بانوراما سوق الأطباء والمشافي بسوريا.. رصد لوسطي التكاليف

مازال الطب والاستطباب في سوريا أفضل حالاً، - نوعاً ما-، من كثير من الدول المجاورة، فكم من مريض مصاب بجلطة دماغية أو قلبية عجز ذويه مادياً وإنسانياً عن العلاج في لبنان "الشقيق"، وعادوا محمولين إلى سوريا، وتم علاجهم بتكلفة أقل بكثير تصل لنصف التكلفة في لبنان، وبعضهم لم يسعفه الحظ بالعلاج فتوفي.

ومع استمرار الثورة والدمار والتراجع لقيمة العملة المحلية، وارتفاع الأسعار الجنوني، وترافقها بالانهيار في كل شيء، أضحى الطب والأطباء في سوريا من المشاركين بالاستغلال الذي بات أمراً طبيعياً جداً في أيامنا هذه.

معاينات بأسعار مضاعفة

 تتراوح كشفية الطبيب اليوم ما بين (1000-3000) ليرة سورية بحسب المنطقة والشهرة والاختصاص، بعد أن كانت قبل الثورة بما يقارب الـ (500) ليرة، أو أقل بكثير أحياناً.

والملاحظ اليوم رفض جميع الأطباء المتعاقدين مع شركات التأمين الصحي، الخصم من الكشفية.

 وتبلغ قيمة التحمل في بطاقات التأمين لدى الأطباء (10)%، "أي أن المريض يتحمل دفع 10 ليرات لكل 100 ليرة من قيمة أجرة الطبيب"، وهذه البطاقات تعطى للعاملين في القطاع العام، ولكن يتفاجىء المريض الحامل لبطاقة التأمين الصحي بالطبيب يقول له: "أنا ما بخصم من الكشفية بس بعطي وصفة طبية للأدوية المشمولة بالتأمين".

وبهذا يأخذ الطبيب كشفيته كاملة ثم يسجل المريض عنده على التأمين، فينال أيضاً مبلغاً من شركة التأمين.

ومعظم الأطباء في سوريا يتعاقدون مع مشافي أو مستوصفات أو مراكز صحية أو عيادات شاملة حكومية، وهنا نرى الجانب الآخر من الاستغلال للمواطن السوري، والأمثلة كثيرة جداً ومتداولة، فعندما يلجأ المواطن السوري إلى مشفى وطني مجاني لإجراء عملية يطلب الطبيب المسؤول عن إجراء هذه العملية مبلغاً مادياً تكون قيمته بحسب نوع العمل الجراحي، وتكون حجة الطبيب (مشان دير بالي عليك)، رغم أنه في مدخل المشفى "الوطني" العام المجاني، ترى لافتة كتب عليها العبارة الآتية: (المعاينات والتحاليل وصور الأشعة وصور الايكو والعمليات الجراحية مجانية بشكل كامل وأي ابتزاز مادي يرجى مراجعة إدارة المشفى).

عمليات جراحية ورشرشة

واليوم، تجرى في المشافي "الوطنية" العامة، أعداد هائلة من العمليات الجراحية من عمليات (قلب وشرايين وأوردة، وجراحات عينية وأنفية، وأذنية وبحصة وزايدة وتركيب مفاصل وعمليات ديسك وولادات طبيعية وقيسرية .....).

فمثلاً، إجراء عملية قثطرة قلبية في مشفى خاص يتطلب إجرائها مبلغ (800) ألف ليرة سورية، أما في المشفى الوطني المجاني يضطر المريض لإعطاء الطبيب مبلغ يتراوح بين (100-150) ألف ليرة سورية لإعطائه دوراً قريباً، والعناية به أثناء العمل الجراحي، وهنا تقتحم الذاكرة جملة رددتها أم حسن، "وإذا ماعنده المواطن قدرة لدفع رشوة للطبيب في هذه الحالة عليه انتظار دوره، وعدي ومدي، ايمت ليجي هالدور شهرين تلاتة أربعة خمسة".

 أما إجراء عمليات بسيطة مثل عملية (استئصال بحصة او مرارة أو زايدة أو ولادة قيسرية..)، فيتطلب إجراء مثل هذه العمليات في مشفى خاص حوالي (60-80) ألف ليرة سورية، أما في مشفى وطني مجاني فيضطر المريض لدفع مبلغ يتراوح بين (5-7) آلاف ليرة سورية يطلبها الطبيب الذي سيقوم بإجراء العمل الجراحي بشكل مباشر مخالفاً بذلك قوانين المشفى، ولكن لا رقيب أو حسيب، ولا حتى تفتيش يطال هذا الموضوع.

أما إجراء عمليات زرع مفصل في مشفى خاص يبلغ ما بين (200-300) ألف ليرة سورية، أما في مشفى وطني مجاني يضطر المريض فقط لإعطاء الطبيب بضعة آلاف تتراوح بين (10-15) ألف ليرة سورية.

ولكن العمليات الصعبة الدماغية والأورام السرطانية في بعض مواقع خطرة سواء كانت تتطلب عمليات جراحية أو إشعاعية فلا يمكن إجرائها سوى بمشافي خاصة بمبالغ هائلة مرهقة للمواطن السوري تتراوح بين (2-4) مليون ليرة سورية، وبالتالي معظم من يحتاج لمثل هذه العمليات لا يتمكن من إجرائها فيجلس منتظراً أجله.

أما في المشافي الخاصة المتعاقدة مع شركات التأمين، يقوم الموظف المتعاقد مع شركات التأمين بتحمل نسبة (10)% فقط من كلفة العمل الجراحي.
 
ونسبة المواطنين السوريين المشمولين بالتأمين الصحي قليلة جداً مقارنة مع تعداد الشعب السوري، فالموظف الحكومي فقط من يشمله التأمين الصحي.

تأمين صحي ولكن

ولا يشمل التأمين الصحي كل ما هو تجميلي بما فيه علاج الأسنان فهو غير مشمول بالتأمين، وتختلف معاينة أطباء الأسنان من طبيب لآخر، ولا يلتزم أي طبيب بالتسعيرات الرسمية، فقلع الضرس يتراوح بين (500-1000) ليرة سورية، أما إزالة عصب وتركيب حشوة فتتراوح من طبيب لآخر بين (1500-3000) ليرة سورية، أما تركيب قالب حماية للضرس (تلبيسة) فقد ارتفعت تكلفتها لتصل إلى ما بين (5000-8000) ليرة سورية بحسب الطبيب، أما تركيب جسر لضرس فقد ارتفع إلى ما بين (12-15) ألف ليرة سورية، في حين تركيب تقويم للأسنان فقد تراوح بين (50-75) ألف سورية، وبكل الحالات السابقة الذكر يسأل الطبيب "بدك أصلي ولا نص ع نص ولا نوع رديء"، فعندما تطلب نوع جيد يرتفع السعر إلى الضعف أما إذا كان جوابك "وضعي ع قدي بدي نوع لا بأس"، لا تستمر الحشوة في فمك أكثر من شهر أو شهرين.

وعندما تقول للطبيب الدكتور، "فلان عم ياخد أقل من هالأسعار"، فيكون جوابه حاضراً، "أي عم يجيب بضاعة صينية وعم يضحك عالعالم أنا عم حطلك أصلي وبيضاين".

ولايزال المواطن السوري يعيش حالة الاستغلال في كل شيء، ولسان حاله، إن لم تستح فافعل ما شئت.

ترك تعليق

التعليق