من أين تموّل إيران عمليات شراء العقارات في سوريا؟


في الوقت الذي كانت فيه إيران تحاول الاستيلاء على أكبر قدر ممكن من ممتلكات السوريين، واجهت أزمة اقتصادية حادة تعد الأسوأ منذ 40 عاماً، خلال عامي 2019 و2020، وذلك بحسب إقرار "حسن روحاني" الرئيس الإيراني، الذي أكد حينها فشل مساعي بلاده في التغلب والالتفاف على العقوبات الأمريكية الأخيرة –خلال ولاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب- والتي فاقمت من أزمات إيران الداخلية والخارجية ووضعتها بموقف سلبي أمام وكلائها في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

وانخفض إنتاج إيران من النفط من 2,5 مليون برميل يومياً إلى أقل من 300 ألف برميل يومياً، إضافةً لعجزها عن استعادة تداول النقد الأجنبي في القنوات الرسمية، تزامناً مع استمرار انهيار العملة المحلية.

وتذيلت إيران "مؤشر مدركات الفساد" الصادر عن "منظمة الشفافية الدولية" التي تقيس ظاهرة الفساد المالي حول العالم بالاستناد إلى دراسة المديرين والمسؤولين الحكوميين واستطلاعات من النشطاء الاقتصاديين وأصحاب الرأي في البلدان، واستقرت في المرتبة 138 عالمياً من أصل 180 دولة مُسجلةً أسوأ ترتيب لها طوال الأعوام الأخيرة في إشارة واضحة إلى انحدارها نحو الأسوأ.

وسجلت تراجعاً ملحوظاً على مؤشرات التقييم السنوية لدى المؤسسات الدولية، بعد أن تقهقر ترتيبها ضمن الدول الأكثر تحسيناً لمناخ ممارسة أنشطة الأعمال واحتلت المركز 128 من أصل 190 دولة وفقاً لبيانات مجموعة البنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية التي أكدت هبوطها بمقدار 4 إلى 7 درجات على التوالي.

وتُظهر بيانات رسمية انهياراً حاداً في مستوى معيشة المواطن الإيراني الذي يقضي وقته في البحث عن النقد الأجنبي الشحيح للتهرب من البطالة والتضخم.

أمام هذه المعطيات لابدّ من التساؤل، من أين تمول إيران عمليات شراء العقارات في سوريا؟

وكالة الطلبة الإيرانية أشارت في إحدى نشراتها الدورية أواخر العام 2018 أنّ دوائر إيران الرسمية باتت تُكثف أنشطة الأعمال غير المشروعة كتهريب المواد الغذائية واللحوم والخبز والنفط عبر حدود البلدان المجاورة. وتندرج ضمن أولويات المهربات -الحبوب المخدرة ومادة الحشيش وحبوب الكبتاجون والهيرويين والكوكايين التي تنتشر تجارتها بكثافة في مناطق سيطرة نظام الأسد والنفوذ الإيراني في سوريا.

المخدرات وسيلة تمويل للاستيلاء على العقارات السورية

وتستمر السلطات الإيرانية بابتزاز المجتمع الدولي فيما يتعلق بالملف النووي مستخدمة المخدرات لتحقيق مكاسب سياسية، إذ لا توفر فرصة إلا وتعلن فيها عن مخاوفها من إغراق أوروبا بالمخدرات، كما فعلت في أواخر العام  2019 على لسان مدير شرطة مكافحة المخدرات الإيراني طالباً استمرار دفع المساعدات لإيران في مجال مكافحة التهريب محذراً من تخفيض جهود عمليات المكافحة.

وبين العام 2005 والعام 2011 تمكنت السلطات في الاكوادور وكولومبيا وهولندا وألمانيا من اكتشاف شحنات تهريب مخدرات ضخمة وقبضت على العديد من أفراد شبكات تهريب مخدرات تعمل لصالح الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني، كما تم اكتشاف طائرة تجارية تقلع من فنزويلا كل أسبوع محملة بالنقود والمخدرات متجهة إلى طهران بعد أن تمر بدمشق.

وتكثفت عمليات الحرس الثوري الإيراني في تهريب المخدرات منذ منتصف العام 2011 بعد اندلاع أحداث الربيع العربي وتحول المنطقة العربية إلى مسرح عمليات عسكرية مفتوحة.

وبين العام 2011 والعام 2020 تمكنت السلطات في الولايات المتحدة الأمريكية وتشيكيا والسعودية والكويت والإمارات وإيطاليا وألمانيا وهنغاريا وسلوفينيا من إحباط الكثير من مخططات الحرس الثوري الإيراني المتعلقة بتهريب المخدرات حول العالم، واكتشفت العديد من شحنات تهريب المخدرات الضخمة، وفككت الكثير من شبكات التهريب، ووجدت وكالة مكافحة المخدرات في الولايات المتحدة أدلة على مساعدة حزب الله في تهريب الكوكايين من أمريكا اللاتينية إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا عبر منطقة الشرق الأوسط بعد عملية متابعة منذ العام 2008 عُرفت باسم "كاساندرا" بمشاركة 7 دول، ووضعت القيادي في فيلق القدس الإيراني رضا باغاني على لائحة العقوبات إثر إدارته لشبكات كبيرة تعمل في تهريب المخدرات، وصنفت حزب الله كمنظمة تهريب مخدرات أجنبية إجرامية عابرة للحدود، وأعلنت أنّ 30% من مداخيل حزب الله تعتمد على تجارة المخدرات.

