رجل الأعمال، محمد السواح.. وكأن والده أوصاه ببشار الأسد خيراً، قبل أن يموت..!


هو أكثر رجال الأعمال السوريين ظهوراً على وسائل الإعلام، وحركة وتصريحاً.. لمع نجمه بعد الثورة السورية، إذ تميز بمواقفه الداعمة للنظام، ومحاولة تأهيله اقتصادياً.. وكل من يتابع أنشطة محمد السواح، يظن بأن والده أوصاه، قبل أن يموت، ببشار الأسد خيراً.. لأنه لا يمكن لابن مدينة دمشق، مهما بلغ حبه للمال والسلطة، ألا تثيره المآسي التي تعرض لها الشعب السوري على مدى السنوات الست الماضية.. فهو بدون خجل أو وجل، يصول ويجول، من إيران شرقاً إلى الخليج جنوباً، مروراً بالعراق ولبنان، ماداً "القساطل" التي تساعد النظام وتوفر له البنية التحتية اللازمة، للاستمرار بحربه على السوريين.. إذاً، من يكون محمد السواح هذا..؟، وكيف استطاع النظام أن يقنع هؤلاء لكي يقفوا في وجه أهلهم وذويهم، وأكثر من ذلك، يشمتون بقتلهم وتهجيرهم ويساعدون على المزيد من القتل والدمار..؟

طبقة رجال المال والسلطة في سوريا

عندما انتقل النظام السوري، من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال، في تعامله مع طبقة رجال المال والأعمال في سوريا، ظن كثيرون، أن ما أمعن حافظ الأسد في تخريبه، من خلال احتقار أصحاب الثروة في سوريا، لن يستطيع بشار الأسد أن يصلحه مهما فعل.. فقد عانت هذه الطبقة وعلى مدى أكثر من ثلاثين عاماً من حكم البعث في سوريا، من شتى أنواع الاضطهاد والإذلال.. وقد عجزت هذه الطبقة في التصالح مع حافظ الأسد حتى السنوات العشر الأخيرة من حكمه، عندما أحس بأن سياسته الاقتصادية القائمة على امتلاك الدولة لكل وسائل الإنتاج، لم تزدها إلا تآكلاً.. لهذا بدأت بواد الانفتاح على طبقة رجال الأعمال بعد العام 1990 بحذر شديد، ومع مجيء بشار إلى السلطة، ظل الحذر والخوف موجوداً لدى السلطة تجاه هذه الطبقة، لكن كان لا بد من إيجاد عقد اقتصادي جديد، قائم على سيطرة الدولة على هذه الفئة من المجتمع، ووفق منطق المصالح المتبادلة..

 فالنظام لم يكن يخشى من ثورة شعبية عليه، بل على العكس هو كان يعتقد بأن الشعب يحبه وبالذات الطبقات الفقيرة وأبناء الأرياف، الذين بوأهم مواقع مهمة في السلطة، ومكنهم في مرحلة من المراحل، من اضطهاد رجال الثروة، وطردهم من مكاتبهم..

هو كان يخشى كثيراً من البرجوازية الدمشقية والحلبية على وجه الخصوص، ويعتقد بأن ارتباطات هذه البرجوازية وعلاقاتها الدولية، مصدر خطر وتهديد بالنسبة لنظامه.. وهو كان محقاً في هذه النظرة، لأنه فيما بعد، وبعد العام 2005، استخدمها في تحسين علاقاته الخارجية، وبالذات مع الدول الأوروبية، إذ أنه حتى ذلك التاريخ، استطاع أن يجمع حوله نخبة البرجوازية السورية، والتي ضيق عليها والده سبل العيش في بلدها، ودفعها للهرب منه، ومن أمثلة هؤلاء، رجل الأعمال الشهير في النمسا، نبيل الكزبري، وأيمن الأصفري في بريطانيا، ووالد سليمان معروف، وغيرهم الكثير من رجال الأعمال السوريين المنتشرين حول العالم.

في الحقيقة، لم يكن أحد يتوقع أن تثق البرجوازية السورية، بهذه السرعة، بالنظام السوري، فهي تختزن في ذاكرتها كماً هائلاً من الاضطهاد وتقصد الإذلال من صغار الكسبة.. لكنها من جهة ثانية كانت تواقة للعودة إلى بلدها بعد عشرات السنوات من النجاح في الخارج، وهو ما جعلها، بحسب الكثير من المراقبين، تهادن النظام، وتتفق معه على أسس العلاقة الجديدة، بحيث تعود إليها مكانتها القديمة في بلدها وتحقق أرباحاً أكثر..

ولأن بشار الأسد لم يكن يملك سوى الشعب السوري وثرواته البشرية والطبيعية، فقد قدمه بمنتهى السهولة لهذه الطبقة، يعبثون به كما يشاؤون ويسرقون منه لقمة عيشه، ظناً منه أن الشعب انتهى، وهو لن تقوم له قائمة بعد أكثر من أربعين عاماً من التدجين وسلب الإرادة..

وعلى صعيد آخر، كانت طبقة التجار والصناعيين الدمشقيين والحلبيين، قد كساها مراحل كثيرة من الغبار، فقام النظام بنفض الغبار عنها وأعاد تلميعها، وفتح لها المجال أن تعوض خسائرها، وأن تنتقم لسنوات ذلها السابقة، وبالذات من أبناء الطبقات الريفية..

