رجل الأعمال، نبيل الكزبري.. هل لازال يدعم نظام الأسد؟


لم يكن صدفة، أن يختار رامي مخلوف في العام 2007، رجل الأعمال نبيل الكزبري، المقيم في النمسا، لكي يرأس مجلس إدارة شركة شام القابضة، التي أسسها من نحو 100 رجل أعمال برأسمال 350 مليون دولار.

ولم يكن صدفة أن تستثني العقوبات الدولية، اسم نبيل الكزبري، بعد قيام الثورة السورية في العام 2011، والتي طالت تقريباً جميع رجال الأعمال الذين كانوا يعملون مع نظام الأسد.

فهذا الاستثناء الذي يحظى به الرجل، هو سر قوته، وهو الذي لايزال يجعله حتى اليوم لاعباً اقتصادياً دولياً، وهدافاً بارعاً، لا يكبر ولا يشيخ..
 
فمن هو نبيل الكزبري..؟
 
الدمشقي المهاجر
 
لا يوجد أي معلومات عن سبب هجرة نبيل الكزبري إلى النمسا في مطلع السبعينيات من القرن الماضي، وفيما إذا كان في تلك الفترة يملك مالاً، أو كان مصنفاً ضمن البرجوازية الدمشقية التي أعلن حافظ الأسد العداء عليها، في ذلك الوقت.

كما لا يوجد الكثير من المعلومات عن بداياته الاقتصادية في النمسا، وكيف أصبح خلال بضعة سنوات، من رجال الأعمال المرموقين على مستوى العالم، ويحظى بعلاقات واسعة مع السياسيين الأوروبيين والعرب، وبأعمال تمتد على أربع قارات، وجميعها تختص في صناعة الورق..
كل تلك المعلومات، لا يمكن الوقوع عليها فيما هو منشور ومكتوب عن نبيل الكزبري، سوى ما يقوله هو عن نفسه، بأنه استطاع الوصول إلى هذه المكانة بفضل احترامه لقوانين الدول التي يعمل فيها، وبفضل مساهمته الاقتصادية، عبر افتتاح معامل لصناعة الورق، كانت توفر على تلك الدول الكثير من رسوم وتكاليف استيرادها.

نبيل الكزبري.. السوري
 
مما يلفت الانتباه في قصة نبيل الكزبري الاقتصادية، أنه في الوقت الذي اقتصرت فيه استثماراته في دول العالم على صناعة الورق فقط، فإنه عندما بدأ العمل في سوريا، لم يكتف بالورق، وإنما نوّع استثماراته لتشمل الاتصالات والعقارات والسياحة وغيرها..
 
في سوريا أيضاً، لم يكن اسم نبيل الكزبري معروفاً قبل العام 2001 على نطاق واسع، وهو تاريخ تعاقده على إعادة تشغيل معمل الورق في دير الزور بدون أي مقابل استثماري للحكومة، وهو المعمل الذي كان قد أنشأه حافظ الأسد قبل ذلك التاريخ بأكثر من عقد، وكلف الدولة أكثر من ربع موازنتها، نحو نصف مليار دولار، ثم اتضح لاحقاً أن المعمل غير قادر على العمل والإنتاج.
 
والسر في تقديم هذا العطاء لنبيل الكزبري، هو دوره في تخليص أموال باسل الأسد من البنوك النمساوية، بعيد مصرعه في حادث سيارة في العام 1994، والتي كانت تبلغ نحو 13 مليار دولار، حيث أرسل حافظ الأسد في ذلك الوقت رئيس وزرائه محمود الزعبي للنمسا، لطلب المساعدة من الكزبري في إيجاد طريقة لإخراج هذه الأموال من البنوك، وذلك بالاستفادة من علاقاته وقوته الاقتصادية في النمسا.

وبالفعل، وبحسب رواية شهود عيان من تلك المرحلة، فإن الكزبري استطاع تخليص تلك الأموال دون أن ينقص منها دولار واحد..!

لقد ظل حافظ الأسد يشعر بالامتنان لنبيل الكزبري على هذه الخدمة الجليلة التي قدمها له، بينما يرفض هذا الأخير الحصول على أي مقابل، إلى أن جاءت الفرصة مع مجيء بشار الأسد للحكم بعد موت والده منتصف العام 2000.
 
وكان المقابل أولاً، هو الحصول على استثمار معمل ورق دير الزور مجاناً، في العام 2001، عبر شركة "فيمنكس" النمساوية التي يملكها الكزبري، ثم حصل على عقد لإعادة تجهيز وتحديث معدات المؤسسة العامة للاتصالات واستيرادها من الخارج، دون أن يعرف أحد حتى اليوم قيمة هذا العقد، وكذلك استيراد معدات شركة "سيريتيل" للاتصالات الخليوية، التي حصل رامي مخلوف، على حق استثمارها.. وأخيراً، الوصول إلى منصب رئيس مجلس إدارة شركة شام القابضة التي أسسها رامي مخلوف، وكان لاختيار الكزبري لكي يشغل هذا المنصب دوافع كثيرة من قبل نظام بشار الأسد، أبرزها علاقاته الدولية المحترمة، وقدرته على عقد صفقات الاستيراد دون عقبات تذكر، بالإضافة إلى قدرته على إدارة الأموال وتحويلها عبر العالم.

