"لوبي" أعمال سوري

كانت لافتة الفكرة التي نشرها الإعلامي السوري، جورج كدر، على صفحته في الفيسبوك، حول تأسيس قناة سورية "وسط"، تتوجه لكل السوريين، بتمويل من رجل أعمال سوري.

كدر أوحى بتعليقه أن من سيتمكن من كسب كل السوريين، إعلامياً، سيتمكن من كسب قدم راسخة في مستقبل سوريا، خاصةً على صعيد الاستثمار، بعد انتهاء "مرحلة التدمير".

الفكرة الأكثر تعقيداً مما سبق، والتي يمكن لها أن ترسم مستقبلاً آخر لسوريا، غير الذي يُرسم لها قصداً، أو الذي تسير به "المقادير" قسراً، هي تأسيس "لوبي أعمال سوري"، يجمع رموز المال والأعمال السوريين، بصورة تجعل لهم كلمة مؤثرة في رسم مستقبل البلاد.

علمنا التاريخ أن البورجوازية الأوروبية لعبت الدور الأبرز في تأسيس وجه القارة المعروف اليوم، علمانية، ديمقراطية، وليبرالية، ومواطنة لا تفرق بين أحد، وحقوق إنسان بمستوى رفيع.

أما في الولايات المتحدة الأمريكية، فمنذ تأسيسها، وحتى اليوم، كان لرموز المال دور بارز في توجيه مسارات تاريخها بصورة تضمن لها الاستقرار والرِفعة.

ومن وحي تاريخنا نحن السوريين، يمكن لنا أن نذكر أن البورجوازية السورية، بوجهيها الدمشقي والحلبي، لعبت دوراً بارزاً في تأسيس سوريا التي نعرفها اليوم. وكانت حقبة حكمها، بين 1946 – 1958، رغم عدم الاستقرار السياسي، تتمتع بمستويات عالية من الحريات السياسية والإعلامية، وكانت المواطنة لكل السوريين، فعلاً لا قولاً.

قد يعترض البعض على ما طرحناه آنفاً، فللبعض حساسيته من "الرأسمالية" و"الليبرالية" المرافقة لها. وبطبيعة الحال، نحن نُقر بأن لرأس المال الغربي ضريبته الباهظة على حياة الأوروبيين والأمريكيين. لكن علينا أن نسأل أنفسنا السؤال التالي: أي وجهٍ كان يمكن أن تلبسه تلك البلدان لو اشتقت طُرقاً أخرى غير تلك التي حددها رأس المال لها؟

الأثرياء في معظم الأحيان، تهمهم تنمية استثماراتهم. وفي ألف باء الجذب الاستثماري في أي بلد، الشفافية السياسية والاقتصادية، والاستقرار، والحريات الإعلامية، والنزاهة القضائية، بنسب مقبولة. ناهيك عما سبق، من مصالح المستثمرين إزالة الحواجز بين المناطق. وقد لعبت البورجوازية دوراً بارزاً في توحيد الولايات الأمريكية، بغية إزالة الحواجز أمام التجارة والاستثمار. واليوم يلعب رأس المال دوره في توحيد أوروبا.

لماذا لا نراهن على دور لرأس المال السوري في توحيد سوريا، ومنحها وجهاً أفضل من ذلك المُرتقب لها؟!

ربما المشكلة هنا تكمن تحديداً في رؤوس الأموال السورية. ففي حين وعت البورجوازيات الغربية نفسها كطبقة ذات مصالح مشتركة، وعملت على هذا الأساس، نجد أن البورجوازية السورية، في معظمها، تعمل على أسس فردية، مصلحية بحتة، وقصيرة الأفق.

بكل الأحوال، ما سبق لا يمنع من طرح الفكرة ذاتها للنقاش، علّ في طبقة رجال الأعمال السوريين، من يستمع، ويعي أن من مصلحته أن تكون سوريا، موحدة، وذات ديمقراطية شفافة، وأن من مصلحة أثريائها أن يعملوا، سوياً، لتحقيق ذلك. لأن سوريا حينها قد تكون أبرز جاذبي الاستثمار في المنطقة برمتها. وسيكون المستثمرون السوريون تحديداً أبرز المستفيدين إن كان لهم كلمة فاعلة في التأسيس لسوريا المستقبل بالصورة المأمولة لكل السوريين.

ترك تعليق

التعليق