المشغولات الفضية.. حرفة الفن والإبداع التي غيّبتها الحرب


غيّبت الحرب الكثير من المهن التقليدية السورية التي حظيت فيما مضى بشهرة عربية وعالمية واسعة، نظراً لجمالها ودقة صناعتها وتعدد فنون صياغتها في أشكال مختلفة.

 ومن هذه المهن، صناعة الفضة، التي تشمل المشغولات الفضية المتعلقة بالحلي النسائية كالقلادات والأقراط والأحزمة والخواتم والخلاخل، والأساور والمكاحل وغيرها.

 كما تشمل أدوات المطبخ وأواني الطهي والقطع المستخدمة في الديكور المنزلي كـتحف تزيينية، والمشغولات الفضية الأخرى مثل الخناجر والشمعدانات والأواني وإطارات اللوحات والساعات.
 


وكانت صناعة الفضة في السابق تتم بطرق معينة نظراً لاستخدام معدات بدائية حيث كان سحب الفضة يتم بالدواليب اليدوية "العجلات الدوارة"، أما اللحام فكان يتم بواسطة مصباح أو سراج كبير توجه ناره عن طريق منفاخ داخل أنبوب خاص.

واستعيض عن العجلات الدوارة في السنوات التي سبقت الحرب، بأدوات كهربائية للسحب والطرق والتلميع مع الحفاظ على مهارة اليد العاملة، وهذا ما ميّز هذه الصناعة وأكسبها قيمة كبيرة، إذ ليس بإمكان الآلة أن تقلد الصناعة اليدوية.

 وبالتالي فإن الفن والإبداع يلعبان دوراً أساسياً في خلق الإنتاج الفني من المشغولات الفضية-كما يؤكد- مرشد عنيني أحد حرفيي صناعة الفضة لـ"اقتصاد"، مشيراً إلى أن "عملية صناعة الفضة كانت تتم عن طريق صهر المادة الخام أو الفضة المكسرة في سبائك كبيرة ثم تُسحب بالماكينة على شكل صفائح أو رقائق يجري تقسيمها إلى أجزاء حسب الحاجة ثم يتم تشكيل القطعة المطلوب إنتاجها".


 ومن مراحل هذه الصناعة -بحسب محدثنا- الرسم بقلم الكوبيا على ألواح الفضة ثم الحفر بقلم النقش ثم الطلاء أو إضافة المينا السوداء المعروفة بمينا العمارة.

ويقوم الحرفيون–كما يقول معيني- بإدخال الصفيح إلى المعمل كألواح خام ويتم قصها حسب الشكل المراد تصنيعه، وتبدأ بعدها عملية "اللم اليدوي" والطرق اليدوي أو معالجتها على مكابس المكنات.

 ويأتي بعد ذلك –كما يقول محدثنا- دور لحام القطع التزيينية عليها وكلها من النحاس كـ "وردات صغيرة" أو عناصر نباتية أو هندسية على الحرف.

 ثم تأتي عملية الصقل والنقش، فالصقل للسادة والنقش للقطعة المزخرفة.

 والمرحلة الأخيرة-بحسب عنيني-هي عملية التلميع –البولش- وبعدها ترسل القطعة إلى جناح المغاطس فتمر القطعة ما بين 24 -25 مرحلة لتصل بعدها إلى حوض الفضة أو الذهب أو غيرها من معادن التلبيس.


وأكد معيني الذي كان يمتلك مصنعاً للمشغولات الفضية في بلدة فيروزة شرقي حمص أن "استخدام الآلة الحديثة في طرق الفضة وتشكيلها لم يؤثر على مهارة اليد العاملة، إذ ليس بإمكان الآلة أن تقلد الصناعة اليدوية، وبالتالي فإن الفن والإبداع يلعبان دوراً أساسياً في خلق الإنتاج الفني من المشغولات الفضية".
 
وخفّ الإقبال على اقتناء مصنوعات الفضة في السنوات التي سبقت الحرب نظراً لارتفاع أسعارها، فأصبحت لا تستخدم إلا في المناسبات الخاصة كعلب "الملكة" أو في هدايا الأفراح وما شابهها، مما اضطر حرفيو المهنة-كما يؤكد عنيني- إلى إدخال بعض الخامات الأخرى في عملهم مثل الكريستال والزجاج والفخار والنحاس كما اتجهوا إلى الإكسسوارات النسائية من قلائد وأقراط باستخدام الفضة مع الأحجار الكريمة والجرانيت واللؤلؤ والمرجان وإلى تصميم القطع التزيينية.


ومن القطع التراثية التي كان يصممها عنيني صندوق العروس (سبت العروس) الذي ارتبط بتقاليد العرس الشامي القديم، وكان هذا الصندوق–كما يقول- يحتوي على مجوهرات العروس ومقتنياتها الثمينة، ويتم إخراجه مع جهازها ليلة العرس، وكذلك صندوق مهملات العروس الذي كان تحفة فنية بكل معنى الكلمة، وهناك جاطات الفواكه للمآدب الكبيرة والشمعدانات بأنواعها والكؤوس الرياضية عالية الجودة والدروع والمباخر.

ترك تعليق

التعليق