على أبواب المعضمية...حتى الأحذية تُفتش بحثاً عن قطعة خبز

تعد أزمة معضمية الشام إحدى الأزمات المستعصية على الحل، إذ يعيش أهلها في وضع إنساني مأساوي لا يمكن لأحد أن يعرفه حق المعرفة ما لم يعش مع هؤلاء الناس المحاصرين منذ ثمانية أشهر، ويطلع على جلية الأمر عن كثب.

مجموعة كبيرة من القصص الإنسانية تصادفك في معضمية، تروي كلها حجم المأساة التي يحياها عدد كبير من الناس يفوق الثلاثين ألف نسمة، وتؤكد جميعها على عمق المعاناة.

* لم يبق في بيته حبة من الأرز

اسماعيل، كهل في الخمسين من عمره، استضافنا في بيته، لكنه فور دخولنا اعتذر عن تقديم واجب الضيافة من الشاي وفاكهة الصيف قائلاً: "لا يوجد لدي سكر لأصنع لكم الشاي، لدي القهوة فقط، سامحوني على سوء الضيافة لكن الأمر ليس بيدي".

خلال حديثه العفوي عن معاناته قال اسماعيل لـ "اقتصاد": "تصور، اليوم فتحت خزانة المونة لدي فلم أجد ولا حبة من الأرز أو البرغل، كل ما تبقى لدي لا يتعدى القهوة وحفنات من العدس والحمص".

وتابع حديثه بشيء من المرارة ارتسمت على وجهه المتغضن: "الشكوى لغير الله مذلة، لكن معاناتنا هنا في هذه المدينة يجب أن تصل لغيرنا حتى يشعروا بنا على الأقل....".

* المعبر مغلق منذ 8 أشهر

أُغلق معبر المعضمية للمرة الثالثة منذ ثمانية أشهر، لتدخل المدينة في حصار تكرر مرتين قبل ذلك، ويحاول النظام من خلال سياسة الحصار، إركاع المدينة وجارتها داريا، عبر تضييق سبل العيش وإغلاق منافذ الحياة، ومطاردة الثوار والأهالي في لقمة عيشهم وخبزهم اليومي.

ويشير أحد ناشطي المدينة إلى أن الحصار هذه المرة كان شديد الوقع على نفوس المدنيين بسبب نفاذ معظم المواد الغذائية التي كانوا قد خزنوها حين كان المعبر مفتوحاً.

ويتابع أبو أحمد، عضو المركز الإعلامي في المعضمية، "دائماً ما يعد النظام بفتح المعبر، وكثيراً ما ينشر الإشاعات حول هذا الموضوع ليثير الفتنة ويؤلب المدنيبن على رجالات الثورة في المدينة".

مضيفاً: "الوضع مزري جداً في هذه الأيام، لأن المعبر كان قبل أسبوعين مفتوحاً بنسبة 5 بالمائة تقريباً، أما الآن فهو مغلق تماماً، وكثير من الناس لا يجدون ما يأكلون، والغالبية منهم يعتمدون على وجبة واحدة خفيفة يومياً".

* الموظفون فقط يدخلون ويخرجون

أبو فراس، أحد الموظفين الذين يذهبون يومياً إلى وظيفتهم، قال معللاً بقاءه على رأس عمله حتى هذه اللحظة: "الكثيرون ينتقدونني كغيري من الموظفين على بقائي أخدم في مؤسسات النظام إلى الآن، هم لا يعلمون أنها مصدر رزقي الوحيد وأنني وأسرتي ليس لنا إلا هذا المورد...إن فقدناه فسوف نفتح أفواهنا للتراب".

ويتابع أبو فراس: "أستطيع كموظف الدخول والخروج من المدينة لكن بشرط عدم إدخال أي شيء حتى وإن كان قطعة حلوى لولدي الصغير، وأحاول في بعض الأحيان تهريب قطعة خبز أو حلوى في حذائي لكن هؤلاء الأوغاد يفتشوننا تفتيشاً دقيقاً، تصور....في أحد الأيام مررت من الحاجز فأجبرني العنصر على خلع حذائي ولما وجد قطعة الخبز نهرني ورماها على الأرض...!!".

* تفتيش دقيق وذل بلا حدود

تعددت الحالات المشابهة لقصة أبو فراس على معبر المعضمية، حيث تعاني النسوة أيضاً من صعوبة كبيرة أثناء مرورهن أمام الحاجز. أم أحمد إحدى النسوة اللائي التقاهن "اقتصاد" للحديث عن هذا الموضوع...في البداية رفضت الحديث خوفاً على نفسها ممن أسمتهم "كلاب المعبر"، وتعني بهم عناصر الحاجز، لكنها لما اطمأنت إلى أننا لن نقوم بالتقاط الصور لها استجابت للأمر فقالت: "أنا موظفة أذهب يومياً إلى عملي، وفي كل يوم، حال دخولي إلى المدينة، أُفتش تفتيشاً دقيقاً من قبل ضابطة تابعة للنظام تدعى أم فائز".

وقالت أم أحمد: "تفتشنا أم فائز أنا وغيري من النسوة تفتيشاً دقيقاً حتى تأمرنا في كثير من الأحيان بخلع أحذيتنا خوفاً من تهريب شيء من الطعام فيها، لكن في إحدى المرات تعرضت إحدانا لشتيمة من هذه المرأة الحقودة؛ فهجمنا على أم فائز وأشبعناها ضرباً!".

"وماذا حصل بعد ذلك؟"...أجابت أم أحمد: "ثار عناصر الحاجز وأطلقوا النار في الهواء ثم أُغلق المعبر يومين متتاليين".

* الحصار في ذروته

تعد هذه الأيام أقسى أيام الحصار على المدينة، حيث تعاني المعضمية من ندرة في جميع المواد الغذائية والإنسانية واللوجستية، ويقول الناشط أبو أحمد: "لا يوجد أي شيء يؤكل إلا بقايا المؤونة التي خزنها الأهالي، وبحسب متابعتي، هذه البقايا في نهايتها".

بينما أطلق أبو أيمن، وهو مسن في الستين من عمره، شكواه معبراً عن معاناته التي لا تُوصف قائلاً: "كم حصار مر علينا؟؟...كم أزمة تعرضنا لها؟...لكن مثل هذا الحصار..شيء لا يعقل".

وتوقف المسن أبو أيمن عن الحديث ليمسح دمعته التي تدفقت على خده ثم ليقول: "الله يفرج...الله يفرج".

ترك تعليق

التعليق