في ريف درعا الغربي.. يحلون بالسكرين في ظل حصار شديد ينال من السكان

بدت قرى وبلدات ريف درعا الغربي، وكأن على رأسها الطير، خاوية على عروشها، فارغة، تنعدم فيها كل مظاهر الحياة الاعتيادية، فلا حركة اعتيادية في الشوارع ولا محال تجارية مفتوحة، ولا أسواق تجارية عامرة كما كانت قبل عدة أيام سلفت، وذلك نتيجة نضوب المواد الاستهلاكية الموجودة فيها، وعدم تجددها بسبب عدم السماح بدخول وخروج المواد منها وإليها.
 
ويشير عبد الكافي، وهو أحد المواطنين من ريف درعا الغربي إلى أنه "لم يدخل إلى تلك المنطقة الغربية، ومنذ أكثر من أسبوع أي ليتر واحد من المشتقات النفطية، نتيجة الأعمال القتالية فيها بين لواء شهداء اليرموك من جهة وبين فصائل الجيش الحر وجبهة النصرة وأحرار الشام من جهة أخرى، حيث استنفذت كل المخازين الموجودة في القرى"، لافتاً إلى أن الغاز مفقود تماماً، ولتر البنزين ارتفع من 350 إلى نحو 1200 ليرة سورية، والمازوت من 300 ليرة إلى 600 ليرة، ما تسبب بتوقف كل وسائل النقل والآلات التي تعمل باحتراق المشتقات النفطية.

فيما أكد رئيف، وهو تاجر مواد غذائية، بأن "معظم محلات الجملة والمفرق في القرى الغربية التي تقع تحت سيطرة لواء شهداء اليرموك أغلقت أبوابها، وتوقفت حركة البيع والشراء فيها، لعدم وجود مواد استهلاكية نتيجة إغلاق الطرق بين المنطقة الغربية والمناطق الشرقية، المنفذ الوحيد لدخول البضائع والمواد الاستهلاكية إلى المنطقة الغربية"، مشيراً إلى أنه إذا استمر الوضع على حاله بهذا الشكل، فإن الأمر ينذر بكارثة إنسانية تكون وصمة عار أبدية على جبين المتسببين فيها، كما قال.

ولفت إلى أن معظم المحلات التجارية، ولاسيما المواد الاستهلاكية التي تبيع بالجملة والمفرق، أصبحت فارغة تماماً، ولم يعد فيها أي مواد بعد أن استجرها الناس، أولاً، ولعدم وجود بدائل لها ثانياً، موضحاً أنه منذ أكثر من أسبوع لا يوجد في كل المنطقة كيلوغرام واحد من السكر الذي وصل الكغ منه إلى 800 ليرة سورية، ولا يوجد ملح ولا زيوت ولا مواد تنظيف ولا طحين ولا أية مواد استهلاكية أخرى.

وقال أحمد، عضو لجنة الإغاثة في المنطقة، إن "الطحين المتوفر في المنطقة يكفي لإنتاج الكميات المخصصة من الخبز الإغاثي لمرة واحدة فقط، وإذا ما استهلكت الكمية ولم يتوفر البديل فلن يكون هناك خبز في الأيام القليلة القادمة"، داعياً اللجان الإغاثية في المحافظة والمنظمات وكل الشخصيات ووجوه حوران, إلى التدخل السريع والسماح بدخول المواد للمواطنين المتضررين من هذه الإجراءات، والبالغ عددهم في المنطقة أكثر من 45 ألف نسمة.

من جهته، قال بسام، موظف سابق، "لم أجد ما أُحلي به الشاي لأولادي، فاضطررت إلى شراء مادة السكرين التي تستخدم لتحلية المشروبات للمصابين بمرض السكري من الصيدلية، واستخدمتها لكن الأطفال لم يستسيغوها بسبب بعض المرارة فيها"، مضيفاً أنه رغم كل الأحداث التي شهدتها سوريا منذ أكثر من خمس سنوات، لم يغادر البلد ولا يزال  يعيش فيها لكنه حتى الآن لم يخبر مثل هذا الحصار لصعوبته، كما قال.
 
