قصص واقعية لسوريين.. أغنتهم "الفوركس"، أو أفقرتهم

"أحمد، 30 سنة، حقق أرباحاً بمقدار 15 ألف دولار خلال خمس دقائق"، أو، "أنا ربة منزل، حققت أرباحأ بمقدار 7300 دولار خلال ربع ساعة".
 
كثيراً ما نجد هذه العبارات على صفحات الانترنت وسائل التواصل الاجتماعي للإعلان عن شركات التداول أو ما يعرف بالفوركس (تداول العملات الأجنبة)،  لكن ما حقيقة الربح الكبير والسريع؟، وكيف يتم الدخول في مثل هذه التجارة؟، وما هي مخاطرها وفوائدها؟
 
هذه الإعلانات تستهدف محبي الثراء السريع بشكل أساسي، وهم غالباً ما يصدقون هذه الإعلانات، أما البعض الآخر يتجاهلها ويخشى الاقتراب منها خوفاً من المخاطرة،  لكن أي من الموقفين هو الصحيح؟
 
حاول "اقتصاد" البحث في هذا المجال ومتابعة حالات لأشخاص عملوا في هذا المجال، سواء كعملاء ومستثمرين أو كوسطاء.

الفوركس أو ما يعرف بتداول العملات الاجنبية، تعتبر أكبر سوق بالعالم حيث تعدى حجم التداول اليومي 5.5 تريليون دولار، وهو بدون منافس، أكبر من أسواق البورصة (الأسهم)، حسب رأي فادي، الشاب السوري الذي يعمل مدير حساب في إحدى شركات الفوركس في اليونان.  

يقول فادي: "يعتبر الفوريكس أو تداول العملات الأجنبية طريقة جيدة للحصول على دخل إضافي ويمكن أن تكون مصدر دخل ثابت إذا تم التعامل مع شركات موثوقة وبطريقة مدروسة ومهنية، تعتمد على الطرق العلمية والحسابات الدقيقة عند إجراء الصفقات، وليس على طريقة المقامرة والحظ".

ونصحية فادي، أنه يمكن اعتبار التداول كالتجارة، يحكمه الربح والخسارة، وكما أن التاجر لا يضع كل  رأس المال في صفقة واحدة وإنما يضع نسبة ضئيلة منه، كذلك التداول الناجح والآمن يجب أن يتبع نفس المبدأ.
 
تواصل "اقتصاد" مع شباب وشابات سوريين دخلوا في هذا المجال، منهم من نجح ومنهم من فشل وخسر كل رأس المال.

 يروي محمود قصة صديقه الذي أغراه الربح السريع لعدد من الصفقات، حيث حقق أرباحاً بمقدار 2400 دولار خلال يومين، فقرر أن يضع كل ما لديه من مدخرات مع الاستدانة من أصدقائه ليتمكن من الدخول "بصفقة العمر" بناء على أخبار اقتصادية تتنبأ بهبوط الجنيه الاسترليني مقابل الدولار، ولكن الرياح لم تأتِ كما يشتهي وخسر كل رأس المال المودع مع شركة الفوركس لأنه لم يتخذ احتياطاته لوقف الخسارة عند إجراء الصفقة وغرق في حلقة مفرغة من الديون لم يخرج منها حتى الآن منذ 2013.

هالة، مدرِّسة سورية تعيش في إحدى دول الخليج، تروي تجربتها لتعطي مثالاً عن الطريقة التي يتم فيها توريط الشباب والشابات في شركات التداول.

"لا أدري من أين حصلوا على رقم هاتفي، تلقيت مكالمة من رقم دولي وكان من بريطانيا، والمتحدث يتكلم العربية وبلهجة حلبية، وأخبرني عن شركتهم مع الكثير من المغريات بالأرباح وإمكانيات الدعم، والرافعة المالية للتمكن من دخول الصفقات، ومن ثم طلب مني فتح الموقع الالكتروني للشركة وأخذ يوجهنى على الموقع، ومن ثم قال لي يوجد زر ايداع بااللغة الانكليزية (deposit ) فقط، اضغطي عليه وعند الوصول للصفحة التالية ضعي رقم بطاقتك الائتمانية وأودعي مبلغ 100 دولار".

