في درعا.. حينما تتحول شاشة الحاسوب إلى تلفاز


أدت الحرب المشتعلة على الأرض السورية، والتي دخلت عامها السادس بالسوريين في المناطق المحررة، إلى الاستغناء عن كثير من الأدوات الكهربائية التي تعودوا عليها لفترات طويلة، واستبدلوها ببدائل قديمة أو وائموا أنفسهم على الإمكانات المتوفرة، بسبب صعوبة الأوضاع الاقتصادية التي بات يعاني منها الجميع، وذلك في ظل ارتفاع متواتر للأسعار، وفقدان كبير في قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي، حيث بات الأخير المكافئ القيمي لكل مفردات الحياة الاقتصادية في البلاد، التي أصبحت ترتبط به أشد الارتباط.

ويشير الناشط الإعلامي عبد الرحمن إلى أن "السوريين بشكل عام، وأهالي درعا بشكل خاص، الذين تعودوا على العيش ضمن ما يتوفر من إمكانات، استطاعوا وبسبب الحرب ومنعكساتها السلبية على كل مناحي الحياة، أن يوائموا أنفسهم على أقل القليل، والرضا بما قُسم، معتبرين أن أساسيات الحياة وتأمين الاحتياجات اليومية الضرورية من طعام وشراب هي في سلم أولوياتهم"، لافتاً إلى أنهم استغنوا عن معظم الأدوات الكهربائية بسبب عدم وجود تيار كهربائي نتيجة الحصار المتواصل منذ عدة سنوات، وبسبب ارتفاع أسعار المشتقات النفطية اللازمة لتشغيل المولدات الكهربائية، واكتفوا بالبطاريات والمدخرات الصغيرة للإنارة، مستخدمين بدل اللمبات، المساطر الليزيرية التي باتت تنير كل  بيت، كبديل جيد ورخيص للمصابيح ذات الاستطاعة العالية.

وأضاف أن "شحن هذه المدخرات يتم عادة في محلات خاصة، اتخذت من شحن البطاريات والموبايلات وأدوات  الإنارة الكهربائية مهنة جديدة مدرة للدخل، في ظل الأوضاع القائمة"، منوهاً إلى أن هذه المحلات عادة ما تكون مزودة بمولدات كهربائية كبيرة، يتقاضى مشغلوها أجرة معينة عن كل بطارية أو مدخرة بحسب الحجم، وفترة الشحن التي تستغرقها.

وأضاف المصدر أن "هناك محلات أخرى ذات مهن محددة كالمطاعم ومطاحن الحبوب ومحلات بيع اللحوم، التي تقتضي طبيعة عملها تشغيل مولدات تعمل بالديزل، لا تتقاضى أي مبالغ على الشحن، إن توفر وجودها في المناطق السكنية".

من جهته، قال المهندس عدنان إن "المواطن في المناطق المحررة في جنوب سوريا، لم يعد يستخدم الأدوات الكهربائية المعتادة بشكل واسع واستعاض عنها بما كان يستخدمه الأجداد قبل أن تشهد البلاد وجود الكهرباء، فعادت النساء إلى الغسيل باستخدام اليدين أو إلى استخدام الغسالات التي تحتاج إلى استطاعة كهربائية أقل من الغسالات الذكية أو الغسالات العادية التي يمكن تشغيلها ببطارية كبيرة ورافع جهد، وبدل كي الملابس عاد الناس إلى طريقة وضعها تحت الفرشات الممدودة في غرفة الجلوس، أو تحت الفرشة التي ينامون عليها".

واستطرد المهندس: "وللحصول على المياه الباردة عاد الناس إلى استخدام /الخابية/ القديمة، وتحولت البرادات إلى مجرد أدوات لا فائدة منها، تشغل فقط مساحات واسعة في المطبخ، فقام الكثير من الأهالي ببيعها والاستفادة من ثمنها بشراء مواد، تدخل ضمن احتياجاتهم اليومية، أو حولوها إلى خزن لوضع الأغراض الصغيرة".

وأكد المهندس عدنان أن "هذا الإجراءات التي يقوم بها الأهالي تعود لعدم ثقتهم بعودة التيار الكهربائي قريباً، بعد ما حل به من خراب نتيجة الاستهداف المباشر الذي قامت به قوات النظام خلال فترة الحرب المشتعلة منذ أكثر من خمس سنوات، والتي أتت على معظم مكونات البنية التحتية بما فيها الكهرباء".

