الملياردير أيمن الأصفري.. "حريري" المعارضة السورية


يُعتبر الملياردير أيمن الأصفري، من أوائل رجال الأعمال السوريين الذين دعموا الثورة ووقفوا إلى جانبها، فهو كان أحد أبرز الممولين لمؤتمرات المعارضة والمشاركين فيها، بعد العام 2011. وفي مؤتمر الرياض1 نهاية العام 2015، كان أحد المسؤولين السعوديين يشاوره في تحديد أسماء بعض المشاركين. ثم بعد ذلك، أخذ الأصفري يتوارى عن واجهة الأحداث، بالتزامن مع التدخل الروسي إلى جانب النظام السوري.. إلا أن "الأصفري"، ما يزال داعماً لجوانب من أنشطة المعارضة السورية، بحسب ما علمنا من مصادر مقرّبة منه.

بين عامي 2015 و2016، تعرضت نشاطات "الأصفري" في مجال خدمات النفط، لخسائر كبيرة، جراء تراجع أسعار الخام، فقدَ معها موقعه كأغنى رجل أعمال يحمل الجنسية السورية. في الفترة نفسها، تم توجيه اتهامات بالفساد من قبل القضاء البريطاني، لفرع شركة "بتروفاك" في الإمارات. ويحتل "الأصفري" موقع المدير التنفيذي في شركة "بتروفاك" البريطانية. وقد أثرّت هذه القضية على أسهم الشركة.

وفي العام 2015 كذلك، واجهت استثمارات "بتروفاك" في حقول النفط العراقية، مضايقات من قبل عملاء إيران في العراق، حيث تم اتهامه بأنه أحد الممولين لجبهة النصرة و"داعش". وتلك الاستثمارات هي الأضخم في المنطقة، وتقدر بمليارات الدولارات. وفي ذلك الوقت، شنت وسائل الإعلام العراقية الموالية لإيران، ضد "الأصفري"، هجوماً شرساً، ذكرت خلاله، أن "الملياردير السوري، حامل الجنسية البريطانية، أيمن محمد أصفري، مطلوب للاعتقال لصالح شعبة (الأمن السياسي) السوري، منذ عام 2013، وتحويله إلى شعبة (المخابرات العسكرية)، والده محمد أديب، والدته لمياء"..

 إلا أن الأصفري خرج من كل هذه المعارك منتصراً، لكن هذا لا ينفي أن أعماله قد تضررت كثيراً.

ومهما يكن، تبقى أهمية الملياردير ورجل الأعمال السوري "أيمن الأصفري"، أكبر من أن يتم تأطيرها بموقفه السياسي فقط، أو من خلال الأموال التي بذلها في أنشطته الإنسانية، أو تلك التي أنفقها على جوانب من نشاطات المعارضة السياسية.. وإنما يمكن القول، أن الرجل كان ولايزال من الأشخاص الذين يعول عليهم بلعب دور كبير في مستقبل سوريا، يشبه إلى حد ما، الدور الذي لعبه الشهيد "رفيق الحريري" في لبنان، من حيث أنه لايزال محفوفاً بدعم دولي كبير، ومدججاً بالأموال اللازمة لإطلاق مشاريع ناجحة، والأهم من كل ذلك، هو حسه الوطني، الذي جعله يتجه في فترة مبكرة من تعاونه مع نظام الأسد، قبل العام 2011، إلى تنمية الإنسان السوري، عندما أنشأ مؤسسة خاصة بالبعثات العلمية للطلاب السوريين، للدراسة في أرقى الجامعات العالمية، وعلى نفقته الخاصة، منفرداً في هذه الخطوة عن كثير من رجال الأعمال السوريين الذين تعاونوا مع النظام، والذين كان جل همهم، مصالحهم الشخصية دون أي اعتبارات أخرى..

كل ذلك، يستوجب منا وقفة متأنية، لنتعرف على هذه الشخصية السورية البارزة، والمثيرة للاهتمام..

من هو أيمن الأصفري؟

في سيرته الذاتية الشخصية، تقع على معلومات تفيد بأنه من مواليد إدلب العام 1958. والده الدكتور أديب الأصفري، كان من مؤسسي حزب البعث، وكان عضو المجلس الوطني الذي شكله البعثيون بعد 8 آذار 1963، لفترة قصيرة. ثم أرسل سفيراً لعدد من الدول، ثم عاد لممارسة الطب في حلب.

