مثال تفصيلي.. كيف تصل دولارات المعارضة إلى خزينة المركزي؟


يعد الريف الشمالي لحمص من أهم ممولي البنك المركزي في حماه من الدولار، فبحسب مراقبين، 30 ألفاً من الدولارات، تذهب يومياً إلى مناطق سيطرة للنظام في ضواحي مدينة حماه، لتجد من ينتظرها بفارغ الصبر، لتُحول إلى ليرات سورية، وتعود إلى مناطق المعارضة، فتسلك دولارات المعارضة طرقاً عدة، إلا أن جزءاً كبيراً منها يصب في أقبية المركزي.

 عبدالله أيوب، أحد تجار العملة، يقول لـ "اقتصاد": "دولاراتنا إلى خزينة المركزي شئنا أم أبينا، نحن بحاجة الليرة وهو بحاجة الدولار".

 أزمة فقدان الليرة

 أزمة دائمة يعاني منها الريف الشمالي لحمص، أهم أسبابها الحصار المفروض من قبل قوات النظام، كما يقول باسم عز الدين، أحد المتابعين لسوق العملة، في حديث خاص لـ "اقتصاد".

هناك فارق كبير بين كمية الدولار التي تضخ في الريف الشمالي، وكمية الليرة، إذ لا تدخل الليرة إلا عن طريق رواتب الموظفين العاملين في دوائر النظام، وعبر بيع بعض المحاصيل غير القابلة للاستهلاك محلياً، لمناطق النظام؛ أما الدولار فيدخل بكميات كبيرة عن طريق أطياف المعارضة المدنية والعسكرية والهيئات الإغاثية، ناهيك عن أن السواد الأعظم من الأهالي حولوا مدخراتهم إلى الدولار من بداية الأحداث الدامية، بسبب عدم ثقتهم بالليرة ووقوفها على حافة الانهيار أكثر من مرة، حسب وصف أبو إبراهيم، أحد سكان مدينة الرستن، في تصريح لـ "اقتصاد".


  منفعة متبادلة نتيجة لأزمة فقدان الليرة

 فسعر صرفها مقابل الدولار أقل بـ 20 ليرة في الريف الشمالي مقارنة بمدينة حماه، مما أدى لظهور منفعة متبادلة بين تجار الريف وتجار حماه، فتجار الريف يكسبون فرق التصريف، وتجار حماه يكسبون الدولار.

 سعر الصرف

رغم أن محال الصرافة لا تبعد عن بعضها إلا كيلومترات قليلة، فمن النادر جداً أن يُوحد سعر الصرف عند الجميع، بسبب حاجة أحدهم للدولار وحاجة الآخر لليرة.

 ففي مطلع شهر حزيران الجاري، شهد الريف الشمالي تخبطاً غير مسبوق في سعر الصرف، كما قال لؤي الضحيك، صاحب أحد محلات الصرافة، لـ "اقتصاد".

وقال الضحيك، "ما بعرف شو اللي صار يومها، كل مين كان يصرف عكيفوا، عالم تصرف بـ350، وعالم بـ 290 ليرة".

 وعند سؤاله عن سبب التخبط الذي أصاب سعر الصرف حينها، يقول لؤي، إن صعود الليرة من 650 إلى 450 خلال يومين سبب هدا التخبط، فالدولار "خرب بيوت وعمّر بيوت بيومين"، على حد تعبيره.


  حصار وتحديات

في ظل الحصار المفروض، تعد تجارة العملة من أخطر الأعمال التجارية، فتاجر العملة يخاطر بعشرات آلاف الدولارات ذهاباً إلى حماه، وعشرات الملايين من الليرات، في طريق العودة منها، ناهيك عن خطر اعتقال حامل الأموال.

 ولايزل أهل مدينة الرستن يتناقلون قصة (م.ح)، الذي أصبح في عداد المفقودين وبحوزته أكثر من 5 ملايين ليرة سورية وعدة آلاف من الدولارات، لحساب "السبسبي"، الذي يعد من أكبر تجار العملة على مستوى المنطقة.

 يقول محمد العي لـ "اقتصاد": "(م.ح) اعتقل على أحد حواجز قرية تقسيس المتاخمة لمدينة حماه عندما كان يهرب الأموال لحساب أحد الصرافين".


 حيل وألاعيب

 يقوم تجار العملة الأقل جرأة ومغامرة بسداد فواتير البضاعة بليراتهم في حماه، لحساب تجار الجملة في الريف الشمالي، وعند تمام بيع البضاعة، يعيد تاجر الجملة الليرات لتاجر العملة، وبهذه الحيلة يكون تاجر العملة قد قلل من مخاطر تهريب العملة على حواجز النظام، كما يصف باسل صطوف، أحد تجار الجملة في ريف حمص الشمالي، في تصريح لـ "اقتصاد".

 انتشار وتبعية تجارة العملة لم تعد حكراً على محلات الصرافة فحسب، بل انتشرت بين معظم المحال التجارية ومحال بيع المحروقات والمجوهرات والألبسة والسمانة؛ هكذا يبدو للناس، لكن المفاجئة أن أغلبهم يعملون لحساب إحدى محلات الصرافة الكبرى، التي لا يتجاوز عددها، خمس محلات.

محمد منصور، صاحب أحد محلات السمانة، يبيع ويشتري الدولار، قال لـ "اقتصاد": "أبيع وأشتري الدولار لحساب أحد محلات الصرافة مقابل عمولة متفق عليها فهذا يجلب لي الربح ويكفيني شر المخاطرة".

 بكل الأحوال، إن كل دولار يحول إلى الليرة السورية يدخل في الدورة الاقتصادية، ليستقر في خزينة المركزي، بسبب عجز مناطق المعارضة عن إيقاف تداول الليرة السورية واستبدالها بأي عملة أخرى، لعجزها عن الاستغناء عن التبادل التجاري مع مناطق النظام رغم مرور خمس سنوات من الحرب الدامية.

ترك تعليق

التعليق