الأكشاك وسيلة للتغلب على إصابة الحرب في القلمون الشرقي


خلف قصف النظام للمناطق السكنية الخاضعة لسيطرة المقاومة السورية، في منطقة القلمون الشرقي بريف دمشق، العديد من الإصابات والإعاقات الدائمة في صفوف أهالي المنطقة، الأمر الذي حرم المصابين من ممارسة أي نشاط مهني وطبيعي يضمن لهم توفير قوت يومهم لإعالة أسرهم.

وقال "حسام مرعي" أحد المصابين في المنطقة، في تصريح لموقع "اقتصاد"، إن الإصابة التي تعرض لها قبل ثلاث سنوات، أفقدته قدمه اليمنى، وبالتالي لم يعد بإمكانه ممارسة عمله كمعلمٍ في إحدى ورش "نجارة الباطون" التي مارسها على مدار نحو عقدين من الزمن.

وأضاف: "لا شك أن الأمر تطلب مني وقتاً طويلاً لأعتاد على التكيف مع إصابتي الجديدة، فكل شيء تغير مع فقداني لقدمي، وأخذت أوضاعي النفسية تزداد سوءاً شيئاً فشيئاً بسبب عجزي عن العمل والحالة الاقتصادية المتردية للعائلة، إلى أن اقترح عليّ أحد الأصدقاء أن أجد لنفسي دكاناً صغيراً أُسلي نفسي به، وأحصل من خلاله على قوت عيالي".

وأوضح: "على الرغم من أنني تحمست للفكرة لكن الأمر لم يكن بهذه البساطة، بسبب ضعف إمكاناتي المادية وكثرة المصاريف المالية التي أنفقتها على العلاج بعد الإصابة، لكن وبدعمٍ مالي وتشجيع من بعض الأصدقاء والأقارب، وجدت لنفسي كشكاً (كولبة) مكنني من تأمين قوت عيالي، دون أن أكون عالةً على أحد".

اختار "مرعي" الشارع الرئيسي في مدينة "الرحيبة" التي ينحدر منها، لوضع "الكشك" المعدني الذي اشتراه بنحو 300 ألف ليرة سورية، محولاً إياه إلى مولٍ صغير يبيع فيه المواد الغذائية والموالح والمرطبات وسواها، إضافةً إلى بيع الدخان، وأشار إلى أنه استطاع خلال فترةٍ وجيزة تسديد جزءٍ لا بأس به من ديونه المستحقة لأصدقائه.

"عصام نور الدين"، مصابٌ آخر من مدينة "جيرود" المجاورة، أصيب بشظيةٍ أفقدته عينه اليسرى، جراء إحدى المواجهات مع قوات النظام في المنطقة، تمكن بعد نقاشٍ مع مالك أحد "الأكشاك" الإسمنتية الصغيرة، من إقناعه بتأجيره له مقابل مبلغٍ مادي شهري قيمته 5000 ليرة سورية.

وقال في تصريح خاص لـ "اقتصاد" إنه قررّ أن يستثمر "الكشك" في بيع المحروقات، ولا سيما مادة البنزين التي يزداد الطلب عليها، بسبب كثرة أعداد الدراجات النارية على وجه الخصوص في المنطقة، مشيراً إلى أن أحد أقاربه يقوم بتزويده بما يحتاجه من محروقات عن طريق تهريبها بطرقٍ مختلفة من مناطق سيطرة النظام إلى مناطق المعارضة.

وأضاف أنه يحرص كذلك على بيع بعض أصناف من الفواكه والخضراوات، و"العرانيس" و"الصبارة" في مواسمها الصيفية، حيث يقوم بإعداد "بسطة" صغيرة أمام "الكشك" ويزينها بالورود لجذب الزبائن.

لفت "نور الدين" وهو أب لطفلين، إلى أن "الكشك" أو ما يسمى محلياً بـ"الكولبة" قد أخرجه كذلك من حالة اليأس التي تملكته لأشهرٍ طويلة بعد الإصابة، فيما يشعر اليوم بالطمأنينة وراحة البال، لأنه يستطيع العمل ليطعم أولاده.

و"الكشك"هو عبارة عن غرفة مصنوعة بمعظمها من مادة الحديد، لها أرضية من الإسمنت المسلح، تُصنع بقياسات مختلفة، وتعدّ خياراً مناسباً لذوي الإعاقات الدائمة لأنها لا تتطلب حركة أو مجهوداً كبيراً أثناء تلبية احتياجات الزبائن.

ولا يحظى المصابون بإعاقات ناجمة عن الحروب في منطقة القلمون الشرقي، بأي اهتمامٍ من قبل المنظمات الإنسانية أو الإغاثية، بغية تقديم الرعاية الصحية وجلسات دورية للعلاج الفيزيائي وبعض المساعدات المالية لهم، أما الجمعيات المحلية فتقف عاجزة عن مساعدتهم، في ظل انعدام الموارد والدعم المقدم لها من جهات دولية.

تشير إحصائيات غير رسمية، صادرة عن ناشطي منطقة القلمون الشرقي، إلى وجود العشرات من معاقي الحرب، الذين تتنوع إصاباتهم بشكلٍ رئيسي بين فقدان أو شلل أو عجزٍ تام في أحد الأطراف العلوية أو السفلية، بينما يأتي فقدان إحدى العينين بالدرجة الثانية.

ترك تعليق

التعليق