لعلّة نقص المال.. تنظيم "الدولة" يتداعى في جنوب دمشق


أحكم تنظيم "الدولة الإسلامية" في منطقة جنوب دمشق المحاصرة منذ مطلع عام 2016، سيطرته على أجزاء كبيرة من مخيم اليرموك وأحياء التضامن والعسالي. ويتخذ من مدينة الحجر الأسود معقلاً رئيسياً له. وكان المال أهم مقومات التنظيم في تجنيد أكبر عدد من مقاتلي فصائل الجيش الحر لينضموا إليه. كما استخدم التنظيم المال للانتصار في معاركه الأمنية مع فصائل الجيش الحر وهيئة تحرير الشام.

وقدّم تنظيم "الدولة الإسلامية" في جنوب دمشق، راتباً شهرياً قيمته 100 دولار أمريكي للمقاتل، و40 دولاراً لزوجته، و35 دولاراً لكل طفل من أبناءه، و35 دولاراً بدلاً للطعام وبدلاً للخدمات الموسمية كمصاريف التدفئة والألبسة.

واعتمد تمويل التنظيم في جنوب دمشق، على ما يجنيه من أرباح في بيع النفط وعمليات التهريب في الرقة والقلمون. ومع انحسار مناطق سيطرة التنظيم في سوريا والعراق، قلّص فرع التنظيم في جنوب دمشق، الرواتب على عناصره، منذ أربعة شهور، وأبقى على بدل الطعام الشهري البالغ 35 دولاراً أمريكياً لا أكثر، الأمر الذي انعكس سلباً على مقاتليه الذين اعتادوا على الترف والرفاهية والتبذير.

وتزامناً مع تواتر إشاعات الانسحاب إلى الشمال السوري لبعض مقاتلي حي القدم المُتاخم لمناطق سيطرة التنظيم في حي العسالي، قامت مجموعة من مقاتلي التنظيم، الأسبوع الفائت، بالتنسيق معهم والتوجه إليهم، آملاً في أن تتم عملية الانسحاب.

مصدر خاص في مخيم اليرموك قال لـ "اقتصاد"، إنّ 20% من المقاتلين تركوا التنظيم والتزموا منازلهم مُنتظرين مصيرهم المجهول لسببين، الأول إيقاف الرواتب، والثاني بسبب الإشاعات التي تقول أنّ أمراء التنظيم قرروا سحب 150 من عناصر الصف الأول والثاني في وقت قريب، وترك بقية العناصر لقمة سائغة لقوات النظام والفصائل الفلسطينية المُساندة له.

كما أكّد المصدر افتقار التنظيم في جنوب دمشق للتمويل الذاتي أو المحلي، بسبب الحصار المفروض على كامل أحياء وبلدات جنوب دمشق قبل ظهور التنظيم فيه، "فهنا لا وجود لحقول النفط ولا لعمليات تهريب الآثار أو البشر ولا مناطق زراعية يلجأ إليها التنظيم ليغطّي مصاريفه المحلية"، بحسب تعبير المصدر.

الترتيبات المُفترضة لانسحاب تنظيم "الدولة الإسلامية" من جنوب دمشق المحاصرة إلى الرقة في مطلع العام 2016، والإعلان الأخير عن نية التنظيم الانسحاب إلى البادية السورية في الشهر الخامس من هذا العام، كان بمثابة استنزاف لعناصر التنظيم، مالياً، بحسب مصدر في جنوب دمشق، رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية.

وأردف المصدر أنّ غالبية العناصر أقدموا على بيع ما يملكون من مؤونة غذائية، وصيدليات فردية منزلية، ودراجات هوائية ونارية، وأجهزة اللابتوب والجوالات والبطاريات الكبيرة، وذلك في سوق العروبة بمخيم اليرموك، وبأسعار رخيصة جداً، ليُفاجئوا بعدها بإيقاف مفاوضات الانسحاب، ويعودوا ليشتروا ما باعوه بالأسعار الحقيقية المُرتفعة للغاية.

أرامل عناصر التنظيم لم تنجوا من إيقاف الرواتب التي كانت مُخصصة لهنّ شهرياً، فهنّ الأُخريات حُرموا من وسيلتهن الوحيدة في تأمين أبسط مقومات الحياة، ولم يُقدّم لهنّ منذ أربعة شهور سوى مبلغ 35 دولاراً بشكل شهري، الأمر الذي يُجبرهم على مغادرة مناطق التنظيم إلى دمشق أو إلى بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم الواقعة تحت سيطرة المُعارضة السورية، طمعاً منهن بما يُمكن تأمينه من الجمعيات الخيرية.

وفي محاولة يُجريها أمراء التنظيم للتمويه على الحالة المالية المُتردية، فقد أبقوا عمليات تمويل الخدمات الرئيسية كالنظافة العامة ومدرستهم الوحيدة، كما هي.

ولكن تردّي الأوضاع الاقتصادية وانعدام فرص العمل نتيجةً للحصار الخانق المفروض على منطقة جنوب دمشق، وراتب التنظيم المُغري بالإضافة إلى التعويضات، كانت في الأصل هي السبب والدافع الأساسي لانضمام الشباب إلى التنظيم، ورُبما تكون أيضاً هي الأصل في الخروج منه واللجوء إلى أقرب ثُقب قد يُبصرون النور من خلاله.

ترك تعليق

التعليق