نادر قلعي.. قصة رجل أعمال، "لحم كتافه" من خير رامي مخلوف


قبل العام 2000، لم يكن أحد يسمع باسم "نادر قلعي" على الإطلاق. كان يملك معملاً لتصنيع الهياكل الحديدية، يصفه كل من عمل به بأنه أكبر من "ورشة حدادة" بقليل.. لكنه كان معروفاً عنه أنه لا يفوت الفرص الثمينة، وقد لاحت له، عندما حصل رامي مخلوف على رخصة تشغيل أول هاتف محمول في سوريا، وطلب من ورشات الحدادة، أن تقدم له عروضاً لبناء الأبراج التي ستحمل أثير الهاتف الخليوي..

فما كان من نادر قلعي، إلا أن تقدم بعرضه الذي تضمن تكلفة بناء البرج بمبلغ 900 ألف ليرة سورية..

وروى لي مدير الإنتاج في معمل "نادر قلعي" في تلك الفترة، والذي كانت تربطني به معرفة جيدة، أن العرض الذي تقدم به في البداية، كان يحتسب تكلفة البرج بـ 90 ألف ليرة سورية، لكن مدير الإنتاج أضاف صفراً آخر للرقم، متحملاً المخاطرة على مسؤوليته الشخصية.. وعندما وافق رامي مخلوف على العرض، كافأ "نادر قلعي" مدير الإنتاج المشار إليه، بأن اشترى له بيتاً في صحنايا، وسيارة حديثة خاصة..

من هنا كانت بداية قلعي.. فماذا عن الانطلاقة الكبرى..؟

شريك رامي مخلوف في سيريتل

لقد تبين لرامي مخلوف بعد أن بدأ التحضير لانطلاقة "سيريتل" أن تكلفة بناء الأبراج الحديدية، تعادل نصف رأسمال مشروعه، لذلك اقترح على نادر قلعي في العام 2001، أن يغدو شريكه في "سيريتل" دون أن يتم الإعلان عن حجم حصته، وأن يتولى منصب المدير التنفيذي في الشركة، فما كان من هذا الأخير إلا أن وافق على الفور، وكأن "طاقة القدر" قد فتحت له..

ويرى متابعون، أنه كانت هناك مزايا إضافية في نادر قلعي، دفعت رامي مخلوف لطلب شراكته، لا تتعلق في أغلبها بتكاليف بناء الأبراج الحديدية، بل وجد فيه شخصية دمشقية شابة مناسبة، لمواجهة الحملات والاعتراضات التي تولى قيادتها في مجلس الشعب آنذاك، رجلا الأعمال الدمشقيين، رياض سيف ومحمد مأمون الحمصي، ضد إعطاء مخلوف رخصة تشغيل الهاتف الخليوي في سوريا لوحده وبشروط مجحفة، وهي الحملة التي تسببت بسجنهما لمدة خمس سنوات في العام 2001، بعد أن تم رفع الحصانة عنهما، في مؤشر مبكر على طبيعة حكم بشار الأسد، ومشروعه الرامي للسيطرة على اقتصاد سوريا، ووضعه بيد حفنة من رجال الأعمال المرتبطين به، عبر رامي مخلوف.

وغدا "نادر قلعي" في السنوات الأولى لانطلاقة "سيريتل" نجماً تلفزيونياً بكل معنى الكلمة، يتصدى لوحده وبصدر رحب، لكل الانتقادات التي كانت توجه للشركة وللرسوم المرتفعة التي كانت تتقاضاها من المشتركين، لدرجة أن كثيرين، ظنوا أنه هو بالفعل صاحب شركة "سيريتل"، بينما توارى رامي مخلوف تماماً عن الواجهة والأضواء، ولم يكن أحد يعرف شكله أو صوته.. وكل ما كان يتعلق بـ "سيريتل"، كانت وسائل الإعلام تستضيف من أجله "نادر قلعي".. كما سُمح للإعلام الرسمي أن يشن هجوماً على الشركة، وعلى نادر قلعي تحديداً، مع اتهامه بسرقة أموال الشعب السوري والإثراء على حسابه..

