جداريات "البريك".. محاولة فنية لتأمين لقمة عيش


في زوايا عدة من منزله بالقرب من مخيم الزعتري ( شمال الأردن) توزعت العديد من اللوحات الزيتية التي تمثل مشاهد طبيعية وريفية، وبدت في صدر غرفة الجلوس لوحة جدارية ضخمة ملأت مساحة الحائط، تمثل سوراً ريفياً يتوسطه باب من الحجر البازلتي الأسود، وفي ركن آخر من المنزل بدا الفنان "عدنان البريك" القادم من مدينة حمص، وهو منشغل برسم لوحة جديدة أطلق عليها "التغريبة السورية"، تعكس واقع الحال إزاء ما يجري في بلده الممزّق غير البعيد.


 ويحاول بريك من لوحاته هذه أن يسد حاجاته المعيشية ليتقي بها ذل السؤال والحاجة في ظروف اللجوء الصعبة وتخلّي المنظمات الإغاثية عن اللاجئين السوريين، رغم علمه بأن ما يرسمه لا يلقى سوقاً رائجة بسبب الضائقة المادية وانشغال الناس بلقمة العيش.


منذ صغره شُغف بريك-مواليد حمص -1958، بالفن، بمختلف أشكاله، كالرسم والنحت والضغط على النحاس، ودأب على إبداع أعمال بخامات متعددة، كان يشارك فيها في المعارض المدرسية، لكن ظروفه الحياتية آنذاك لم تتح له متابعة هوايته التي كان يلجأ إليها بين الحين والآخر.


بعد لجوئه إلى الأردن وتوفر وقت فراغ بعيداً عن الأحبة والأصدقاء وعدم وجود عمل له استعاد البريك شغفه القديم بالفن وبدأ برسم بعض اللوحات الزيتية على القماش والرسم على الخشب والفخار، وكانت تجربته على الفخار-كما يقول- في حديث لـ"اقتصاد"- ممتعة بكل المعايير وكذلك النحت على الاسمنت لتشكيل لوحات فنية اسمنتية وتنفيذ الشلالات والزخرفة على الجدران بالإسمنت.


 غير أن أهم مرحلة في تجربة الفنان الخمسيني هي الجداريات ثلاثية الأبعاد بالألوان الزيتية التي تعطي -كما يقول-مساحات واسعة للعمل، وتتيح المجال للإبداع أكثر على عكس اللوحات المحدودة بمساحة معينة، فالجداريات-كما يقول- لوحات جمالية تبقى لمدة طويلة وتضفي على المكان الذي تُرسم فيه طابعاً جمالياً بعكس اللوحات المؤطرة.


ويستخدم البريك في رسم جدارياته الألوان الزيتية والمائية ولكنه يميل إلى الألوان المائية لأنها–حسب قوله-تعطي انطباعاً مريحاً للنظر وديمومة غير قابلة للتغيير أو التأكسد تبعاً للعوامل المناخية، وخاصة أنه ينفذ جدارياته في أماكن الجلوس كالمضافة أو غرف الضيوف.


 ولفت محدثنا إلى أن الجدارية التي يرسمها تستغرق ما بين 15 و20 يوماً بحسب حجمها وطبيعتها، لافتاً إلى أنه يضع في مخيلته شكل الجدارية التي ينوي تنفيذها في البداية ويبدأ بالعمل عليها، وكثيراً ما تطرأ تغيرات على شكل الجدارية أو تفاصيلها بحسب الرؤية الفنية، فالفنان يرى اللوحة قبل أن يبدأ بها.


 وأشار البريك إلى لوحته ثلاثية الأبعاد التي تصدرت جداراً مقابلاً في منزله التي تمثل التراث المعماري الريفي كما عهده في بلدته الفرقلس الواقعة في الطريق إلى مدينة تدمر، وتجسد اللوحة سوراً لأحد منازل البلدة من الحجر البازلتي المصفوف بعفوية ويتوسطه بوابة من الحجر البازلتي المشحوف الذي ينتهي بقنطرة وساكف حجري أبيض، فيما ملأت السماء غيوم زرقاء وطيور تحلق بحرية.


وبالإضافة الى رسم الجداريات برع البريك في الرسم على الفخار حيث يقوم بدهن الآنية الفخارية باللون الأبيض ويرسم عليها بالريشة مناظر ومشاهد ريفية كما التقطتها ذاكرته الريفية.

 ولفت محدثنا إلى أن الرسم على الفخاريات أكثر صعوبة من الرسوم على الأسطح المستوية أو الجدران، لأن على الفنان -كما يقول- أن يكيّف الرسم مع الإنحناء (سطح الجرة) بحيث تبدو للمشاهد من مختلف الجهات.

وعبّر البريك عن أمنيته بأن تتحول موهبته إلى مصدر رزق بالنسبة له وبخاصة في ظروف اللجوء الصعبة، لافتاً إلى أنه يحاول تسويق أعماله في المجتمع المضيف ولكن الإقبال عليها لازال ضعيفاً لانشغال الناس بلقمة العيش واعتبار أعماله حاجة غير ضرورية أو تكميلية، وقبل ذلك، عدم معرفة الناس بأعماله.


 وأردف الفنان الحمصي أن جدارياته التي ينفذها تستغرق وقتاً وجهداً كبيرين عدا مستلزماتها من ريش وألوان مما يجعلها مرتفعة الثمن نسبياً مقارنة مع مردود الناس وأوضاعهم المعيشية، بينما يفضّل الكثير من الناس وضع أوراق جدران في منازلهم لرخص ثمنها، غير أن هناك فارقاً كبيراً-كما يؤكد- بين اللوحة المنفذة باليد وبين اللوحات المطبوعة التي يمكن لكل الناس اقتناؤها.

 ولفت البريك إلى أنه يفضّل رسم المناظر الطبيعية والتعبيرية بعيداً عن رسم الوجوه والحيوانات والتجسيم المنّهي عنه دينياً.


ومن لوحات البريك لوحة التغريبة السورية التي تمثل الخريطة السورية وقد انشطرت إلى شطرين حيث قسم من السوريين بقي في البلاد وقسم توزع في أنحاء المعمورة تاركاً ذكرياته وآثاره وأوابده، وثمة شلال من الدم يملأ الهوة بين قسمي الخريطة وأمام القسم الذي هاجر –كما يقول-صعوبات لا تنتهي ومستقبل مجهول لا يعرف إلى أين يمضي بهم، ولكن ثمة فسحات من الأمل والنور تتخلل عتمة الظلام.


 ولفت البريك إلى أنه مقل في أعماله الفنية بسبب عدم وجود–ما أسماه- بـ"المزاج الفني" وعدم وجود تسويق أو إقبال على ما ينتجه من أعمال فنية، إلى جانب عدم توفر مكان في منزله المستأجر لتخزينها والاحتفاظ بها ما يضطره لإهدائها للأصدقاء في كثير من الأحيان.

ترك تعليق

التعليق