عام 2015.. حينما تتذاكى بنوك سوريا

تسبب الركود الاقتصادي الناجم عن الحصار والعقوبات والحرب بتراجع أرباح المصارف الخاصة في سوريا، ولذلك يبدو منطقياً أن تسعى هذه المصارف "بحسب رأي مختصين"، إلى زيادة إيداعاتها بالقطع الأجنبي من خلال عمليات شراء الدولار من السوق أو من المصرف المركزي لتحقق أرباحاً من انخفاض قيمة الليرة المستمر، ولهذا الغرض سعت المصارف الخاصة في سوريا إلى التذاكي من أجل أن تقول أن أرباحها عالية.

فخلال السنوات الماضية منذ بداية الثورة، لجأت المصارف السورية إلى تغطية خسائرها بإعلانها عن ارتفاع الأرباح نتيجة ارتفاع سعر الدولار، حيث أظهرت القوائم والبيانات المالية الصادرة حديثاً (الصادرة عن المصارف)، أن أغلب المصارف السورية مازالت تحقق الأرباح بعد أن تم إعادة تقييم القطع البنيوي (إعادة تسعير الدولار)، وإن كانت هذه الأرباح تنخفض بنسبة سنوية 98.2% فالبيانات تدقق وتزوّر وتظهر المصارف على أنها رابحة على عكس الواقع.
 
المصارف العامة مفلسة

ولم يشهد العام 2015 أي تعديلات تذكر على ميزانيات المصارف الخاصة بسوريا، كما يُمكن الحديث بثقة عن فشل خطَط المركزي في الإبقاء على المصارف رابحة وقد لا يحالفها النجاح أبداً في المستقبل بعد أن تجاوزت خسائر القطاع المصرفي 800 مليون دولار خلال 4 أعوام من عمر الثورة (وفق تقديرات خبراء)، أما المصارف العامة فهي بالأصل مفلسة وغير قادرة على الإقراض والتمويل ولا على سد الاحتياجات وسط شكوك حول حقيقة إفلاس مصرف سوريا المركزي بعد الانهيار الكبير لليرة واستنفاذ أرصدة المركزي من العملات الصعبة.

وعلى الرغم من محاولات قيادات النظام إدارة "اقتصاد الحرب" خلال الأعوام الخمس من عمر الثورة، فإن "أميتها" في السياسة والاقتصاد دفعتها لأن تجعل القوائم المالية للمصارف السورية إما رابحة أو خاسرة بنسب طفيفة، بعد أن تم التلاعب بالمعايير الدولية المحاسبية ورُفع سعر الصرف، فتحولت الخسائر المتراكمة في المصارف الخاصة، بفضل التزوير، إلى أرباح وفق بيانات العام (2015)، واستمرت موجودات المصارف بالنمو والتوسع رغماً عن الحرب والحصار!!

وبلغة الأرقام.. زادت أرباح المصارف بنسبة 15% وفق النتائج المالية عن الربع الثالث من العام  2015، مقارنة بالفترة ذاتها من العام 2014، وتجاوزت عام 2010 بمعدل 85%، واحتل مصرف سورية الدولي الإسلامي الصدارة حيث بلغ إجمالي موجوداته: 120 مليار ليرة، خلال النصف الأول من عام 2015 بمعدل زيادة 31% عن عام 2014، مع العلم أن نسبة استحواذ المصارف على تداولات بورصة دمشق تبلغ حوالي 90% خلال 2015.

انخفاض صافي الربح قبل الضريبة

وحسب ما سبق فإن ذلك يعني أن المصارف مستمرة في تحقيق الأرباح رغم السحوبات وانعدام نسب التسليف، وهذه الأرباح فاقت ما حققته في السنوات السابقة، ومقارنة مع العام 2010 بالتحديد، ولكن ما لا نستطيع قراءته من هذه النتائج هو من أين أتى هذا الدخل (الربح) في ظل إحجام معظم تلك البنوك عن أهم مصدر من مصادر توليد الدخل، وهو الإقراض، في ظل الأوضاع والظروف الصعبة التي يمر بها القطاع المصرفي خلال الأعوام الماضية؟!