وقال عدنان، بائع بسطة خضار، "نتنقل  أحياناً بين المناطق المفتوحة والمحاصرة، ونمضي ساعات طويلة بالانتظار على الحواجز التي تفصل مناطق الصراع في المنطقة، حتى يتم السماح لنا بالدخول والخروج"، لافتاً إلى أن إدخال المواد الاستهلاكية الضرورية يخضع لمزاجية حواجز الفصائل المتصارعة، فأحياناً يسمحون ببعض السكر أو الرز أو المواد الغذائية الأخرى، وأحياناً يمنعون ذلك منعاً باتاً، حسب وصفه.
 
وأضاف عدنان أن "إدخال البنزين والمازوت ولو بكميات قليلة من الصعوبة بمكان"، لافتاً إلى أن التنقل بالنسبة للمواطنين بين حواجز الأطراف المتصارعة ومناطق نفوذها في المنطقة يتم سيراً على الأقدام فقط.
 
من جهته، أكد عبد الرحيم، وهو مزارع من المنطقة الغربية، فقدان الكثير من الأدوية وحليب الأطفال من الصيدليات, لافتاً إلى أنه إذا ما استمر توقف إدخال المواد والعقاقير الطبية، ولاسيما الخاصة بالأمراض المزمنة، ستكون الأمور في غاية الصعوبة.

وعبّر عن أمله أن تحدث حلحلة للوضع القائم ويسمح بدخول المواد الاستهلاكية، موضحاً  أن  جهوداً كبيرة تبذلها الشخصيات الاجتماعية في المحافظة، لإيجاد حلول للوضع القائم، الذي أرخى بظلاله على مختلف مناحي الحياة في المنطقة.

وأكد مواطنون في ريف درعا الغربي، لـ "اقتصاد"، أنهم يعيشون على إنتاج المنطقة من الخضروات الموسمية المتوفرة حالياً، كالفاصوليا والكوسا والخيار ولا يوجد غيرها من الأطعمة اليومية، التي أصبحوا يتناولونها في وجبتين أساسيتين لعدم توفر أو وجود مواد استهلاكية أخرى.
 
وأضافوا أنهم يتناولون أيضاً ما صنعوه من مونة كالمكدوس واللبنة والزيتون أكثر من المعتاد لعدم توفر بدائل أخرى، مؤكدين أن المونة أصبحت طعامهم في الوجبات الأساسية في هذه الظروف التي فرضت على المنطقة.
 
وأشاروا إلى خسائر اقتصادية كبيرة تكبدها مزارعو الخيار والكوسا والفاصولياء ومنتجي الحليب، حيث قدرت خسائرهم بملايين الليرات السورية، بسبب عدم قدرتهم على نقل فائض إنتاجهم إلى مناطق الاستهلاك الأخرى، داعين كل الفعاليات والقيادات الفاعلة في المحافظة إلى النظر بحال هؤلاء الناس، الذين يتضررون من تلك الإجراءات دون أن يكون لهم ذنب في ذلك، سوى أن قدرهم ساقهم للعيش في هذه المنطقة.

ولفت بعضهم في حديث لـ "اقتصاد"، أنه إذا كان الحصار هو بهدف التضييق على عناصر لواء شهداء اليرموك المتهم بمبايعة "الدولة الإسلامية"، فإن لدى هؤلاء مخازين كبيرة من كل المواد والاحتياجات تكفيهم لفترات طويلة، متسائلين ما ذنب سكان المنطقة حتى يتم حصارهم والتضييق عليهم، علماً أن هذه المنطقة كانت من أوائل المناطق التي تحررت في سوريا من سلطة النظام، وقدم أهلها تضحيات كبيرة وفتحوا بيوتهم لكل نازح من المناطق الأخرى بدون مقابل.

يشار إلى أن معارك كر وفر واشتباكات متقطعة بين فصائل الجبهة الجنوبية للجيش الحر وجبهة النصرة وأحرار الشام من جهة، وبين لواء شهداء اليرموك وحركة المثنى الإسلامية من جهة أخرى, تدور رحاها منذ أكثر من شهر في المنطقة الغربية من محافظة درعا وتحديداً على تخوم قرى وبلدات الشجرة ونافعة وعين ذكر والشبرق وصيصون والقصير، التي تعتبر المعاقل الأخيرة للواء شهداء اليرموك، دون تحقيق حسم نهائي لأحد الطرفين في تثبيت السيطرة على المواقع المتنازع عليها.

ترك تعليق

التعليق