ويشير عواد، تاجر أدوات كهربائية، إلى أن "أهالي المناطق المحررة استبدلوا أجهزة التلفزيون بشاشات عرض مدمجة تشغل بالبطاريات"، لافتاً إلى أن هذه الشاشات متوفرة بأحجام مختلفة ولكن أسعارها مرتفعة جداً، لأنها  مرتبطة بأسعار الدولار حيث يتراوح سعر الشاشة ما بين 150 و 250 دولار أمريكي، وهي تعمل على البطارية حيث تستطيع بطارية بحجم بطارية الدراجة النارية استطاعة 7 أمبير، تشغيل شاشة العرض نحو ساعتين، فيما تستطيع بطارية استطاعة 100 أمبير تشغيل الشاشة لأكثر من 12 ساعة".

وأكد أن "مصادر الطاقة قد تكون المولدات في المحال التجارية التي تمتهن بيع الطاقة، أو اللوحات الشمسية لدى من لديه القدرة المادية على شرائها واستخدامها"، مشيراً إلى أن اللوحات الشمسية في المناطق المحررة باتت تنتشر بشكل واسع ويعتمد عليها في تشغيل الإنارة والأدوات الكهربائية التي لا تحتاج إلى استطاعة كهربائية عالية.  

بدوره، أكد غسان، صاحب ورشة تصليح أدوات كهربائية، أن "الناس وبسبب ارتفاع أسعار شاشات العرض  التلفزيونية الجاهزة في السوق، بدأوا بتحويل شاشات الحواسيب المتوفرة لديهم إلى شاشات عرض تلفزيونية، لعدم وجود طاقة كهربائية كافية لتشغيل الحواسيب، ما أدى إلى توقفهم عن استعمالها"، لافتاً إلى أن الورشات تقوم بهذه المهمة، وهي توفر مبالغ كبيرة على المواطن، مقارنة فيما لو اشترى شاشة جاهزة من السوق، كما وأن عملية التحويل هذه، وفرت فرص عمل مقبولة لأصحاب الورشات الذين توقف عملهم بسبب التوقف عن استخدام الأدوات الكهربائية المختلفة.

وقال غسان إن "عملية تحويل شاشة الحاسوب المدمجة إلى شاشة عرض تلفزيونية ، تتم من خلال تركيب دارة كهربائية يتم تصنيعها في الورشة من أدوات متوفرة مهمتها تحويل الـ 12 فولت التي تحصل عليها من أي بطارية أو مدخرة إلى 220 فولت، إضافة إلى تزويد الشاشة بمستقبل إشارة صغير /ريسيفر/ وملقطين معدنيين للوصل الكهربائي وبعض الاكسسورات اللازمة، وتصبح جاهزة للتشغيل واستقبال المحطات بعد وصلها بصحن استقبال الأقمار الصناعية"، لافتاً إلى أن عملية التشغيل الكهربائي تتم من خلال وصل الملقطين المعدنيين مباشرة بالبطارية.

من جانبه، أكد صهيب، العامل في نفس الورشة، أن "العيب الوحيد في تحويل شاشات الحواسيب إلى شاشات عرض، يكمن في أن كل الإضافات وتمديدات التحويل تتم بشكل خارجي، ما يجعل كل الأسلاك على كثرتها ظاهرة للعيان"، مشيراً إلى أن هذه العملية تكلف أكثر من عشرين ألف ليرة سورية، يكون نصيب الورشة منها نحو خمسة آلاف ليرة سورية، بينما يذهب المبلغ المتبقي لشراء الريسيفر والاكسسورات اللازمة.

وأكد صهيب أن "عمليات التحويل التي يقبل عليها الكثير من المواطنين، حركت عمل ورشات إصلاح الأدوات الكهربائية، وأمنت مداخيل جيدة لأصحاب الورشات، بعد توقف عملهم بشكل شبه كامل، تزامناً مع انقطاع التيار الكهربائي وتوقف الناس عن استخدام الأدوات الكهربائية".

ترك تعليق

التعليق