانية "ن – أ"، التي تعمل في صيدلية وسط العاصمة.

وتُصوّر الطبيبة المزاج الشعبي العام حول هذه المشكلة بوصفها انعدام ثقة من جانب الناس بالتحاليل الدورية اللازمة لمياه الشرب التي يجب أن تُراعي معايير حماية صحة الإنسان والبيئة بسبب تراخي موظفي نظام الأسد وتراجع أدائهم كنتيجة طبيعية لضعف رواتبهم الشهرية.

ويُخيم الاحباط على الصيدلانية بسبب تواتر أرقام كبيرة مُصابة بفيروس كورونا المستجد وسط ضعف الاجراءات الرسمية المتخذة للوقاية من انتشاره، وترى ذلك مؤشراً واضحاً على عجز المنظومة الصحية في علاج أية مشكلات صحية أخرى.

وحول مهام المؤسسات الرسمية قالت الصيدلانية إنّ المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي تتشارك مع المؤسسة العامة للصناعات الغذائية بتأمين الغذاء والمياه وفقاً للمقاييس ومعايير الجودة المعتمدة دولياً، ويُناط بوزارة التجارة وحماية المستهلك مسؤولية مكافحة الغش والمنتجات التقليدية وارتفاع الأسعار، لكن التجارب السابقة والحالية تُثبت بأنّ ذلك حبر على ورق، إذ تتبادل المؤسسات الرسمية الاتهامات، والواحدة منها ترمي المهام المنوطة بها على الأخرى.

أمّا المؤسسة العامّة لمياه الشرب والصرف الصحي فتقول للرأي العام بأن عكارة المياه ظاهرة طبيعية ناتجة عن فيضان نبع الفيجة مؤكدةً أنّها لا تؤثر على الصحة العامة، ضاربةً بعرض الحائط كافة المخاطر الناتجة عن ذلك.

كما تستمر بوعودها إنشاء أربعة مشاريع انتاجية جديدة "توسع آبار الربوة – مشروع آبار سيرونيكس – آبار قصر الشعب – آبار برزة" بقدرة إنتاجية تبلغ 44 ألف متر مكعب يومياً تُغطي استخدام 750 ألف إنسان، لكن حتّى الآن لم يتم العمل على تلك المشاريع بشكل ملموس كحال مشروع استجرار مياه الشرب من الساحل السوري إلى دمشق والمُعلن عنه مطلع العام 2019.

ترك تعليق

التعليق