تردف هالة ضاحكة بأنها كانت فقط تريد أن تعرف إلى أين يريد أن يصل هذا المتحدث لأنها سمعت الكثير عن محاولات النصب والاحتيال على الانترنت.

"بحياة أمك، هذا كان ردي العفوي لطلبه، ولكنه لم يكترث وحاول اقناعي بأن هناك خبر حول شركة آيفون وبأن أسهمه سوف تصعد خلال ربع ساعة وهذه صفقة مضمونة ألف بالمئة، بعد ذلك اضطررت لإنهاء المكالمة ولم أرد على مكالماته بعدها".

نهلة، ممرضة تحدثت لـ "اقتصاد" عن صديقتها في العمل، ومعاناتها مع زوجها الذي أغرقها بالديون والقروض وذلك لتورطه في الفوركس، وبسبب سعية للربح السريع خاطر بصفقات كبيرة وخسر معظمها بدون إمكانية للتعويض. خسر جميع مدخراته والقرض الشخصي له ولزوجته ومن ثم لم يتمكن من سداد قرضه الشخصي مما تسبب بسجنه وتسريحه من العمل.  

حسن، شاب سوري يعيش أيضاً في إحدى دول الخليج العربي، ويعمل في أحد مراكز التسوق براتب شهري بالكاد يكفيه لتغطية تكاليف الحياة، تخرج من كلية التجارة والاقتصاد في سوريا، ولكنه لم يجد وظيفة ملائمة لاختصاصه في بلده، يقول لـ "اقتصاد: "التداول حقق لي دخلاً إضافياً كافياً لتغطية ما ينقصني وتغطية حاجات أهلي المادية في سوريا. بدأت بالتداول منذ سنتين، ولا أذكر حدوث أي مشاكل معي".

 عند سؤاله عن السبب في نجاحه، قال أنه عندما فكر بالدخول في مجال الفوركس وبسبب دراسته للتجارة والاقتصاد، لم يتعامل مع الفرصة باستهتار، فقد قام بقراءة الكثير عن البورصة والتداول والفوركس، وكيفية إجراء الصفقات وشروطها، وعندما قرر اختيار شركة معينة، قام بإجراء بحث عنها وعن أي تعليقات أو تقييم لها سواء كان سلبياً أو إيجابياً، للتعامل معها على الانترنت، وكيفية التعامل مع الإيداع والحصول على الأرباح، بالإضافة للبحث عن عنوانها والبلد الذي تعمل فيه وسجلها التجاري.

"بالنسبة للصفقات، أنا لا أجازف بصفقة أكبر من 2% من رأس المال بحيث يمكن تعويضها بسهولة في حال الخسارة، ومع ذلك أقوم بتعيين حد معين للخسارة الذي يجب أن تقف عنده الصفقة، وبهذا لا أخسر كل رأس المال بحال حصل تغيرات سريعة ومفاجئة في أسعار العملات"، أحمد مفصلاً.
 
تعتبر الفوركس أو تداول العملات الأجنبية أكبر سوق بالعالم حيث تعدى حجم التداول اليومي 5.5 تريليون دولار. 70% من حجم تداول السوق العالمي يتم في أسواق أميركا وبريطانيا واليابان،  في حين أن 30% من التداولات تتركز في الأسواق الآسيوية واستراليا ونيوزيلاندا.

الفوركس تجارة فورية ومباشرة يتم فيها تبادل العملات الأجنبية من جميع أنحاء العالم ضد بعضها البعض على مدار الساعة ما عدا السبت والأحد، على شكل أزواج.