وكشفت السلطات الإيطالية عن شبكات تقوم بتهريب المخدرات انطلاقاً من إيران إلى العراق ومن ثم تركيا وإيطاليا ومن هناك إلى مختلف الدول الأوروبية، كما أصدرت السلطات في كوالالمبور حكم الإعدام بحق 86 إيرانياً جراء تورطهم بتهريب المخدرات، ونفذت السلطات السعودية حكم الإعدام بحق 3 أشخاص إيرانيين أدينوا في قضايا تهريب المخدرات.

وتمكنت السلطات اليونانية من مصادرة شحنة مخدرات انطلقت من سوريا تحوي 33 مليون قرص كبتاجون تقدر قيمتها المادية بـ 660 مليون دولار أمريكي، وألقت السلطات التركية القبض على شبكة تجار مخدرات إيرانيين وعُدت تلك أكبر عملية كونها تحوي طناً ونصف من مادة الهيرويين، وكذلك أحبطت السلطات المصرية محاولة تهريب شحنة مخدرات انطلقت من أحد الموانئ السورية يُقدر وزنها بنصف طن في منتصف كانون الثاني 2020.

خريطة توضح طرق إدخال المخدرات الإيرانية إلى سوريا - اضغط هنا

إلى سوريا، حيث لا يخلو عدد من الصحف المحلية الرسمية أو الموالية لنظام الأسد من أخبار تتعلق بإلقاء القبض على تجار لكافة أصناف المخدرات. لكن وبحسب مصادرنا المحلية فإنّ هؤلاء الأشخاص الذين يتعرضون للمداهمات عبارة عن تجار صغار جداً لا يُمكن ولا بأي شكل مقارنتهم بالتجار الحقيقيين الذين يعملون برئاسة "وسيم بديع الأسد" و"أيهم كمال الأسد"- أقرباء "بشار الأسد"- اللذين يعملان بالتعاون مع رجال حزب الله في مناطق وادي بردى والقلمون بريف دمشق وميليشيات الحرس الثوري الإيراني بشكل مباشر في البادية الشرقية.

وقد كشف خلاف -طرأ بين ميليشيات تتبع للدفاع الوطني السوري بمنطقة القلمون الغربي، وبين ميليشيا حزب الله، وتحول إلى اشتباكات سرعان ما تم حلها سريعاً، في كانون الثاني 2020- عن وصول شحنة مخدرات كبيرة تعود لحزب الله، إلى داخل الأراضي السورية، بعد عبورها من الحدود اللبنانية بحماية "سعد زقزق" أحد قادة الميلشيات الموالية.

وفي المنطقة الشرقية أكدت مصادر محلية خاصة لـ "اقتصاد" أنّ إدخال المخدرات الإيرانية إلى سوريا يتم عبر بوابتين، الأولى تبدأ من مدينة الموصل في العراق إلى مدينة البوكمال في محافظة دير الزور والتي تعتبر ركيزة هامة ونقطة تجمع للميليشيات الإيرانية وبؤرة لنشاط منظماتها العاملة بغطاء إنساني ودعوي لا سيما مدينة البوكمال.

أمّا البوابة الثانية فتبدأ من مدينة كربلاء وصولاً إلى الرطبة في الأراضي العراقية ومنها إلى منطقة التنف السورية ومن ثم إلى الداخل السوري، ويُستخدم هذا الطريق في الظروف الاستثنائية فقط. وتنتشر في كلا الطريقين نقاط عسكرية وأمنية تابعة للحشد الشعبي العراقي في العراق، وللحرس الثوري الإيراني في سوريا.

وأضافت المصادر أنّ الحرس الثوري الإيراني يقوم بشحن المخدرات إلى أوروبا ومصر بعد إيصالها إلى لبنان عبر طريق وادي بردى في ريف دمشق، حيث تستلمها هناك ميليشيا حزب الله اللبناني والتي تأخذ على كاهلها، إيصالها إلى وجهتها المرسومة.

وتؤكد مصادرنا أنّ القرص الواحد من مادة الكبتاجون يُباع في سوريا بنحو 2 دولار أمريكي، وغرام الحشيش بنحو 3 دولارات، وغرام الهيرويين الواحد بنحو 20 دولار، والكوكايين بنحو 100 دولار، وتنشط عمليات البيع بكثافة رهيبة مع مطلع كُل شهر. وهكذا، أصبحت سوريا في ظل انتشار عدد كبير من الميليشيات الإيرانية فيها، أهم محطات عبور المخدرات قبل إرسالها إلى دول الخليج العربي وأوروبا وأمريكا.

أمام هذه المعطيات بات واضحاً من أين تُمول إيران كافة أنشطتها في سوريا بما فيها ميليشياتها ومواقع المزارات الدينية، وعلى رأس تلك الأنشطة، الاستيلاء على عقارات وممتلكات السوريين في القطاعين الخاص والعام.

وأمام التفاصيل السلبية للحرب الدائرة المنعكسة بشكل مباشر على المواطن السوري المنهك الصامد داخل سوريا أو في دول اللجوء تتجسد مقولة بشار الأسد "الوطن ليس لمن يسكن فيه وليس لمن يحمل جواز سفره أو جنسيته، الوطن لمن يدافع عنه ويحميه" التي قالها في تموز 2015، إذ أنّ كافة القوانين باتت تخدم العنصر الأجنبي الموجود في سوريا على حساب المواطن السوري، فهو في نهاية المطاف يقدم ممتلكات السوريين هديةً مجانية على طبق من ألماس للمحتل الإيراني، الذي ينتهز بدوره عجز الأسد عن سداد دينه وقلة حيلته في وضع الخطط الاقتصادية القادرة على حل المشكلات المتكدسة والمتراكمة.


ترك تعليق

التعليق