بعد أن خسر كل ما يملك في دير الزور.. صيدلاني سوري يؤسس مشروعاً استثمارياً ناجحاً في بلجيكا


خسر الصيدلاني السوري، راشد السعيد، مع أشقاء له، مشفيين ضخمين إثر تدميرهما على يد قوات النظام في مدينتي دير الزور والميادين منذ سنوات، وكان يملك معهم الحصة الأكبر منهما، ولكنه لم يخسر طموحه ولم يستسلم لليأس والإحباط، فأنشأ مشروعاً اقتصادياً عبارة عن مركز تسوق ضخم في أهم منطقة بمدينة أنتويرب البلجيكية في شارع gemeentestraat 23 جانب محطة القطارات الرئيسية، بعد لجوئه إلى هناك، ليثبت أن السوريين كطائر العنقاء يخرجون من تحت الرماد.

(راشد السعيد)

تخرج السعيد مواليد بلدة الشحيل 1979 من جامعة مولدوفا عام 2004، وافتتح صيدلية في مدينة دير الزور، وفي عام 2010 افتتح مع أشقائه مشفى النور الذي كان مؤلفاً من 9 طوابق، ومشفى مثيل في مدينة الميادين، عالج فيهما الجرحى والمصابين من جميع أطياف مجتمع الجزيرة، بعد اندلاع الحراك الثوري عام 2011، ولم يرق هذا الأمر للنظام فانتقم من مالكهما على طريقته.

 وروى السعيد لـ"اقتصاد" أن اللواء ""جامع جامع" الذي قُتل فيما بعد أرسل له ولأشقائه أكثر من تهديد بتدمير المشفيين بمن فيهما، وتم اعتقال شقيقه الدكتور "نوري السعيد" الذي كان مديراً للمشفى في الشهر الثامن من عام 2011 من قبل الأمن السياسي، وتعرض مشفى النور بعدها للقصف نظراً لعلوّه الشاهق مما جعله هدفاً واضحاً لقوات النظام.

عام 2013 وبعد فترة من التخفي عن أنظار مخابرات النظام في ريف دير الزور خرج السعيد إلى تركيا، وبعد أكثر من سنة ونصف واستنفاذه لما يملك من المال تمكن من الوصول إلى بلجيكا نهاية 2014 وبقي هناك لسنتين يعيش على مساعدات اللجوء المسماة (الأوسموي).

ونظراً لقلة الراتب الذي لا يكفي للعيش بكرامة وعدم قدرته على العمل بمهنة الصيدلة وصعوبات اللغة قرر السعيد افتتاح مركز تسوق.



 ولفت محدثنا إلى أن فكرة المركز التسويقي جاءته لأنه لم يرغب في الجلوس بلا عمل وبسبب خلو مدينة انتويرب من أي مركز أو سوبر ماركت سوري، فغالبية المحال فيها يديرها عراقيون ومغاربة وأتراك مع بعض المحال السورية الصغيرة، لذا أراد أن تكون له بصمة في خدمة اللاجئين السوريين.


 وأردف محدثنا أن بعض أصدقائه الأطباء ممن كانوا يعملون في مشفيي النور والميادين عرضوا عليه الدعم المادي لإنشاء أي مشروع وبعد تفكير رأى أن أفضل وأسهل مجال استثماري هو افتتاح مركز تسوق "سوبر ماركت" للسوريين خاصة وللعرب المتواجدين في المدينة عامة، بمساعدة شقيقه الدكتور "نوري السعيد" مؤسس منتدى الصداقة في هولندا.


ويمتد المشروع الذي أطلق عليه اسم "سارة ماركت" على مساحة 500 متر، وينقسم إلى عدة أقسام كالمجزرة والمحاسبة والخضار وقسم المنظفات وغيرها، ويعمل فيه تسعة موظفين 5 منهم مغاربة وعراقيان وسوريان، وحاول صاحب المشروع –كما يقول- تأمين جميع المستهلكات السورية وبعض السلع التي لا يجدها السوريون في مكان آخر، مشيراً إلى أنه قدم عروضاً مميزة في الأيام الأولى لافتتاح المركز، وأهمها الخبز السوري كونه المادة الرئيسية على موائد اللاجئين السوريين في بلجيكا.


 وأكد محدثنا أنه اضطر لإحضار الخبز من فرنسا بشكل يومي كي يوفّر عروضاً مغرية للزبائن على هذا النوع من الخبز الذي يلقى إقبالاً من البلجيكيين والأجانب على حد سواء.


ولفت السعيد إلى أن الغالبية العظمى من اللاجئين في مدينة "انتويرب" البالغ عددهم 15000 شخص يعيشون على المساعدات التي تقدمها الدولة البلجيكية ولا يملكون أعمالاً بسبب اللغة وعدم الإندماج، ونسبة قليلة منهم إضافة إلى المهاجرين القدماء من يملكون أعمالاً خاصة في المدينة.


ونفى محدثنا حصوله على دعم أو تمويل من الدولة البلجيكية ولكن بعض المؤسسات الحكومية أرسلت له بعض الإيميلات في حال احتاج لأي منها وهم يحاولون-كما يقول- تقديم المساعدة لكافة المشاريع، وبخاصة تلك التي يقوم على تأسيسها اللاجئون الجدد، كما عرضت بلدية المدينة خدماتها الفنية والمعلوماتية وتعهدت بخفض فواتير اللافتات الدعائية و"الركلام" إلى نصف قيمتها في حال تم تسديدها بانتظام، مشيراً إلى أن موظفي البلدية كانوا في منتهى السرور لوجود مشروع كهذا في المدينة.


وحول شعوره حيال تأسيسه لمشروع تجاري ناجح وسط أوروبا بعد أن خسر كل ما يملكه في وطنه الأم، أشار محدثنا إلى أن كل ما خسره لا يساوي قلامة ظفر لأحد من أهله وأقاربه وأحبائه الذين فقدهم جراء الحرب، مضيفاً أن "ما تم تدميره سيُعاد بناؤه بإذن الله وهو لا يساوي جزءاً قليلاً مما دمر في نفوس السويين وشعورهم".


 وأعرب محدثنا عن حزنه وغصته لعدم قدرته على رؤية والديه اللذين قاربا السبعين عاماً من عمرهما ولم تتح لهما الظروف أن يرياه ينهض من جديد.






ترك تعليق

التعليق