لقد استمر شهر العسل الطويل بين رامي مخلوف ونادر قلعي حتى العام 2006، عندما فوجئ هذا الأخير، بصدور قرار من وزارة المالية بالحجز الاحتياطي على جميع أمواله المنقولة وغير المنقولة، فعرف حينها أنه عليه أن يغادر "سيريتل"، إلا أن رامي مخلوف لم يتخل عن صديقه نادر قلعي، حيث أنه اقتلعه من "سيريتل" ووضعه شريكاً رئيسياً في بنك "بيبلوس سوريا"، الذي كان يملك وأخاه إياد مخلوف، الحصة الأكبر فيه.

في العام 2006، انتهت فعلياً علاقة نادر قلعي بـ "سيريتل" ليبدأ مسيرته لوحده، على أن لا يحاول التملص من تحت "إبط" رامي مخلوف، وهو من جهته كان وفياً مخلصاً، لمن انتشله من ورشة حدادة، لكي يغدو من أغنى رجال الأعمال السوريين، لذلك ظل نادر قلعي ملحقاً بجميع مشاريع مخلوف التي ظهرت بعد تلك الفترة، وعلى رأسها شركة شام القابضة، مع محاولة للبدء ببعض الأعمال الخاصة التي سنأتي على ذكرها.

نادر قلعي بلا رامي مخلوف

تلاشى نادر قلعي بعد العام 2006 عن الأضواء تماماً، ولم يعد موجوداً إلا بالاسم، كأحد الشركاء لأغلب أنشطة رامي مخلوف ومشاريعه الاقتصادية الجديدة.. حتى أن الوسط الاقتصادي في ذروته بعد ذلك العام، كان قد نسيه بالكامل، ولم يعد حاضراً به، وكأنه "فص ملح وداب".
أما على مستوى الأنشطة الاقتصادية الخاصة، فقد وجدنا صعوبة في تتبعها من العام 2007 وحتى العام 2011، وكل ما توفر لدينا من معلومات، أنه غادر إلى كندا بعد قيام الثورة السورية، وأنه في ذلك العام انسحب من مجلس إدارة بنك بيبلوس الذي طالته العقوبات الاقتصادية الدولية..

ولعل ما أعاده للأضواء من جديد، هو إضافة اسمه على قائمة العقوبات الأوروبية، مطلع الجاري، بتهمة دعم وتمويل نظام الأسد، ومن ثم محاكمته في كندا قبل نحو ثلاثة أشهر، بتهمة انتهاك العقوبات الاقتصادية التي فرضتها البلاد على نظام الأسد، حيث تقول وكالة خدمات الحدود الكندية، إن قلعي المقرب من النظام السوري انتهك لوائح التدابير الاقتصادية من خلال دفع مبلغ 15 مليون ليرة سورية لشركة تدعى سيريالينك، وهي شركة تضم مشروعات عقارية، إضافة إلى خدمات الاتصالات السلكية واللاسلكية في سوريا.

ولدى تتبع نشاطه بعد قيام الثورة السورية، تبين لنا أنه ساهم بتأسيس العديد من الشركات في سوريا، في مجال خدمات الاتصالات والحبوب ومواد البناء، بالإضافة لشراكته مع خالد زبيدي، أحد أبرز رجال الأعمال المقربين من النظام، وشراؤهما حصة كبيرة في مشروع ماروتا سيتي بمليارات الليرات، وكل ذلك تم في الفترة من عام 2014 حتى العام 2018.

خاتمة

إذاً، وكما هو واضح، أن نادر قلعي لم يتم الاستغناء عن خدماته، كما أشيع بعد تلاشيه عن الأضواء في العام 2006، وإنما تم وضعه في الظل لتأدية بعض الخدمات الضرورية، وهو ما بدا جلياً بعد قيام الثورة السورية، إذ أن النظام دفع به، كما غيره من رجال الأعمال، لمغادرة سوريا، هرباً من العقوبات، ومن ثم الاستعانة بهم وقت الحاجة وإلى أن تهدأ الأوضاع..

تقول آخر أخبار نادر قلعي، أنه حالياً عاد إلى دمشق، هرباً من المحاكمة في كندا، وهو يمهد لانطلاقة جديدة في عالم المال والأعمال.. لكن بدون رامي مخلوف هذه المرة، وإنما بإدارة مباشرة من بشار الأسد ذاته..


ترك تعليق

التعليق