القفز من المركب الغارقة

أول ردة فعل قام بها نبيل الكزبري بعد قيام الثورة السورية، هو ليس تخليه عن منصب رئيس مجلس إدارة شركة الشام القابضة فحسب، بل انسحابه من الشركة بشكل كامل، وكان ذلك في الشهر الرابع من العام 2011.

ثم في الشهر الخامس من ذات العام، أعلن انسحابه من استثمار معمل ورق دير الزور، وتسريح 230 من عماله.. ولم تفلح محاولات النظام لجعله يستمر في استثمار المعمل، على الرغم من أن الحكومة استوردت في نفس العام معدات جديدة بقيمة 13 مليون يورو على نفقتها، بعد أن ادعى الكزبري أن استثماره للمعمل خلال السنوات السابقة تسبب بخسارته لأموال طائلة بسبب البيروقراطية.

ثم بين العامين، 2011- 2013، تعرض المعمل للحرق والنهب بشكل كامل، وذلك بعد دخول تنظيم "الدولة الإسلامية" إلى ريف دير الزور الغربي، حيث موقع المعمل.

وأكثر ما لفت انتباهنا في سيرة نبيل الكزبري، أنه الوحيد بين رجال الأعمال، الذي كان حساساً، لكل خبر يربط اسمه بنظام الأسد.

فبعد أن فرضت أمريكا عقوبات اقتصادية على رجال الأعمال المرتبطين بالنظام، وكان من بينهم نبيل الكزبري، رفع دعوى قضائية أمام المحاكم الأمريكية، يثبت فيها عدم صلته بالنظام على الإطلاق، وادعى أن استثماره في سوريا يشبه جميع استثماراته في باقي دول العالم، وأن علاقته مع بشار الأسد لا تختلف كثيراً عن علاقاته مع معظم السياسيين الغربيين، بحكم أنه رجل أعمال، لكنه لا يعمل في السياسة إطلاقاً.

وأدت الحساسية بنبيل الكزبري تجاه ما يربط اسمه بنظام الأسد، إلى مواقف مضحكة في بعض الأحيان.. ففي العام 2012، نجح أحد الأشخاص في مجلس الشعب، وكان يحمل اسم، أحمد نبيل الكزبري.. وتداولت وسائل الإعلام الغربية آنذاك، أنه ابن رجل الأعمال السوري المقيم في النمسا، نبيل الكزبري.. فما كان من هذا الأخير، إلا أن قام بصياغة بيان ونشره في عدد كبير من وسائل الإعلام المحلية والعربية والأجنبية، نفى فيه صلته بأحمد نبيل الكزبري، أو أن يكون ابنه أو ابن شقيقه حتى. وأوضح نبيل الكزبري في بيانه أن العضو الجديد بمجلس الشعب، هو شخص ينتمي إلى عائلة الكزبري، الموجودة بكثرة في دمشق، لكنه لا يرتبط به بنسب قرابة مباشر.

كما أصدر نبيل الكزبري بياناً مشابهاً، عندما تم تداول اسمه عبر وثائق ويكيلكيس في العام 2013، بأنه أحد أربعة أشخاص يديرون ثروة الأسد، بالإضافة إلى محمد مخلوف وزهير سحلول وفواز الأخرس.

وفي عام 2015، نشر أحد الصحفيين التابعين للنظام، صورته إلى جانب نبيل الكزبري، وكتب فوقها كلاماً يشير إلى أنه أحد الأشخاص "الوطنيين" الذين لايزال النظام يعول عليهم في الوقوف إلى جانبه وإعادة تأهيله.. إلا أنه وبعد أيام، قام الصحفي بإزالة الصورة من على الموقع، بطلب من نبيل الكزبري ذاته.

خاتمة

يرى الكثير من المراقبين، أن نبيل الكزبري، ظل رجل أعمال كبير، ويحظى بالاحترام والتقدير الدولي على مدى أربعين عاماً، إلى أن بدأ العمل مع بشار الأسد، إذ سرعان ما لوّث هذا الأخير سمعته، وتسبب بخسارته لأموال طائلة، بالإضافة إلى موقعه العالمي المحترم.

ولكن أهم ما يمكن ملاحظته، من خلال سردنا لسيرة رجال الأعمال الذين عملوا مع نظام الأسد، هو كيفية دخولهم إلى المركب، ومن ثم كيفية القفز منه.. إنها صورة تلخص مشهد الفساد الذي أوجده هذا النظام، والذي سوف نستمر بالكتابة عنه، مادام هذا الولد يحكم هذه البلد.

ترك تعليق

التعليق