تلكلخ.. الثورة الموءودة والفصل الطائفي

 تلكلخ، المنطقه الحدودية مع شمال لبنان، في ريف حمص الغربي، من أولى المناطق التي شهدت حراكاً ثورياً في سوريا. بدايةً برز فيها عدد من المثقفين والطلاب الجامعيين والموظفين كبذرة صحية لثورة نموجية سلمية، لكنهم نالوا نصيبهم من القتل والاعتقال والتهجير منذ الاقتحام الأول لمدينة تلكلخ من جانب قوات النظام وأمنه وشبيحته الطائفيين.

 عودة الحراك الثوري لمدينة تلكلخ بغياب الطبقة المثقفة

 بعد التنكيل بثقافة الثورة السلمية التي تم وأدها، استمرت سيطرة النظام وإقامة الحواجز الأمنية في مدينة تلكلخ حوالي ستة أشهر، ومن ثم ما لبث أن عاد الحراك الثوري لهذه المنطقة، ولكن بغياب الطبقة المثقفة هذه المرة، ليظهر السلاح وتتحول الثورة إلى العسكرة. وبذلك كانت تلكلخ من أولى مناطق الثورة التي حملت السلاح ضد النظام وأزلامه.

 وبقيت أغلب أحياء مدينة تلكلخ تحت سيطرة الثوار قرابة سنتين (البرج، السوق، الأكراد، الحي الغربي، الحي الشرقي)، بعدها شنت مجموعات الشبيحة من القرى الموالية، بمساندة بعض القوى الأمنية وعناصر ما يسمى بـ "الدفاع الوطني"، هجمة همجية بتغطية نارية كاسحة من جيش النظام بمختلف أنواع الأسلحة، ارتكبت خلالها مجازر عدة، منها مجزرة حارة الأكراد، ومجزرة البرج، ومجزرة الحارة الغربية.

بالمحصلة، تم تهجير قرابة 70% من سكان تلكلخ (السُنة)، حوالي 50% إلى لبنان و20% إلى قرى وادي النصارى وطرطوس، ونسبة قليلة إلى الحصن والزارة، قبل سقوطهما بفترة طويلة.

 تلكلخ مدينة مقطعة بحواجز أمنية
 
بعد ذلك، سيطر الأمن على مدينة تلكلخ وأقام فها حواجز ونقاط تفتيش عدة على كافة المداخل ما تزال قائمة حتى الآن، كحاجز أبوعمار، وحاجز مدخل الحجر الأبيض (قرية علوية)، وحاجز معروف قرب السرايا الحكومية، وحاجز قديدو وسط الطريق العام الذي تمت إزالته منذ شهرين وتحويله إلى حاجز كبير ومدعوم عند ساحة كازية المصري (ساحة أبليس)، إضافة إلى حاجز الروضة في الطريق المؤدية إلى عين الخضره (الحي "العلوي" الملحق بتلكلخ)، وحاجز البرج وحاجز الجوية قرب دائرة المياه على الطريق المؤدية إلى قرى المخطبية وغيرها (قرى علوية)، وحاجز المشفى الوطني، وحاجز الصناعة في الطريق المؤدية إلى قرية تلسارين، وغيرها، وهذه قرى "العلويين". وتمت إزالة حاجز الجوية في بناية أبوعرب وحاجز المدارس وسط المدينة.

 وقد شارك أبناء "القرى العلوية" المحيطة باقتحام تلكلخ ونهبها وارتكاب الجرائم فيها.

 تلكلخ مدينة مقسمة بشكل طائفي

قسمت تلكلخ بشكل ممنهج إلى قسمين، قسم يضم ما بقي من أهالي تلكلخ السُنة، وبقي منهم حوالي 4 آلاف، بعدما كان العدد يتجاوز 25 ألف شخص ومعهم قرابة 3-4 آلاف شخص من النازحين واللاجئين. وقسم يضم المؤيدين من الطائفه العلوية، تم الفصل بين القسمين بوساطة حي الأكراد الذي هُجر سكانه ونُهب وأحرق بشكل كامل وممنهج.

