السوريون في الخليج.. وهواجس البحث عن "نزل" أوروبي جديد


لا يكاد يمر يوم خلال تواجدك على وسائل التواصل الاجتماعي، إلا ويعترضك أحد السوريين المقيمين في دول الخليج منذ فترة طويلة، ويأخذ بطرح الأسئلة الكثيرة عليك، والتي فحواها أن الأوضاع في الخليج لم تعد مستقرة للإقامة والعمل، وهو يبحث عن دولة أوروبية يستطيع اللجوء إليها، ومن ثم ما هي أفضل طرق اللجوء وأكثرها أمناً وأرخصها تكلفة..؟!

صديق مقيم في أوروبا، أخبرني عن تذمره من كثرة الأسئلة التي يطرحها هؤلاء، مستذكراً أيام سابقة حينما كانوا يزورون سوريا في عطل الصيف بسياراتهم الفارهة ويرتدون الألبسة الخليجية، ويتنطعون ببعض عباراتهم، وكأنهم يقلدون حضارة وثقافة أكثر رقياً ورفعة من ثقافة وحضارة بلاد الشام..!!

ولم يخف هذا الصديق إحساسه بالمفارقة، لما آلت به الأيام بالشعب السوري، وكيف أن الأمور انقلبت رأساً على عقب بين ليلة وضحاها، وأصبح اللاجئون في أوروبا مصدر إلهام للسوريين المقيمين في الخليج.

بالعود إلى حالة السوريين المتواجدين في دول الخليج العربية، ويعملون هناك منذ سنوات طويلة، فأوضاعهم، بحسب الكثيرين، لا تسر الحال، وأغلبهم حزم حقائبه، وبدأ يبحث في الخريطة عن "نزل" جديد، على الأغلب سوف تكون وجهته أوروبا هذه المرة.. ولا يخفى على أحد، الأسباب الحقيقية التي تدفع هؤلاء للتفكير بمغادرة أرزاقهم التي استقروا عليها لسنوات عديدة، والتي يأتي على رأسها صعوبة الوضع في المنطقة الخليجية، بما تشهده من تطورات سياسية غير مسبوقة، تزيد من مخاوف السوريين، ويخشون على إثرها أن تفاجئهم الأوضاع، فيجدون أنفسهم في عرض البحر أو في الصحراء، لا يوجد بلد يستقبلهم.. لذلك هم يتحركون تجنباً لحدوث هذه اللحظة التي يستشعرون خطرها كل يوم..

يقول ياسر، المقيم في السعودية منذ أكثر من 13 عاماً، ويعمل مهندساً هناك، أنه ما من مرة شعر بها بعدم الاستقرار في السعودية على مدى السنوات الماضية، مثلما يشعر الآن، لدرجة أنه لم يزر سوريا منذ غادرها أول مرة..!!، أما الآن، فيكتفي ياسر بالقول أن الأوضاع صعبة جداً في السعودية، ولا يمكن الاستمرار معها.

ونفس الشيء، يرى عبد الرحمن في الإمارات، الذي يعمل هناك كعامل ديكور منذ نحو عشر سنوات، أن الأوضاع صعبة، ومدخوله الشهري الذي كان في السابق يوفر له ولأسرته عيشاً كريماً، أصبح الآن لا يكفيه، بسبب تراجع حركة العمل.. لأن المخاوف عامة ولدى الجميع.

وفي قطر، يعتقد أيهم أن مخاوف السوريين في دول الخليج كافة، هي واحدة، وهي بنفس الوقت تختلف عن باقي الجنسيات الأخرى، والتي يخفف من مخاوفها بأنها قادرة على الرجوع إلى بلدها، بينما السوري لا يملك هذا الخيار، ويتملكه شعور خطير، و"مغص" شديد، عندما يسأل نفسه: ماذا لو...إلخ

لذلك يرى، جميع هؤلاء، أن وضع السوريين في الخليج والذين يقدر عددهم بنحو مليونين، هم كارثة جديدة على الأزمة السورية، إذا ما حدث لهم أي مكروه في الدول المتواجدين فيها، وقد بدأت ملامح هذا المكروه تلوح في الأفق، مع الضغوطات التي بدأت تفرضها المملكة العربية السعودية على الغرباء المقيمين على أراضيها، وهي كأنها تقول لهم بطريقة غير مباشرة، "حلوا عني"، بحسب توصيف المهندس ياسر.

ومن جهته، يقول كنان المقيم في الإمارات أيضاً، إن الدول الأوروبية هي الوحيدة المتاحة اليوم للسوري، أو أنها على الأقل، الخيار الذي تستطيع أن تتحمس له وتنفذه قبل أن تتعرض لمكروه.. بينما من الصعب أن يتحمس المرء لخيار السودان مثلاً، الدولة الوحيدة التي تستقبل السوري بدون عوائق، لأنها دولة غير مستقرة، وإذا ما حدث مكروه لدول الخليج، فإن السودان سوف تكون أول وأكثر المتضررين.. لذلك المشكلة بحسب كنان، ليست في أن السوريين المقيمين في دول الخليج يتطلعون للمحافظة على المستوى المعاشي لهم، وإنما هم يشعرون أكثر من غيرهم بحاجتهم للاستقرار، كونهم أمضوا حياتهم كلها في الغربة، وقبل الثورة السورية بكثير..

وفي سياق مشابه، شهدت الدول الأوروبية خلال السنتين الماضيتين، هجرة عدد كبير من السوريين الذين كانوا مقيمين في الخليج، حتى أن أغلب القراءات، تشير إلى أن من كانوا الأكثر قدرة على دفع تكاليف الهجرة من تركيا إلى أوروبا، هم السوريون في الخليج، وتعادل نسبتهم أكثر من النصف، من مجموع السوريين الذين هاجروا إلى أوروبا بطريقة غير شرعية..

أي بمعنى، أن هذه الهجرة، لم تكن المخاوف التي يعيشونها الآن، هي محركها الأساس، وإنما البحث عن مستقبل أفضل لهم ولعيالهم.

وأخيراً، مهما يكن من أمر السوريين الموجودين في الخليج، وحقيقة المصاعب التي يعيشونها اليوم، نعتقد في النهاية، أن السوري في أي مكان كان، هو معرض للخطر، وهو يستحق المساعدة والإرشاد، ومن حقه أن يحظى بالاستقرار..

ولا يخفى على أحد، فإن السوريين في الخليج كانوا على الدوام قبان الثورة المالي، وهم كانوا الأكثر بذلاً من مالهم في مساعدة ذويهم وأهلهم من باقي السوريين.. وإذا خسرنا جهود هذه الفئة من المجتمع السوري، فهو يعني المزيد من المصاعب التي ستواجه الثورة السورية، وسوف يواجه أقرانهم في الداخل، ممن لا زالوا يعيشون على ما يرسلونه لهم من فائض مادي قليل، مصاعب أكبر في الحياة.. وكل ذلك في المحصلة مما يزيد من مأساة الشعب السوري.

ترك تعليق

التعليق