مفارقة العمالة السورية في مصر.. البطالة للنخبة العلمية


النجاح الاقتصادي الباهر للمستثمرين ورجال الأعمال وللعمالة السورية في مصر، لا يعكس الصورة كاملة. فهناك معاناة كبيرة ومبطنة لكثير من السوريين يخفيها نجاح البقية. فليس كل السوريين من أصحاب الحرف والمهن، وإنما هناك قسم كبير منهم وفد بعد عام 2011 من حملة الشهادات العلمية العليا ومن مختلف التخصصات.

وهؤلاء للأسف، لم تستفد مصر من إمكاناتهم، ولم يستفيدوا من وجودهم في مصر. وربما من المفارقات أن يجد عملاً، من لا يحمل أية شهادة دراسة، بينما الطبيب أو المحامي أو الصحفي لا يجد عملاً بمجاله واختصاصه، ويضطر للعمل في حرف ومهن كعامل مطعم أو محاسب، وهذا لا يتناسب مع تحصيله العلمي والثقافي.

انضمت مصر إلى الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة باللاجئين لعام 1951 بعد 29 عاماً من صدورها. وقد فرضت  بنودها على الدول الموقعة، أن تكون معاملة اللاجئين "لا تقل عن الممنوحة في نفس الظروف للأجانب"، وذلك فيما يتعلق بأمور منها "السكن، والتعليم، وحيازة الأموال، والانضمام للجمعيات غير السياسية، والتقاضي الحر أمام المحاكم، والمساعدة القضائية، وحق العمل".

وقد أعطت الاتفاقية حقاً للدول في إبداء تحفظات على بنودها، وقد تحفظت مصر على بعض تلك البنود مما جعل بعض تلك الحقوق غير مفعل، ومنها المواد من 17 -19 من المعاهدة، التي تنص على السماح لللاجئين بالحصول على فرص العمل بأجر، والعمل لحسابهم الخاص، والعمل في المهن الحرة. بالنتيجة لا يحق للاجئين المسجلين لدى المفوضية  في مصر عامة ومنهم السوريين العمل أو الحصول على تراخيص عمل، أما غير المسجلين كلاجئين غالباً ما تكون إجراءات الحصول على تصاريح العمل لهم، مربكة وتحتاج موافقات طويلة وقد تكون تكاليفها باهظة.

علماً أن الحق في العمل والوصول إلى سوق العمل بالنسبة للاجئين مسألة أساسية للاعتماد على الذات، وإعادة بناء حياتهم وصون كرامتهم، وتمكينهم من الإسهام في المجتمعات المحلية التي تستضيفهم. والمعاناة الأكبر للسوريين في مصر المسجلين كلاجئين أو غير المسجلين تتمثل بعدم الاعتراف بمهاراتهم ومؤهلاتهم الدراسية.

إن كنت محامياً أو طبيباً أو صحفياً أو مدرساً أو ممرضاً أو أستاذاً جامعياً، فإنك لن تجد عملاً بتخصصك في مصر ولا يسمح لك بمزاولة مهنتك بطريقة نظامية بسبب عوائق قانونية عدة سنقوم بشرحها بإيجاز.

أبرز العوائق

يحتاج عملك في مصر إلى ترخيص مزاولة مهنة تصدره الجهة المختصة بحسب كل مهنة وتخضع لمجموعة أنظمة ولوائح ناظمة لكل مهنة على حدة.

إن كنت طبيباً تحتاج ترخيصاً لمزاولة المهنة من وزارة الصحة وهذا التصريح يمنح لمرة واحدة غير قابلة للتجديد ومعظم الأطباء السوريين في مصر وعددهم بالعشرات يضطرون للعمل تحت غطاء طبيب مصري ويعملون بشكل غير مرخص.

كذلك المحامون السوريون لا يستطيعون العمل كون نقابة المحامين المصرية لا تعترف بهم كمحامين لعدم وجود اتفاقية معاملة بالمثل بين نقابة المحامين المصرية والسورية بهذا الشأن حتى وإن كان المحامي السوري منتسباً لاتحاد المحامين العرب فهذا لا يمكنه من الترافع أمام المحاكم المصرية ويحتاج في كل قضية لوحدها الحصول على تصريح للترافع بها أمام المحكمة تمنحه إياه وزارة العدل المصرية.

ما ينطبق على الأطباء والمحامين السوريين يسري على باقي المهن العليا من معلمين وأساتذة جامعيين وصحفيين وفنانيين وغيره في صعوبة أو استحالة الحصول على ترخيص مزاولة مهنة أو تصريح عمل.

نتيجة لذلك نجد أن البطالة منتشرة في أوساط هذه النخبة ومن يغامر منهم بالعمل بدون ترخيص فإنه يعمل مضطراً لتأمين متطلبات الحياة الكريمة له ولعائلته مع نسبة مخاطرة عالية تتمثل بتعرضه للمساءلة القانونية التي تصل لحد التوقيف أو الاعتقال وتوجيه تهمة مزاولة مهنة بدون ترخيص وهي جريمة تصنف كجنحة يعاقب عليها القانون المصري بعقوبة قد تصل إلى حبس 3 سنوات.

إن هذا الوضع القلق لهذه النخبة العلمية يحتاج لحلول جريئة تقوم بها الحكومة المصرية لتخفيف معاناتهم وتقنين أوضاعهم وعملهم مما يعود بالنفع على السوريين بالدرجة الأولى وعلى الحكومة المصرية التي ستستفيد من خبراتهم ومن الأموال التي سيقومون بدفعها والتي ستدخل لخزينة الدولة المصرية في جباية مبالغ الضرائب ومنح تراخيص منشآتهم وتراخيص العمل، وهناك حل آخر وإن كان صعب التحقق وهو توقيع اتفاقيات معاملة بالمثل بين النقابات السورية والمصرية تسمح لمنتسبي هذه النقابات العمل بالبلدين معاً، وعلى أقل تقدير السماح للطلبة السوريين المقيمين في مصر ممن درسوا أوتخرجوا أو سيتخرجون من الجامعات المصرية الانضمام للنقابات المصرية كل حسب اختصاصه أسوة بما فعلته نقابة المهندسين المصرية نهاية عام 2017 حيث سمحت للمهندس السوري الانضمام لنقابة المهندسين المصرية مما يسمح له بالعمل في جمهورية مصر العربية.

ترك تعليق

التعليق