 شهد القسم اﻷول عودة غالبية الأهالي الذين نزحوا إلى الحصن والزارة وقرى وادي النصارى وطرطوس. وخلال النزوح تم استغلال أهالي تلكلخ من قبل مناطق وادي النصارى، وطرطوس، وفُرضت عليهم أجور منازل بين (20 إلى50) ألف ليره سورية للمنزل الواحد مفروش، إضافة إلى غلاء السلع والمعيشة، مما اضطرهم بعد نفاذ مدخراتهم إلى العودة إلى مدينة تلكلخ والسكن في أي منزل صالح للسكن.

تم بعودتهم افتتاح أعداد قليلة من المحال بسلع قليلة، وبقيت على هذه الحال حتى نزح أهالي القرى المجاورة (الزارة والحصرجية والحصن وشويهد)، فأُهّلت المنازل المسلوبة من قبل بعضهم وتم افتتاح أعداد أكبر من المحال.

 أما القسم الثاني من مدينة تلكلخ الذي يضم المؤيدين من الطائفة العلوية (عين الخضرا، حي فارس، السرايا)، والقرى العلوية المحيطة، فقد شهدت رواجاً كبيراً لم تشهده من قبل، فقد تحولت إلى أسواق تضم أعداد كبيرة من المحلات وبسلع وفيرة من ألبسة وأحذية وأدوات كهربائية وأدوات صحية وأثاث منزلي ...الخ، أغلب بضائعها (أسواق التعفيش) من المحال المسلوبة من مناطق تلكلخ والزارة والحصن وحمص وغيرها.

الفصل الطائفي في الدوائر الحكومية بتلكلخ

بعد سيطرة قوات النظام بشكل كامل على مدينة تلكلخ، تم إعادة تأهيل وفتح كافة الدوائر الحكومية من السرايا وأمانة السجل المدني والنفوس والبلدية والمالية والمحكمة والبريد والرابطة الفلاحية والأعلاف والزراعة والاسمنت والمركز الثقافي والمجمع التربوي والعيادات الشاملة (بعد إغلاق بعضها خلال سيطرة الثوار).

وتم تأهيل وافتتاح المدارس، ولكن بفصلٍ كامل بين السُنة والعلويين على صعيد الكادر التدريسي والطلاب. ففي القسم اﻷول من المدينة، حيث يسكن السُنة، تم تأهيل وفتح ثانوية الشهيد مصطفى كدالم للإناث وثانوية الشهيد عمر فاروق الزعبي للذكور واعدادية محمد خالد مرجان، والثانوية التجارية، والثانوية الصناعية التي فيها اختلاط كادر تدريس وأغلبية طلاب من قرى علوية كونها في الطرف الغربي من تلكلخ ولا يوجد غيرها في المنطقة، ومدارس ابتدائية عدة، مدرسة اليرموك والفاطمية وحطين وأكرم الخطيب. أما في القسم الثاني من المدينة، الذي يضم المؤيدين من العلويين، فقد تم نقل كافة طلابهم إلى ثانوية علي العبدالله وابتدائية محمد علي حنوف.

نقل سوق الخضار من تلكلخ الى مدينة موالية

 توزيع الخضار إلى مدينة تلكلخ يقتصر على سوق واحد، فلا يتمكن أصحاب محلات بيع الخضروات من جلب الخضار إلى محالهم إلا من مصدر واحد، وهو سوق يدعى سوق الحجر الأييض، حيث تم نقله من مركزه المعتاد في سوق تلكلخ للخضار ليتحكم به بشكل كامل المؤيدون وبكافة التعاملات وبالأسعار التي ترضيهم، وبذلك بات أهالي تلكلخ والنازحون فيها تحت رحمة احتكار المؤيدين.

 واليوم، تلكلخ ترزح في ظلال فصل طائفي واضح، وسيطرة واستغلال لشبيحة المنطقة، تفعل ما تشاء بتغطية أمنية شكلية.

ترك تعليق

التعليق