في استطلاع لـ "اقتصاد": الإغاثة بالغوطة، ما لها وما عليها


ما إن شاهدت اسمها في القوائم الإسمية لمندوب الحي المختص بكافة عمليات التوزيع الإغاثي حتى لاحظ كل من حولها البهجة والفرح في عيونها وكأنها قد ربحت ما يعادل كيلو غرام من الذهب.. هكذا كان حال السيدة "أم حسن"، المرأة الغوطانية المسؤولة عن أحفادها الأيتام عند استلامها لسلة غذائية وزن 42 كيلو غرام في بلدة سقبا.

 وتقول "أم حسن" إنها تعيل أطفال ابنها الثلاثة والذي استشهد قبل ثلاثة أشهر جراء غارة من الطيران الحربي على المدينة، وبذلك أصبح العبء عليها كبيراً من الناحية المادية.

وفي خطوة هي ربما تكون الأولى من نوعها على مستوى الغوطة الشرقية في مجال العمل الإغاثي، قام تجمع من المنظمات الإغاثية داخل الغوطة بتغطية ما يزيد على ثلاثين ألف عائلة بسلة غذائية وزنها 42 كيلو غرام تحوي أغلب المواد الأساسية في الطبخ والغذاء.

حاول "اقتصاد" تقصي واستطلاع آراء المستفيدين وكافة المعنيين بهذا الأمر للوقوف على حيثيات هذا العمل من جميع جوانبه، ونقل وجهات النظر بكافة أنواعها.

يقول السيد "أبو حمزة الدمشقي" أحد سكان بلدة حموريا، إن هذا العمل له أثر إيجابي لا بأس به في تخفيف معاناة الناس، لكن بالمقابل له أثر سلبي جداً، وأثره السلبي أنه قد فاقم الوضع الإنساني، إذ بتلك الحملة ارتفعت أسعار المواد الغذائية التي تم سحبها من الأسواق بشكل كبير جداً، لأن الكمية التي سُحِبت تُقدر بمئات الأطنان وليست مجرد رقم صغير يتمثل بطن أو طنين. وبذلك فإنه (حسب نظرية العرض والطلب)، ارتفعت أسعار المواد بشكل كبير نتيجة سحب معظمها من الأسواق. مما فاقم من معاناة رب الأسرة الذي يشتري حاجياته من السوق.

فيما يرى السيد "هيثم عيون" أن التوزيع لم يتم بشكل عادل، فقد تم استهداف بعض العوائل التي حصلت على سلة قبل حوالي شهر أو شهرين، والعوائل التي لم تحصل على أي سلة منذ زمن لم يتم استهدافها بأي عملية توزيع تتعلق بهذه الحملة. أيضاً هناك عوائل مستضيفة لعوائل أخرى وعدد أفرادها يزيد عن 10 أفراد مقارنة بعوائل عدد أفرادها صغير لم يتم استهدافها في التوزيع، وذلك بحسب "عيون"، الذي أضاف: "نتمنى أن لا يتم خلق فتنة وحساسية بين أفراد الحي الواحد نتيجة هذا التوزيع، فإذا كانت السلة الغذائية سبب لمشاكلنا وقطيعتنا فلا مرحباً بها".

في حين قال السيد "أبو علاء" إن هذه الحملة استطاعت التخفيف عن رب الأسرة وتحملت جزءاً من الأعباء الاقتصادية، فسعر المواد التي تم توزيعها على كل عائلة يفوق 50 ألف ليرة سورية، وتوفير هذا المبلغ على العائلة مهم جداً ولا سيما مع تزامن التوزيع مع فترة عيد الفطر الذي جاء في ظل أوضاع اقتصادية صعبة.

فيما يرى عدد من سكان مدينة سقبا في الغوطة الشرقية أنه لأول مرة يتم استهداف أكثر من 3000 عائلة في سقبا وحدها (التي يبلغ عدد سكانها 8000 عائلة) بسلة غذائية من هذا الحجم الكبير، إذ أنه وبحسب استطلاع رأي أجراه "اقتصاد" في المدينة فإن هذه السلة تكفي عائلة متوسطة مكونة من 6 أفراد مدة تزيد عن شهر، مقارنة بالتوزيعات الماضية التي تتمثل بسلة وزن 10 كيلو غرام لا تكفي سوى أسبوع على الأكثر.


ومن أجل تسليط الضوء على كافة جوانب الموضوع في هذه المادة قمنا بالحديث مع القائمين والمسؤولين على تلك الحملة من أجل محاولة الإجابة على تساؤلات المدنيين التي طرحوها، والوصول إلى حلول مقبولة تُرضي الجميع.

فقد التقينا بالأستاذ "حسين خيتي" المدير التنفيذي للهيئة العامة للتنسيق الإغاثي، الذي أكد لـ "اقتصاد" أنه كان في السابق حملات إغاثية على مدى خمس سنوات ولكن على مستوى البلدات، حيث يتم تغطية بلدة أو بلدتين فقط، ولكن هذه الحملة هي الأولى على مستوى الغوطة الشرقية، "وباعتقادي أنها من أولى الأمور التي يجب العمل عليها، وذلك لترشيد الدعم الذي يستهدف الغوطة بالإضافة إلى أن العمل الإغاثي الآن يتمحور ضمن العمل المؤسساتي الذي لم نشهده في فترات سابقة".

