أزمة دواء في الجنوب المحرر..وعلبة حليب أطفال بـ 1200 ليرة

معاناة كبيرة وظروف إنسانية صعبة يعيشها أهالي المناطق المحررة في الجنوب السوري، وذلك نتيجة افتقار هذه المناطق لمقومات الحياة الضرورية، بسبب سوء الخدمات، وقلة الموارد المالية، وارتفاع الأسعار والغلاء الفاحش لبعض المواد الاستهلاكية  والضرورية، حتى منها تلك المنتجة محلياً كالخضار.

وأشار الناشط الإعلامي، أبو عبيدة  الدرعاوي، إلى أن معاناة الأهالي لا تقف عند حد, وتتجلى بدءاً من تأمين رغيف الخبز الذي يُفترض أن يُؤمن بأقل التكاليف، انتهاء باللحوم التي أصبح شراؤها من قبل العائلات حلماً صعب المنال، إذ يصل الكيلو غرام من اللحم من 2000 إلى 3000 ليرة سورية، وهو ما يفوق إمكانيات أي مواطن في هذه الظروف الصعبة.

وأضاف الناشط قائلاً: "إذا كانت الظروف التي تعيشها البلاد بسبب الأزمة وتداعيات الثورة، تفرض نفسها على الجميع، ثمة ما يزيد جوانبها الأخرى سوداوية وقتامة، ألا وهو الحصار الذي تفرضه قوات النظام على المناطق المحررة، ومنع أي أحد  من إدخال أية مواد تتعلق بحياة المواطن اليومية وتلبي احتياجاته الضرورية، وذلك انتقاماً من هذه المناطق كونها تشكل الحاضنة الشعبية للثوار، إضافة إلى ما يقوم به السماسرة وتجار الحرب، الذين أثروا على حساب المواطن الضعيف، من خلال بيع المواد بأضعاف أسعارها، وسرقة قوت يومه، في ظل غياب للضمير الإنساني المتحكم الأوحد في تصرفات البشر، وعدم وجود جهات رقابية أو روادع سلوكية وأخلاقية، تلزم هؤلاء بتحديد سقوف أرباحهم، حيث ترتفع الأسعار تزامناً مع ارتفاع سعر الدولار، حتى لو كانت البضائع مخزنة، ولم يعد ما يجنيه المواطن طوال يومه يكفي لشراء ربطتي خبز زنة 1200 غرام و 2 كغم من اللبن، وهما من المواد الضرورية، ولاسيما للعائلات التي يكثر فيها الأطفال".

وقال عبده الفرحان، موظف، "لا تقتصر معاناة المواطنين على فقدان بعض المواد الاستهلاكية وارتفاع أسعارها, بل تتعداها أيضاً  إلى الشح الكبير في المواد الاستهلاكية النوعية, كالحليب والأدوية، وخاصة المضادات الحيوية وأدوية المعدة والأدوية القلبية والسرطانية والمسكنات العامة وأدوية الليشمانيا والأمصال التي بات حضورها في المشافي والصيدليات ضروري جداً، بالتزامن مع توالي ارتفاع درجة الحرارة وانتشار الأفاعي والعقارب في المناطق الريفية".

من جانبه، أكد الصيدلاني، علي الحسن، أن أدوية كثيرة فقدت من الصيدليات في المناطق المحررة، مثل الأدوية القلبية والموسعات الوعائية والموسعات الصدرية التي يحتاجها المصابون بالأمراض المزمنة وخاصة كبار السن، لافتاً إلى أن أسعار الدواء ارتفعت بنسب تصل إلى أكثر من 125 بالمئة، بسبب صعوبة الحصول عليها، نتيجة عمليات الحصار التي تفرضها قوات النظام، ومنعها دخول الأدوية إلى المناطق المحررة.

وقال "إن أسعار الأدوية تتفاوت من منطقة إلى أخرى، وترتفع أسعارها كلما ابتعدت عن مراكز جلبها وتضاف عليها هوامش ربح إضافة إلى زيادات ملحوظة تفرض على نقلها، ويحسب في ذلك طول الطريق وخطورة جلبها من مصادر خاصة في المحافظات"، لافتاً إلى أن "بعض الحواجز التابعة للنظام تحصل على أموال عادة ما تكون كبيرة لتمرير بعض شحنات الأدوية، ما يجعلنا نزيد بسعرها حتى لا نخسر، ودائماً المواطن وصاحب الحاجة هو من يدفع ثمن ذلك".

رياض الناصر، عامل، أكد أن هناك معاناة كبيرة في تأمين حليب الأطفال الرضع من عمر شهر واحد إلى سنتين بسبب الحصار المفروض على المناطق المحررة ولاسيما الريف الغربي من المحافظة، لافتاً إلى أنه اضطر إلى السفر إلى عدة قرى آمنة على أمل أن يجد علبة حليب لرضيعته حتى وجد واحدة بسعر 1200 ليرة سورية، وهي لا تكفي طفلته عدة أيام.

وأشار إلى أن سكان المناطق المحررة في الجنوب السوري ناشدوا المنظمات الإنسانية والهيئات الدولية لمساعدتهم ومساعدة أطفالهم، لتأمين هذه المادة الضرورية (حليب الأطفال)، "لكن على ما يبدو صوتنا لم يصل ولم يعد أحد يسمعه".
 
الدكتور عبد الله، طبيب داخلية في إحدى المشافي الميدانية، أكد أن المشافي الميدانية وصيدلياتها تعاني من نقص كبير في الأدوية الإسعافية والعلاجية، إضافة إلى بعض الأجهزة والمعدات الطبية، ما يجعل المواطن يلجأ في طلب العلاج  إلى عيادات خاصة خارج منطقة سكنه أحياناً، ما يرهق كاهله المرهق أصلاً، بمصاريف إضافية.

وقال الطبيب: "غالباً ما نضطر إلى تأمين بعض الأدوية للمشافي الميدانية من القطاع الخاص ومن التجار، لكن بأسعار عالية جداً، وكمياتها محدودة، ولا تلبي الحاجة وحجم الطلب عليها"، لافتاً إلى أنه تمت مخاطبة عدة جهات دولية لتأمين بعض الأدوية الضرورية، لكنه لم يستجب أحد.

ويقول راكان اليوسف، بائع فروج، "كل شيء غالٍ جداً، يفوق إمكانات أي مواطن مهما كان إنتاجه، فعبوة الغاز بستة آلاف ليرة سورية، ولتر المازوت بـ 400 ليرة، والبنزين بنحو 650 ليرة، وربطة الخبز بنحو 250 ليرة سورية، من أين يأتي المواطن الذي لاعمل له بالأموال لشراء هذه السلع الضرورية؟!".

بدروه، سخر أحمد الباشا، سائق سيارة، عندما سألته عن آخر مرة تناول فيها لحماً، وأجاب أن آخر مرة كانت في عيد الأضحى الماضي، وقال "إن اللحوم لم تعد تدخل في حساباتنا أو موائدنا الغذائية، نظراً لارتفاع أسعارها، وعدم توفر الإمكانات المادية لشرائها، لذلك نعوضها ببعض المعلبات التي تصلنا في الإعانات الغذائية".

واقع إنساني مخيف يعيشه المواطن السوري، ينبئ على ما يبدو بتفاقم الوضع وازدياده سوءاً، إن لم تقم المنظمات الإنسانية بواجبها تجاه هذا الشعب، وباشرت بالتدخل لإيجاد بعض الحلول العاجلة.

ترك تعليق

التعليق