من ناحية أخرى، ارتفعت الإيرادات التشغيلية في كل المصارف بينما انخفض صافي الربح قبل الضريبة، حيث يعود ارتفاع الإيرادات التشغيلية في جزء منها إلى إعادة تقييم المراكز البنيوية للقطع الأجنبي والأرباح غير المحققة إلا في سوق القطع بسبب ارتفاع أسعار العملات الأجنبية مقابل الليرة السورية، أما انخفاض الربح قبل الضريبة فيمكن أن يُعزى إلى الاقتطاعات الكبيرة لحجز المؤونات تحسباً لمخاطر الائتمان.
 
وخلال السنوات العجاف، تراكم جزء هام من أموال السوريين التي يربحها كبار المساهمين أو "المستثمرين"، كإيداعات في خزائن المصارف الخاصة بشكل متصاعد، حيث بلغت خلال النصف الأول من عام 2015 مبلغاً قدرة 531 مليار ليرة بزيادة 22.5% عن 2014، وزيادة 400% عن 2010، ومقابل هذه الزيادات في الأموال المودعة، فإن هذه المبالغ لا تدخل حيز التشغيل والإنتاج في حيث لم يقابل زيادة الإيداعات زيادة في التوظيفات المنتجة (قروض – تسهيلات ائتمانية)، بل على العكس شهدت انخفاضاً.
 
الأرباح تتمدد وتنمو

ارتفعت أرباح المصارف الخاصة خلال سنوات الثورة بشكل متصاعد، فقد حققت صافي ربح خلال النصف الأول من عام 2015 بمقدار: 45 مليار ليرة بمعدل زيادة 80.3% عن عام 2014، وازدادت الأرباح بين عامي 2013-2014 بمعدل زيادة 65.5%، وحتى اليوم لا يوجد رقم حقيقي لقيمة الخسائر أو الديون المتعثرة.

فمن أين تربح المصارف العاملة في سورية عشرات المليارات، طالما أنها لا تقوم بعمليات إقراض بحجم ودائعها لتأخذ فوائد عليها؟!

ألا يبدو جلياً أن مصادر ربح المصارف الخاصة هو من تجميد أموالها المودعة بالقطع الأجنبي، ومن شراء الدولار مقابل بيع الليرة، أي عملياً من المضاربة على قيمة الليرة، والسعي لشراء القطع الأجنبي بشكل مستمر من السوق؟!

المصارف الخاصة تتذاكى

من خلال قراءة البيانات والإفصاحات المالية المنشورة للمصارف الخاصة، نجد أن الأرباح المحققة في هذه المصارف خلال سنوات الأزمة وارتفاعها المستمر ناتجة بشكل أساسي، وبنسبة تتجاوز الـ 90% عمّا يسمى  (فروقات القطع)، ولذلك يبدو منطقياً أن تسعى المصارف الخاصة "بحسب رأي مختصين" إلى زيادة إيداعاتها بالقطع الأجنبي من خلال عمليات شراء الدولار من السوق أو من المصرف المركزي لتحقق أرباحاً من انخفاض قيمة الليرة المستمر!!

خلاصة القول، أن المصارف الخاصة في سوريا تتذاكى وتدخل أرباح القطع البنيوي من أجل أن تقول أن أرباحها عالية لكن يجب تقييم نتائجها بالدولار أيضاً، لأن رأسمال المصارف أغلبه من القطع الأجنبي، وهذا يعني أن المصرف الذي رأسماله 5 مليار ليرة سورية مدفوعة، كانت تساوي 100 مليون دولار.

وبالنظر لبند حقوق المساهمين، نرى أنه يقل في ميزانيات المصارف عن 30 مليار ليرة، وهو يعني أن خسائر حقيقية قد وقعت خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، ليثبت يقيناً أن المصارف نجحت في امتحان تقييم القطع الأجبني وسقطت في امتحان حقوق المساهمين!!

ترك تعليق

التعليق