في مناطق من درعا.. "اقتصاد" يرصد ظاهرة تجنيد الأطفال في فصائل مسلحة


يسير ربيع  ذو الـ 12 عاماً، متثاقلاً بجسده النحيف، الذي ينوء تحت ثقل بندقية روسية الصنع، يعلقها بكتفه مروراً بعنقه وبمجموعة مخازن وقنابل يدوية.

 ربيع، هذا الطفل اليافع كان في الأمس طالباً في الصف الثاني الإعدادي، عرف عنه الجد والاجتهاد والمثابرة، لكنه أصبح اليوم مقاتلاً يدعى "أبو البراء"، بعد انتمائه لفصيل مقاتل.

ويقول ربيع: "كنت طالباً مجداً عندما كان هناك من يقدم لي ويصرف علي، لكن الآن بت أعتمد على نفسي، لأني فقدت والدي في إحدى المعارك مع قوات النظام"، لافتاً إلى أن ظروفه الحالية وغياب المعيل عن الأسرة دفعه إلى ترك مقاعد الدراسة والانتساب إلى إحدى فصائل المعارضة العاملة في منطقته، وذلك من أجل أن ينتقم لوالده أولاً، ومن أجل تأمين دخل ثابت ينفق منه على والدته وإخوته الثلاث الصغار ثانياً، كما يخبر "اقتصاد".

يشير ربيع إلى أنه واحد من أصل نحو 20 طفلاً من عمره، دفعتهم الظروف الاقتصادية إلى تحمل المسؤوليات مبكراً، وذلك من خلال الانتساب إلى دورة تدريبية تقيمها إحدى الفصائل للمنتسبين الجدد، لافتاً إلى أنه جرب الكثير من المهن والأعمال، لكنه لم يتمكن من الحصول على دخل ثابت يؤمن له الإنفاق على أسرته، حسب ما قال.

ويقول رفيقه عمران: "انتسبنا للدورة لأنه لم يعد أي مستقبل أمامنا، لا دراسي ولا غيره". ويضيف: "كنت طالباً في الصف التاسع ولكن بسبب ملاحقة الأمن لأقاربي خفت أن أذهب إلى مدينة درعا لتقديم فحص التاسع، فاضطررت للبحث عن عمل أعيل به أسرتي بعد اعتقال والدي، فعملت في ورشة تصليح ماتورات، وبائع بنزين، وبائع بسطة، لكن ارتفاع الأسعار كان يوقعني دائماً بخسائر كبيرة، لم أستطع تحملها، فرأيت أن أنتسب إلى إحدى الفصائل المقاتلة في بلدي، لتأمين دخل أساعد من خلاله أسرتي على العيش الكريم، فانتسبت إلى هذا الفصيل، وهو يمنحني راتباً شهرياً نحو خمسين دولاراً، إضافة إلى بعض الحوافز الأخرى أنفقها على نفسي وعلى أسرتي". 

وحول خطورة العمل العسكري على حياته، قال عمران إن "قيادة الفصيل لا تزجنا في المعارك مباشرة، لصغر أعمارنا، وعملنا يقتصر على  الحراسة والإخلاء، وعلى بعض الأعمال العسكرية غير الخطرة".  

وأضاف "إن حصل شيء لا سمح الله ومتنا، فنموت شهداء".

وأردف "إن الأعمار بيد الله".

من جهته، أكد الناشط الحقوقي أبو قيس الحوراني أن "مثل هذه الحالات كثيرة جداً بين الفصائل المقاتلة"، لافتاً إلى أن الثورة بتداعياتها أفرزت العديد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي انعكست بشكل مباشر على جميع أفراد المجتمع كباراً وصغاراً.

وأشار إلى أن "الجرائم التي ارتكبها النظام بحق الرجال والشباب، دفعت الكثير من الأطفال واليافعين إلى تحمل المسؤوليات بشكل مبكر جداً بسبب غياب المعيل، ما دفعهم إلى ترك مقاعد الدراسة والبحث عن مصادر رزق ثابتة في ظروف اقتصادية صعبة جداً، نتيجة غياب خيارات فرص العمل والمهن الأخرى الأقل خطورة".

وأضاف أن "فتح باب العمل في هذه التنظيمات العسكرية وسهولة الانتماء إليها، شجع اليافعين والأطفال على الانتساب إليها"، مؤكداً أن انتماء الأطفال إلى هذه الفصائل يخالف كل أعراف وتقاليد مجتمعاتنا التي تركز بتعليماتها على ضرورة تعليم الأطفال وإبعادهم عن كل مظاهر التسليح، وتوفير الأجواء الصحية الآمنة لهم.

وقال: "بدل أن يكون هؤلاء الأطفال على مقاعد الدراسة، صاروا يُزجون في أتون حرب طاحنة، وأصبحوا عرضة للهلاك بسبب تواجدهم في أماكن غير آمنة ومستهدفة من قبل قوات النظام"، داعياً إلى إيجاد تعليمات تمنع وتحد من تجنيد الأطفال في الأعمال المسلحة، وتحدد العمر المسموح له بالانتساب إليها.

أم زاهر قالت: "رجوت ابني البالغ من العمر 13 عاماً بألا ينتسب إلى الفصائل المسلحة، وحاولت إبعاده عن ذلك عدة مرات، لكنه مصر على ذلك لأن عدداً من رفاقه منتسبين إليها"، مبينة أنها لا تحتاج إلى عمله ولا إلى راتبه، لأن لديها مورد يكفيها وأسرتها، حيث تتلقى بعض المساعدات من خارج الوطن من أقاربها ومن أهلها هناك.

واستطردت "لم أعد أملك سلطة عليه ولم يعد يستمع إلى كلامي"، مشيرة إلى أن قادة بعض الفصائل تعاطفوا معها واستجابوا لها بإبعاد ابنها عن فصائلهم، لكنه ترك قريته وانتسب إلى فصيل مسلح في منطقة أخرى.

عبد الفتاح، مدرس لمادة علم النفس، يقول لـ "اقتصاد": "هذه هي ضريبة الحرب، فالأطفال فيها هم الحلقة الأضعف دائماً والأكثر تأثراً بمجرياتها"، مشيراً إلى أن غياب فرص التعليم والفقر الشديد، الذي أصبحت تعاني منها كل المناطق المحررة، وفرت أرضية خصبة لتجنيد اليافعين، وهنا تكمن الخطورة، حسب وصفه.

وأضاف أن "اليافع أو المراهق الذي يحمل السلاح في غياب الراعي والمعيل أصبح يرى نفسه رجلاً وسيداً لنفسه، وبالتالي بإمكانه أن يرتكب كل ما هو متوقع من ممارسات خاطئة"، داعياً الجهات المسؤولة في المناطق المحررة إلى الانتباه لهذه الظاهرة، والعمل على الحد منها لأنها ستخلق في المستقبل جيلاً يشجع على العنف، وتصبح السيطرة عليه من الصعوبة بمكان، خاصة إذا ما علمنا أن هؤلاء الصغار يتعرضون لعمليات مسح دماغ كاملة وتأثيرات مختلفة منها ما هو عقائدي، ومنها ما هو إيدلوجي، حسب وصفه.

يشار إلى أن تسليح الأطفال وزجهم في تنظيمات وفصائل تتبنى أفكاراً عقائدية، تشهد استنكاراً ملحوظاً من أفراد المجتمع، لما لذلك من منعكسات وتأثيرات سلبية على بنية المجتمع ومستقبله، لذا ارتفعت العديد من الأصوات في المناطق المحررة، تدعو إلى لجم هذه الظاهرة والحد منها.



ترك تعليق

التعليق