يسمى السعر بين العملتين بسعر الصرف. على سبيل المثال يتم تحديد زوج العملات على سبيل المثال (يورو- دولار أميركي) والذي يعتبر أكثر الأزواج تداولاً، ويحدد سعر الصرف بـ 1.135، وذلك من خلال شركة وساطة تقدم خدمة عبر الانترنت فتقوم هذه الشركات بالتعاقد مع مزودي السيولة والبنوك والمؤسسات المالية التي توفر التسهيلات المالية للعملاء أو ما يعرف بالروافع المالية (مضاعفة رأس المال). كما تتعاقد شركات الفوركس مع مزودي الأسعار والبنوك الكبيرة لكي توفر أسعار تداول العملات وهي أسعار فوركس حقيقية تعكس حالة الاسواق.

 يضاف إلى السعر الحقيقي ما يعرف باسم القيمة المضافة أو فروق السبريد (Spread )  وهي تمثل أجرة شركة الفوركس مقابل كل خدماتها، بحيث تكون جميع الصفقات خاسرة لحظة دخولها لأن شركة الفوركس تأخد الأجر مباشرة، ومن ثم حسب نوع الصفقة (شراء أو مبيع) بالإضافة لتحركات السوق (صعود أو انخفاض بسعر الصرف) تكون الصفقة خاسرة أو رابحة.

عندما يبدأ العملاء بوضع الصفقات على برامج تداول العملات مع شركة الفوركس، يتم تمرير كل أوامر وصفقات العملاء مباشرة وبسرية تامة إلى البنوك والمؤسسات المالية المؤهلة للتنفيذ، وكل هذه العملية تتم في أقل من ثوان من خلال شبكة الوساطة الالكترونية (ECN ) بوصفها الجسر الذي يربط المتاجرين الأفراد مع شركات الفوركس والمصارف ومزودي السيولة.

بالنسبة للفرق بين البورصة (الأسهم)  والفوركس، تعرف البورصة بأسواق الأوراق المالية، وهي دائماً تميل إلى أن تكون احتكارية، حيث يمكن لكبار المشاركين بأسواق البورصة التحكم بالأسعار أو التلاعب بها وتوجيهها لصالح صف معين، بالإضافة إلى أنه ليس هناك خيار سوى الذهاب إلى مقر هذه الأسواق من خلال تبادلات مركزية ونادراً ما تتوفر الوسائل الالكترونية ذات الكفاءة، على العكس من سوق الفوركس فهي أسواق لامركزية لذلك يمكن تنفيذ كافة المعاملات المالية من أي مكان طالما هناك اتصال بالانترنت وحتى من الممكن التداول بالعملات الأجنبية من خلال أجهزة الهاتف المحمول.

نظراً لضخامة سوق الفوركس من المستحيل أن يتحكم به المشاركون أو توجيه الأسعار لناحية معينة فلا توجد إمكانية للاحتكار لأنه فعلاً سوق مالي ضخم جداً مقارنة مع أسواق الأسهم.

من خصائص سوق الفوركس هو التوازن بالرغم من أن هذا يبدو غريباً فالكل يعلم أن الخاصية الأساسة لسوق الأسهم هو الهبوط المفاجئ ولكن سوق الفوركس يختلف عن سوق الأسهم في أنه لا يهبط والمقصود بذلك عندما تفقد الأسهم قيمتها يكون هذا انهيار أما في سوق الفوركس إذا انهار الدولار الأميركي مثلاً فإن ذلك يعني فقط أن هناك عملة أخرى أصبحت أقوى، أي صعود سعر العملة الأخرى.

وبناء على ثبات أسواق التجارة بالعملات الأجنبية، يعتبر سعر العملة بضاعة كاملة السيولة يمكن شراؤها أو بيعها في كل الأوقات.

في الجزء الثاني سنقدم قصة حقيقية مع الأدلة والأرقام حول طرق شركات الفوركس بتوريط المستثمرين والضغط عليهم والتهرب من دفع الأرباح أو إعادة المبلغ المودع، ونصائح حول التداول الصحيح والآمن وكيفية الوقاية من التورط مع شركات غير موثوقة، وكيفية استرجاع الأرباح من الشركات غير الموثوقة.

ترك تعليق

التعليق