إلا عندنا..الاقتصاد بالوعود والشعارات

تنجع الوعود في السياسة كما الوعيد، ولكن لايمكن سحب، "ليس مهماً أن يحبوك الناس بقدر ما ضروري أن يخافوك" على الاقتصاد، فبطن الجائع التي هي المقياس الأكثر صدقاً لعلم الاقتصاد، ولو ذهبت نظريات "ريكاردو" و"آدم سميث" ومعهم "أردناور" إلى الجحيم.

هي ذاتها المحرض حتى على الثورات، وهي المقياس الحقيقي لحسن توزيع الدخل وللعدالة، بل وحتى للنسب الحقيقية للنمو والتنمية.

إلا في سوريا، إذ يؤثر من هم في مطبخ السياسة أن يديروا الاقتصاد، ليقصوا أولاد الكار وأهل التخصص أولاً، ويراكموا الأزمات إلى أن تنفجر ثانياً، وليتعاملوا مع علم الرقم ومؤشر السوق بالعظات والوعود والشعارات.

أسوق مثالاً قد يكون من الإضحاك أكثر ما يحمل من دلالات على ذهنية إدارة الاقتصاد والأسواق في سوريا.

اليوم قال مدير المؤسسة العامة للدواجن سراج خضر "إن الهدوء لسوق الدواجن سوف يعود في غضون أربعين يوماً على الأكثر بعد دخول قطعان كافية من الأميات الخاصة بالفروج والبياض"، فماذا يمكن أن يفهم القارئ والباحث من هذا الكلام، طبعاً في واقع عدم تأمين البدائل ريثما تنتهي مهلة المدير خضر.

يمكنني أن أفهم كمراقب أن المدير يقول للناس، صوموا عن اللحوم البيضاء والبيض فقط لأربعين يوماً، وبعدها، وإن لم يحدث طارئا أثناء التربية والإنتاج، أو مستجدا سياسيا وعسكريا ينعكس على الأرض ومزارع الدواجن، فأنا أعدكم بأن تأكلوا الفروج والبيض.

هذا مثال عابر، ومثله، بل وأكثر فجاجة، آلاف الأمثلة، فزيادة نمو الناتج المحلي في سوريا تتم عبر الخطابات والمنابر، وأتحدى مسؤولين اثنين في سوريا يقولان نفس نسبة نمو الناتج، أو أي جهة سورية تصدر بيانات ونتائج إحصائية إلا بعد ثلاثة أشهر من موعد إعلانها.

وكذا البطالة والتضخم تعالجان عبر الشعارات، كما تعالج أزمة الليرة ونقص المعروض السلعي في الأسواق.

الأمر على درجة بالغة من الصعوبة نتيجة التفرد والتخوين وتعيين قيادات الاقتصاد لاعتبارات سياسية، لكن حله على غاية البساطة، فقط تعاطوا بصدق مع المستهلك لأن معدته هي دليل نعمائكم وأبعدوا إدارة الاقتصاد عن أقبية الأمن وأروقة القيادتين القومية والقطرية، فإن نجعت الأكاذيب في السياسة، لا أظنها تجدي في الاقتصاد، بل الصمت والخوف هنا، سيؤدي لتراكم يقلب الطاولة، ليس على الاقتصاد فحسب..بل وعلى السياسة أيضاً.

ترك تعليق

التعليق