لاجىء سوري ينقل أسرار مهنة رتي السجاد إلى الأردن

غيّبت الحرب في سوريا الكثير من المهن التراثية التي كانت تكاد تنحصر في عدد قليل من الحرفيين، ومن هذه المهن مهنة رفء السجاد أو "الرتي" بالتعبير الشامي، وهي حرفة فنية تحتاج إلى مهارة وذوق وإحساس فني وصبر وإلى ثمن باهظ يدفعه الرفَّاء متمثلاً في ضعف البصر وحتى فقدانه أحياناً لإنكباب الرتا المتواصل على سجادة عتيقة يرتق فيها ما خربَّه الزمن أو الإهمال.

 وارتبطت هذه المهنة بكنية عائلة دمشقية عريقة هي (الرتا)، وكانت منتشرة في سوق المهن اليدوية في دمشق وخان الشونة في حلب وسوق النسيج في حمص.

أسامة شمس الدين، لاجىء سوري يعيش في مدينة إربد الأردنية منذ بداية الحرب، ورث مهنة الرتا عن والده منذ أكثر من ثلاثين عاماً، ولم يكن عمره قد تجاوز العاشرة حينما تعلم أسرار هذه المهنة-كما يؤكد- مضيفاً أن "هذه المهنة دخلت إلى حمص عن طريق الأرمن الذين كانوا بارعين فيها كبراعتهم في تصليح الساعات والدباغة".


 وتعتمد هذه المهنة -كما يقول شمس الدين لـ"اقتصاد"- على شغل اليد، كما تحتاج إلى موهبة ابتكار وإلى مهارات الحرفي والفنان.

 وغالباً ما يكون الرتا حائكاً زاول حياكة السجاد ثم تقاعد أو ورث الخبرة من أسرة امتهنت الحياكة زمناً ثم انصرفت إلى الاتجار بالسجاد، وتحتاج هذه المهنة كذلك إلى الصبر والجَلد.

في محل صغير لبيع السجاد بالقرب من مسجد إربد الكبير، انكّب أسامة على سجادة عتيقة طالتها عوامل التلف يحاول رتقها وإعادتها إلى ما كانت عليه لتأمين دنانير عدة تقيه ذل الحاجة والسؤال في ظروف اللجوء الصعبة بعد أن كان يمتلك محلاً شهيراً في وسط أسواق حمص القديمة.  
ويشرح سعد الدين مراحل رتي السجاد، فإذا كانت السجادة عجمية مثلاً وفيها ثقب يتم سدها بالخيطان لترجع كنسيج وتُشد على نول صغير.


 وتجري عملية النسج-كما يقول- بأدوات الصنارة في "الزرع" و"الإسقاط" والإبرة والكنار والحبكة، أما إذا كانت السجادة قد خسرت أهدابها فيتم وضعها–كما يقول محدثنا- على النول ويتم استخدام المشط أيضاً مع مراعاة عدم اختلاف القطبة عن الثانية لأن "الاختلاف يظهر عيباً في السجاد".

ولفت سعد الدين إلى أن "السجاد العجمي أصعب في شغله وفي رتيه وفي تركيز ألوانه من السجاد الصناعي ولعل العنصر الأهم والأساسي في تحديد قيمة السجادة الثمينة هو قدمها، وبالتالي ندرتها، وتعتبر حالة السجادة عنصراً مهماً في تحديد قيمتها، فالقطعة القديمة البالية لا يمكن أن تُستعمل إلا كديكور وليس لها قيمة تراثية أخرى".

 وكشف محدثنا بلغة الخبير بعض أسرار مهنة الرتا كما ورثها مشيراً إلى أن "زوال إطار السجادة كفيل وحده بتخفيض قيمتها إلى نسبة 20%"، وهناك–كما يقول-عنصر مهم آخر وهو عنصر الجمالية يليه عنصر النوعية أي النعومة التي تتمثل بالليونة، بحيث أن عدد القُطب في الديسمتر المربع "تتراوح بين 500 و 1 آلاف قطبة في السجادة الحريرية المتقنة الصنع".


ترك تعليق

التعليق