لهذا، فإن المراقب لمشهد الأعمال في سوريا، خلال فترة حكم بشار الأسد، يجد أن تحالفه مع رجال الأعمال كان منصباً على أبناء المدن بالدرجة الأولى، أما رجال الأعمال الذين ينتمون للأرياف، فهم كانوا يأتون في الدرجة الأخيرة بالنسبة له.. ولم يعقد معهم تحالفات مهمة، باستثناء رجال الأعمال الذين ينتمون للطائفة العلوية..

لهذا يرى محللون، أن رجال الأعمال من أبناء المدن الكبرى في سوريا، لا يمكن لهم أن يساندوا الثورة السورية، التي نهضت من الأرياف، وهم تحالفوا مع النظام ليس حباً به أو ثقة زائدة به، بل لأنه الطرف الأقوى، وبنفس الطريقة التي تحالف بها أبناء الأرياف مع النظام ودعموه خلال السنوات الثلاثين من حكم حافظ الأسد، وضد الطبقات البرجوازية..

لذلك، إذا أردنا أن نبحث في أعماق موقف رجال الأعمال الذين دعموا النظام، وبالذات من أبناء البرجوازية التقليدية في دمشق وحلب، نجد أن ما بلور موقفهم النهائي، وبوعي باطني، هو احتقارهم لأبناء الريف ولكل منتجاته.. فهم في وعيهم الداخلي، لازالوا ينظرون إلى أبناء الأرياف في محافظات درعا وإدلب وحلب والرقة ودير الزور والحسكة، على أنهم متخلفون، ولا ذمة لهم، وليس عندهم شرف.. بالإضافة إلى أنهم لا يعرفون كيف يعيشون الحياة، وبالتالي لا يستحقون العيش إلا كعبيد أو عمال..

وكي لا نبتعد كثيراً، لازال ابن مدينة دمشق وحلب وحمص، حتى اليوم، يرفض تزويج ابنته لابن الريف، مهما علت مرتبته العلمية والمالية والقبلية..!!

لقد استفاد النظام كثيراً من هذا الصراع داخل المجتمع السوري، ولعب عليه بمهارة من أجل تثبيت حكمه والاستمرار به.

وماذا عن محمد السواح..؟

ضمن هذه الرؤية التي ذكرناها سابقاً، يمكن أن نفهم حالة رجل الأعمال محمد السواح وغيره من رجال الأعمال من أبناء المدن الكبرى الذين لازالوا يقفون إلى جانب النظام ويدعمونه..

وزيادة عليهم، يقوم محمد السواح بأعمال إضافية، غير مطلوبة منه على الأغلب، في دعم النظام، وبالذات تلك الأعمال التي لايزال رجال الأعمال السنة يتعاملون بحذر معها، ونقصد العلاقة مع إيران.. فهو أول رجل أعمال دمشقي وسني، يتوجه إلى إيران ويقيم المعارض هناك ويشجع غيره من رجال الأعمال السنة على زيارة إيران وإقامة علاقات تجارية معها، وبما يشبه الباب المفتوح..

 كما أنه أكثر رجل أعمال ساعد على جلب الإيرانيين إلى دمشق والتجارة فيها، وكانت له بصمات كبيرة في تملكيهم عقارات ومنشآت كبيرة، بحجة أنها مستودعات لتجارتهم، وذلك بحسب ما روى لنا أحد المطلعين على هذه العملية.

كما أن محمد السواح يعتبر عراب معرض دمشق الدولي، وهو من عمل ليل نهار من أجل إعادته بعد توقف خمس سنوات، كما أنه زار بنفسه عدداً من الدول العربية والأجنبية، واستخدم علاقاته الشخصية مع رجال الأعمال من أجل جلبهم للمعرض والمشاركة فيه، وتحت عناوين أنهم يمثلون دولهم.

وفي المقابل، كافئ النظام محمد السواح كثيراً على جهوده وأنشطته، فهو سلمه منصب رئيس اتحاد المصدرين السوريين في العام 2014، ومؤخراً أصدر قراراً يعتبر فيه الأقمشة على أنها من المواد الأولية التي تستفيد من المرسوم التشريعي 127 لعام 2017، والذي أصدره بشار الأسد، ويعفي فيه هذه المواد من الرسوم الجمركية بنسبة 50 بالمئة.. وهو المرسوم الذي ثار ضده صناعيو حلب، باعتبار ذلك يضر صناعة أقمشتهم، فهم لا يستوردونها وإنما يصنعونه ، أما من يستوردها فهو محمد السواح بالدرجة الأولى، فهو معروف عنه أنه يمتلك معمل "تريكو" شهير في صناعة الألبسة ويقوم بتصدير منتجاته إلى العديد من الدول العربية والأوروبية..

أما المكافأة الأخرى التي قدمها النظام لمحمد السواح، فهي الإشراف على معارض سيريا مودا بالكامل، والتي استفاد منها السواح في فتح أسواق جديدة لمنتجاته..

بعد كل ذلك.. هل تتوقعون من محمد السواح أن يقف إلى جانب ثورة شعبه، وأن يتألم للقتل والدمار الذي يتعرض له..؟!

ترك تعليق

التعليق