وتلقى "أيمن الأصفري" تعليمه الجامعي في الولايات المتحدة الأمريكية حيث أتم دراسة الهندسة هناك ومن ثم التحق بكلية وارتون للأعمال في جامعة بنسلفانيا وحصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال، بينما يعيش الآن في لندن وهو متزوج ولديه أربعة أبناء.

أما سيرته المهنية، فتقول، إنه بدأ حياته في مجال المقاولات في سلطنة عمان، وشغل منصب العضو المنتدب لأعمال البناء المدنية والميكانيكية الكبرى في سلطنة عمان، ثم قام الأصفري بإطلاق شركة بتروفاك إلى جانب المهندس اللبناني مارون سمعان عندما انتقل إلى لندن في عام 1991 بتعاون مع شركة بتروفاك الأمريكية، وكان يمتلك مصنعاً وحيداً في تايلر بتكساس، ثم اشترى الشركة في عام 2001، ثم أعاد تنظيم المجموعة وأصبح الرئيس التنفيذي للمجموعة في عام 2002.

بدأت شركة بتروفاك في مكتب هندسي في الشارقة بالإمارات العربية المتحدة، ومكتب صغير في لندن، وهي تعمل في مجال خدمات النفط والغاز. وأسس "الأصفري" شركته الصغيرة، حينها، عام 1991، بالشراكة مع آخرين. واستطاع أن ينمو بها لتصبح خلال 15 سنة بين أكبر 100 شركة بريطانية، ومن الشركات الكبرى في العالم، في اختصاصها. وتمتلك الشركة اليوم أكثر من 30 مكتباً في جميع أنحاء العالم.

وتُقدر ثروة أيمن أصفري بـ 1.2 مليار دولار أميركي، وهو احتل مرتبة أثرى السوريين لثلاث سنوات متتالية من العام 2012 وحتى العام 2015، لكن تأثر شركته "بتروفاك" بهبوط أسعار النفط أدى لتراجع ثروته، ونزوله عن عرش الأثرياء السوريين.

علاقته بنظام الأسد

بدأ "الأصفري" نشاطاته الاستثمارية في سوريا، من خلال شركة بتروفاك انترناشيونال، وذلك في العام 1992، بعقدين صغيرين للتوريد بقيمة 6 و 7 مليون دولار. ثم وسعت الشركة أعمالها في الأعوام التالية وتعهت عدة مشاريع في عدة حقول في منطقة دير الزور كان أكبرها عقد المرحلة الرابعة في حقل العمر بقيمة 100 مليون دولار. وكانت آخر أعمالها عام 2004، إذ انسحبت من سوريا. ثم عادت بعقدين لمعملي غاز أواخر 2007 بقيمة تقارب 500 مليون دولار لكل منهما في حقلي جهار وايبلا بين تدمر وحمص.

وعما يتردد عن علاقته برامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد، فلم تشر المصادر الإعلامية، إلى وجود أي علاقة بين الرجلين، بالإضافة إلى أن الأصفري لم يكن أحد أعضاء "عصابة شركة الشام القابضة" التي اخترعها مخلوف، ليسيطر من خلالها على الاقتصاد السوري كاملاً. وحسب مصادر مقرّبة من "الأصفري"، فقد عُرض عليه المشاركة في تأسيس "الشام القابضة"، لكنه رفض. ولعل الحادثة الوحيدة التي تذكرها وسائل الإعلام وتجمع الإسمين معاً، هو قيام أيمن الأصفري بشراء أسهم شركة غولف ساندز، إحدى شركات النفط النشطة في سوريا والتي تضم بين مساهميها رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد، وذلك في العام 2016.

وأعلنت غولف ساندز في 7 آذار/مارس من العام ذاته على موقعها الإلكتروني، أن شركة ME للاستثمارات قد اشترت 10.5 بالمئة من رأسمالها. وبحسب موقع "صانداي تايمز" البريطاني فإن السيد أصفري هو أهم مساهمي شركة ME.

وغولف ساندز هي عبارة عن شركة تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها، ولديها مشاريع في كولومبيا، تونس، المغرب وسوريا. إلا أن أكبر مشاريعها تقع في سوريا. وكانت الشركة، قبل اندلاع الثورة، تنتج قرابة 20 ألف برميل من النفط يومياً من حقولها السورية ولكنها اضطرت لتعليق إنتاجها بعد فرض العقوبات الغربية.

