"أطباق القش" الملونة في تلبيسة.. مهنة تراثية اغتالتها المكننة الزراعية


قلما يخلو بيت من بيوت مدينة تلبيسة الواقعة في ريف حمص الشمالي من طبق ملون من القش يزين جدرانه، ويضفي لمسات من الفرح والبهجة في ظروف الحرب والحصار المفروض على المدينة.

 وكانت صناعة أطباق القش تحظى بمكانة خاصة تلبي احتياجات الناس اليومية في زمن كانت فيه الصناعات اليدوية هي السائدة.

 وشكلت هذه المهنة مصدر رزق لأبناء الأرياف السورية قبل أن تغتالها المكننة الزراعية. وكانت منتجاتها تستخدم لوضع الطعام والأباريق والأوعية والأواني الساخنة فوقها إلى جانب استخدامها بغرض الزينة بألوانها الزاهية وأحجامها المتنوعة، ويقتنيها بعض هواة التراث كمشغولات فنية تعكس أحد الأنساق التقليدية العريقة في سوريا.


"عبد اللطيف السعيد" أحد وجهاء تلبيسة ورئيس بلديتها السابق تحدث لـ"اقتصاد" عن مراحل هذه المهنة التي تبدأ-كما يقول– من ذهاب نساء المدينة إلى بيادر القمح المسماة "الشكارة" وهي السيقان اليابسة التي توضع فوق البيدر قبل عملية الدراسة ويقمن بجمع السويقات الطويلة متوسطة العرض وتنظيفها من القشور يدوياً وقصها وجمعها بعد نزع الحنطة منها، ويتم نقعها في الماء لمدّة يوم أو يومين لتساعد على جدلها ومرونة استخدامها.

 وبعد أن تنشف-كما يقول محدثنا- يتم صبغها بألوان مختلفة كالأحمر والأخضر والأصفر والأزرق، ويتم تحديد الألوان التي يرغب الصانع باستخدامها في الطبق.

 وكان القش–كما يقول السعيد- يصبغ بدرجة حرارة عالية بعد أن يقص وينتزع قشره ثم ينشر على الأسطح كي يجف ليصبح جاهزاً لاستخدامه، ويبدأ صانع الطبق بجمع عدد من "القصلات" بشكل طولي ثم يأتي بقصلة قوية ويقوم بلفها ثم إخاطتها بمخرز أشبه بمخرز الإسكافي الذي يصنع ويصلّح الأحذية.

 ويردف محدثنا: "بعد ذلك يتم لف الحزمة بشكل دائرة ضيقة جداً وتشبيكها مع غيرها بخيطان متينة تُدعى (المصيص)، ويتم تكرار العملية ذاتها مرات عدة، وتأخذ اللفّات بالإتساع على نحو دائري بحيث يتبع كل ثلاث أو أربع لفات عقدة واحدة حتى يأخذ الطبق شكله النهائي، وأحياناً تقوم بعض السيدات برسم أشكال تزيينية ونجمية أو كتابات للتباهي بمهارتهن في هذه الصناعة وإضفاء مزيد من الجمالية والإبداع الشعبي على الطبق".


ويستغرق صنع الطبق الواحد-كما يؤكد السعيد- حوالي أسبوعين وذلك تبعاً لمساحته حيث يجري التحكم بقطر الطبق عن طريق تحديد عدد الدوائر القشية التي يتألف منها والتي عادة ما تكون بعرض واحد، سواء كان الطبق كبيراً أو صغيراً. أما أشكال الأطباق فهي تتنوع بين ما هو مسطح أو مقعر، بارتفاعات متفاوتة، أقلها طوقان وأكثرها ستة حسب الغرض المراد من استخدام الطبق.

وأشار محدثنا إلى أن كل منازل تلبيسة في الخمسينات والستينات من القرن الماضي كانت تمارس هذه المهنة التراثية التي كانت تشكل مورداً اقتصادياً هاماً لأهل المدينة حيث يتم بيعها لتجار الأثاث المنزلي في حمص.

 وتراجع الاهتمام بهذه المهنة التراثية فيما بعد بسبب قلة من يزاولها من أهالي تلبيسة وعدم توفر المادة الأولية، إذ أصبح غالبية الفلاحين-كما يقول السعيد- يميلون بعد دخول المكننة الزراعية إلى استخدام الحصّادة والدرّاسة الآليتين في جني محاصيلهم، في ظل انقراض "المورج" و"الحيلان" كوسائل في الحصاد. والدراسة كانت سائدة في الماضي، علاوة على اختفاء مظاهر البيادر في المدينة.


ترك تعليق

التعليق