الهرب في جلباب النظام إلى لبنان

تنشط في بعض المناطق الحدودية السورية مع لبنان، مافيات تهريب للبشر، تعمل تحت نظر النظام، وبإشراف شبه مباشر من أجهزته، ويشارك في نشاطات هذه المافيات أشخاص تم احتسابهم في وقت من الأوقات على الثورة السورية، لكن تطورات الظروف دفعتهم لاشتقاق طريق آخر، وهو التعاون مع مافيات النظام في عمليات تهريب الفارين من سوريا عبر الحدود، إلى لبنان، بطرق غير شرعية.

نسوق في هذا التقرير تجربة شخصية لأحد السوريين خرج من منطقة حدودية تخضع لسيطرة النظام إلى لبنان، بالتفاهم مع أشخاص يعملون في أجهزة النظام، إلى جانب أشخاص كانوا في وقت من الأوقات مُحتسبين على الثورة السورية.

يروي صاحب القصة لـ "اقتصاد"، أنه بعد الرزوح في الحصار لأكثر من سنتين منذ بدء الثورة السورية، في منطقة خارج سيطرة النظام، "اضطررت ومن معي للانتقال إلى منطقة تحت سيطرته، بعد إجراء ما يعرف بـ (تسوية وضع)، وبقيت في هذه المنطقة قرابة العام والنصف، فكانت هذه الفترة سجناً كبيراً، فلا تجوال إلا ماندر وللضرورة بعيداً عن حواجز النظام وأمنه، لأن أي شخص يعود أصله وذاتيته لمنطقتي، يبقى مستهدفاً فيتم اعتقاله بحجج من قبيل تشابه الأسماء أو تُلفق له تهم جاهزة ليغيب ويختفي في غياهب السجون، أو يُساق للخدمة العسكرية، ومن يُفلت من الاعتقال لا يبقى أمامه سوى الفرار للجوء في لبنان، البلد الذي وضع كل العراقيل والقرارات التي تمنع اللجوء، فلم يبقى أمامي سوى الدخول خلسة إلى لبنان لأعاني الأمرين في محاولات البحث عن عمل والابتعاد عن حواجز الأمن العام والجيش اللبنانيين".

 ابتزاز واتصالات متكررة مع المهربين للبحث عن مخرج

"بدأت المحاولات باتصالات مع أحد المهربين اللبنانيين عبر وسيط ممن كان يوماً محسوباً على الثورة في الطرف الآخر من الحدود داخل لبنان. في البدء طلب مبلغ 850 دولار دون وسيط والاتفاق على التواصل وتحديد المكان والزمان وأسلوب التعارف بيني وبين الناقل، وعند التواصل بيني وبين المهرب طلب مني رصيداً لرقم سوري بمبلغ تجاوز الألفين ليرة، وشريحة هاتف، رفضت الطلب الثاني وقمت بتحويل الرصيد. بعد انتظار تبين أن الموعد قد تأجل لأسباب لوجستية خاصة بشبكة التهريب، ليعود المهرب ويطالب بزيادة المبلغ إلى 950 دولاراً، قبلت الزيادة مرغماً بسبب حاجتي الملحة لمغادرة سوريا، وبدأت المماطلة عدة أيام ليتبين أن شبكة هذا المهرّب غير مكتملة. وهنا لجأت لمهرّب آخر وبعد أخد ورد كان المبلغ المطلوب 1150 دولاراً، وبإلحاح تنازل إلى 1100 دولار، ورغم الإلحاح والمحاولات لتخفيض السعر إلا أن الإجابة كانت (هذا المطلوب بدك بدك ماعجبك انت حر). وافقت مرغماً وقمت باستدانة أكثر من نصف المبلغ، وجاء الاتصال ليحدد مكان وآلية التعارف والتوقيت، وفي اليوم والمكان المحدد تم التعارف مع الناقل الأول من وسط منطقة تخضع لسيطرة النظام، وهو شخص محسوب عليه ومن أزلامه. انطلقنا بخفة وسلاسة متناهية دون أي سؤال أو مسائلة عبر الحواجز الكثيرة، وصولاً لمكان الناقل الثاني، تم التسليم لوسيلة النقل الثانية والانطلاق لأقرب نقطة حدودية، مكثنا عدة ساعات في مكان آمن منتظرين هبوط الليل".


 بانتظار نقل البضائع المهربة

"خلال الليل، بانتظار فتح الطريق ليحين دورنا، تبين لي أنه يجب علي الانتظار لحين انتهاء مهربي البضائع من سوريا إلى لبنان، كالمواد الغذائية والمنظفات والأغنام التي ما تزال أسعارها أقل بكثير من لبنان، بالمقابل يتم إدخال الدخان ومثيله إلى سوريا. بعد انتهاء عملية نقل البضائع جاء دوري لأخوض آخر وأخطر مرحلة، وهي المسافة التي تكمن فيها دوريات الحدود، هنا حبست الأنفاس وزاد الضغط وارتفع معدل الأدرينالين، وتسارعت دقات القلب، ولكن تبين لي أنه في أوقات محددة، الجهات المختصة تغض الطرف، فلكل نصيب حسب المكان والزمان. وبخفة وزحف وركض ومشي لمدة نصف ساعة اجتزت الثغرة الحدودية برفقة المهرب "الناقل الثالث"، لأصبح في لبنان، حينها تنفست الصعداء بعد أن صرت في الأراضي اللبنانية وتم تسليمي للمهرب اللبناني "الناقل الرابع" الذي بدوره أكمل بي المشوار لمنطقة أكثر أمناً داخل الأراضي اللبنانية ليسلمني لمن يخصني هناك، واستلم المبلغ كاملاً 1100دولار نقداً. وانتهت مغامرتي بين سندان النظام ومطرقة المهربين المتعاونين معه ومع معارضيه".

ترك تعليق

التعليق