وأضاف "خيتي": "إن أهم المعايير التي تم الإعتماد عليها أثناء التوزيع، هو العائلات المتضررة نتيجة للقصف الشديد على الغوطة وكانت عبارة عن سلة طوارئ مستعجلة لهذه العائلات بالاضافة للعائلات الأشد فقراً والمعاقين والمصابين، وهناك اعتراضات من قبل بعض العوائل التي لم يشملها التوزيع لأننا قمنا بانتقاء العوائل التي تنطبق عليها المعايير السابقة لأنها أشد حاجة من غيرها، فالعمل الإنساني في الغوطة الشرقية وبسبب قلة الإمكانيات يجب أن يستهدف الأولى فالأولى. ولو كان بمقدورنا تغطية جميع المدنيين لما قصرنا وهذا من دواعي سرورنا".

فيما كشف الأستاذ "فراس المرحوم" مدير مكتب IHR في الغوطة الشرقية، عن الآلية التي تم من خلالها التنسيق بين المنظمات الخمسة التي دعمت هذا المشروع، وذلك من خلال تشكيل لجنة طوارئ خاصة ترأسها المهندس أكرم طعمة، نائب رئيس الحكومة السورية المؤقتة، وانضم إليها مندوب عن إدارة العمل الإغاثي في القطاع الأوسط بالإضافة إلى مندوب عن الهيئة العامة للتنسيق الإغاثي في قطاع دوما، فضلاً عن ممثلي المنظمات الخمسة كأعضاء في هذه اللجنة، بهدف تنسيق التوزيع مما يسهم في شمل جميع البلدات والقطاعات والمدن في غوطة دمشق دون استثناء أي بلدة.

وفي رده على فكرة أن هذه الحملة أسهمت في ارتفاع فاحش في الأسعار قال "المرحوم" إنه تم تأمين جميع المواد الغذائية من كافة المنظمات المشاركة في اللجنة قبل إغلاق معبر مخيم الوافدين بالإضافة إلى الأنفاق التي كانت تعتبر شريان حياة للغوطة، حيث تم إغلاق كافة معابر الغوطة وإطباق الحصار في شهر آذار / مارس من العام الحالي.

 وأضاف: "الكميات التي تم شراؤها على مدى شهرين تقريباً لا يمكن أن تؤثر على حركة أسواق الغوطة سلباً خصوصاً أن سياسة المشتريات لدى جميع المنظمات تبتعد عن التدخل السلبي في الأسواق".

وأكد "المرحوم" أن عملية التوزيع امتدت على مدى عشرين يوماً ومازالت مستمرة إلى الآن، فقد عقدت اللجنة المنظمة 12 اجتماعاً تنسيقياً وتم ترتيب التوزيع ضمن جميع البلدات واختيار واستهداف شريحة مقيم ومهجر على حد سواء وفق معايير محددة وبنسب متقاربة بين معظم البلدات وذلك بالتنسيق مع اللجنة وإشراف مباشر منها، إضافة لمساهمة اللجان المحلية في الأحياء في كل بلدة، آخذين بعين الاعتبار المقاطعة مع بقية التوزيعات التي تتم عبر منظمات عديدة فاعلة تعمل ضمن الغوطة وفي جميع البلدات. مع التنويه إلى أنه لم يتم الوصول حقيقةً لتغطية الحاجة وإنما سد جزء من الاحتياجات فقط لدى الأهالي. إذ أن عائلات الغوطة الشرقية تزيد عن 80.000 عائلة ونسبة الفقر تزيد عن 90%، آملين أن نستطيع زيادة العمل من الجهات المانحة للتركيز على الغوطة الشرقية التي عانت كثيراً وبحاجة المزيد.

وبما أن مرحلة انتقاء المستفيدين هي من أكثر المراحل حساسية وأهمية بحسب الأستاذ "أبو عبد الرحمن" مندوب جمعية Life for syria ، فقد تم الإطلاع بشكل كافي على الوضع الإقتصادي للعوائل المستهدفة بالتوزيع بحيث تصل السلة إلى مستحقها الفعلي من خلال التنظيم الخاص الذي عملوا عليه مع لجنة الطوارئ طيلة فترة التحضير، وبذلك يمكن أن تصل المنفعة إلى أكبر عدد من الناس.

وختم "أبو عبد الرحمن" أنه هذه المرة الأولى التي يتم العمل فيها بشكل جماعي ضمن اتحاد خمس منظمات داخل الغوطة، مما يعطي العمل مزيد من الجودة في تنفيذ الأداء وتقليل الأخطاء، مضيفاً: "نتطلع في الأيام القادمة إلى تكرار مثل هذه التجربة لما فيها من فوائد تعود بشكل مباشر على المحاصرين داخل الغوطة الشرقية. كما نتمنى تعميم هذه الخطوة في عموم المناطق المحررة".

يُذكر أن المنظمات الخمس التي أشارت إليها الشهادات في هذا التقرير هي (جمعية نبع الحياة - منظمة فزعة - IHR - مؤسسة شباك أمل - منظمة Life for syria - وانضمت مؤخراً مؤسسة إحسان) كما أن السلال الغذائية التي تم توزيعها تحتوي على مواد غذائية من طحين ورز وبرغل وعدس وفاصولياء وحمص وزيت وبعض المعلبات، وقد تستطيع توفير ما يزيد عن 100 دولار أمريكي على رب الأسرة الذي بات في الغوطة الشرقية يرزح تحت حكم تقلبات السوق المخيفة والمفاجئة.

ترك تعليق

التعليق