أما علاقة رامي مخلوف بالموضوع، فهو أحد حملة أسهم شركة غولف ساندز، ويملك حصة منها، لكنها مجمدة بسبب العقوبات. ويُعتقد أن الأصفري اشترى حصته كاملاً، لكن البعض الآخر يؤكد بأنه لم يشتر حصة مخلوف.. الأمر الذي لم يوضحه الأصفري حتى يومنا هذا!

الأصفري والثورة السورية

لا يخفى على أحد، أن رجل الأعمال أيمن الأصفري، كان من أوائل المناصرين والداعمين للثورة السورية، لدى انطلاقها في العام 2011.. وهو من بين رجال الأعمال القلائل، الذي وقف وصرح ودعم علناً أنشطة الثورة والمعارضة على حد سواء..

ورداً على هذا الموقف، حاول النظام تشويه سمعته إلى أقصى ما يمكن، حيث اتهمه بالفساد، وادعى في العام 2013، أنه حصل على قروض بمئات ملايين الدولارات من المصارف السورية، وهرب بها، إلا أن النظام ذاته، عجز عن تقديم أي بيانات حول هذه القروض، ولم يستطع بنفس الوقت الحجز على ممتلكات "الأصفري" في سوريا، كما فعل مع باقي المعارضين..

وحسب مصادر مقرّبة من "الأصفري"، فإن للرجل ممتلكات في دمشق واللاذقية وإدلب وحلب، لكن النظام خشي أن يصدر حكماً بالحجز على ممتلكاته أو مصادرتها، لأن "الأصفري" يستطيع ببساطة أن يُلحق الأذى بالنظام في بريطانيا، كأن يحجز مثلاً، بالمقابل، على السفارة السورية، رداً على حجز ممتلكاته في سوريا دون حكم قضائي محايد.

ولعل ذلك، بحسب مراقبين، من العوامل التي ساعدته لأن يذهب إلى الحد الأقصى، في وقوفه ضد نظام الأسد، بالإضافة إلى دعمه للمعارضة بشكل علني، ومشاركته في مؤتمر المعارضة بالقاهرة في العام 2012، ومن ثم تمويل مؤتمر اتحاد الديمقراطيين المعارض في العام 2013، حيث استمر في دعم الاتحاد حتى العام 2014، حسب مصادر مطلعة.

الدور السياسي والاقتصادي لـ "أيمن الأصفري"

حتى العام 2016، كان الكثير من المحللين يتحدثون عن أن أيمن الأصفري يبحث عن دور سياسي كبير في مستقبل سوريا، وكان يلتقي بمسؤولين بريطانيين وأمريكيين كبار للبحث في الشأن السوري.. إلا أن السيد أصفري لم يكن ينتسب لأي تنظيم سياسي.. وبعد العام 2016، تحدث "الأصفري" عن مشاريع إعادة الإعمار على وجه الخصوص.. وقدم في هذا المجال رؤيته، التي تقول بأنه لا يمكن القيام بعمليات إعادة الإعمار، بالاعتماد على الروس والإيرانيين فقط، لأنهم لا يملكون المال، وإنما لا بد أن تشارك الدول الكبرى والخليجية في هذه المشاريع، من أجل أن تستعيد سوريا عافيتها.. وهو يشترط للبدء بها، إيجاد تسوية سياسية، تبعد النظام المجرم، بحسب وصفه، وقبضته الأمنية والاقتصادية عن البلد.. وما عدا ذلك، فإنه يراهن بأنه لا يمكن للنظام وحلفاؤه القيام بأي دور مؤثر في مستقبل سوريا، قد ينجيها من الخراب الذي حل بها.

خاتمة

مما لا شك فيه أنه من الصعب تغطية سيرة وأنشطة رجل الأعمال، أيمن الأصفري، عبر هذا المقال فقط.. ومما لم يتح المجال لذكره هنا، هو دوره ودعمه لمشروع الخوذ البيضاء، وأنشطته الإنسانية الكثيرة في المخيمات السورية في بلدان اللجوء ودعمها بالمال والمشاريع.. هذا ناهيك عن أنشطته الإعلامية، ودعمه لوسائل إعلام الثورة، ولشخصيات معارضة بحد ذاتها.. فهي أكثر من أن تعد أو تحصى..




ترك تعليق

التعليق