زي الجلابية.. غياب وطن، وحضور تراث بين لاجئي لبنان

هي لباس الرجال السوريين المفضل هنا في لبنان، كما يقول الخمسيني، محمد الحريري، أبو نواف من درعا. والجلابية كما يقول هي دليل على كمال الرجل وبلوغه مرحلة النضج والعقل في المجتمع.

وهي زي يعرفه كل الريف السوري، وإن كانت تبدو أكثر انتشاراً في المحافظات التي ما زالت تحافظ على طابعها البدوي حتى الآن مثل محافظة درعا ودير الزور وقسم كبير من ريف حلب والحسكة ذات الطابع البدوي الغالب.

والجلابية كما يضيف، تصلح لجميع المناسبات، الأعراس وفي مجالس العزاء والزيارات الرسمية والشعبية إضافة لكونها مريحة وباردة، وخصوصاً مع دخولنا فصل الربيع وارتفاع درجات الحرارة.

للجلابية خياطون متخصصون

ليست خياطة "الجلابية" التي يُقبل على تفصيلها اللاجئون السوريون هنا في لبنان بالأمر السهل، كما يقول الخياط، أحمد عامر، من القصير.

فلهذا الزي من لباس الرجال أنواع وقصات متعددة، ولكل عمر من الأعمار التفصيلة الخاصة به.

وعن مراحل صناعة الجلابية التي تستغرق أربعة أيام كاملة من العمل المتواصل، يقول الخياط أحمد عامر، إنها تبدأ بأخذ مقاس الزبون ثم يصار إلى اختيار نوعية القماش المناسبة للون بشرة الزبون وعمره، وأنواع الأزرار التي يرغب الزبون بوضعها على الصدر وتحت القبة.

ومن ثم تبدأ عملية القص (التفصيل) التي تشمل الصدر والأكمام والقبة والبدن، وهي عملية دقيقة وتحتاج لخبرة ودراية كبيرة.

وينوّه الخياط أحمد عامر إلى أنه يحترف خياطة الجلابيات الرجالية منذ أكثر من خمسة عشر عاماً.



أنواع الجلابيات الأكثر طلباً بين السوريين في لبنان

وعن أنواع الجلابيات التي يرغب بارتدائها السوريون هنا في المخيمات، فيقول الخياط أحمد، هناك الجلابية (الخليجية) وتتميز بكمها السحب الخالي من الاسوارة والأزرار، وتميزها الياقة (القبة) التي تأخذ شكل الدائرة، والقماش الخفيف، وهي جلابية صيفية وشعبية بامتياز.

أما الجلابية (الخرج)، فهي لها طابعها الرسمي حيث يتم تزويدها ببطانة داخلية عند الصدر، وبقطعة طولانية مزركشة بعناية تتم خياطتها من أسفل الرقبة وحتى منتصف البطن.

 كما ويمكن زركشة الجيوب بهذا النوع من القماش المزركش والمسمى (الخرج).

وتمتاز بكمها ذي الأسوارة، وقبتها التي تأخذ شكل الحرف V، والفتحات الجانبية من الأسفل التي يجب أن تكون بقياس ٢٥ سم، لتسهيل حركة الرجلين عند الكبار في السن، ناهيك عن قماشتها السميكة. وأجمل ألوانها، الأسود والبني الغامق والكحلي.


أفضل أقمشتها الصيني الصيفي، والهندي الشتوي

وأما عن أفضل أنواع القماش لتفصيل الجلابية فهو القماش (الصيني)، والذي يتميز برخص سعره وقلة سماكته وجمال ألوانه، وقدرته على تحمل عوامل الطقس والغبار.

وهناك القماش (الهندي) وهو أكثر سماكة ومقاومة للبرد، ويرغب به الكبار في السن، علماً أن الجلابية تحتاج لثلاثة أمتار من القماش للرجل العادي الطول الذي لا يتجاوز طوله ١٨٠ سم، كما يقول الخياط أحمد.


تراث غير مكلف، ومريح في اللبس

هي ليست لباساً عادياً، بل هي تراث آباء وأجداد يتناقلوه أينما كانوا، هي نكهة الماضي الريفي العتيق، كما يقول أبو نواف، هذه النكهة التي يبدو أنه سيحرم منها أنصار الجينز والكتان وغيرها من موضات هذه الأيام.

ومع أن تكلفة الجلابية قماشاً وتفصيلاً لا تزيد هنا في لبنان عن ١٥ دولار، إلا أن قيمتها التراثية لا تقدر بثمن.

ترك تعليق

التعليق