عبد الرؤوف الكسم.. شبهوه بالقرد، وحمّلوه أسباب انهيار الاقتصاد السوري


من الأشياء التي لم تكن تزعج رئيس الوزراء الأسبق، عبد الرؤوف الكسم، هي تشبيهه بالقرد على نطاق شعبي واسع، وبدفع من أجهزة النظام في ذلك الوقت.. حتى أنه يقال أن وجه الشبه في الشكل بينه وبين القرد، كانت الميزة الوحيدة التي دفعت الأخوين حافظ الأسد ورفعت، لاختياره رئيساً للوزراء، وذلك رداً على تهكمات الشعب السوري، على اللهجة العلوية التي يكثر فيها استخدام لفظ القرد.

إلا أن عبد الرؤوف الكسم، بالإضافة إلى كونه يشبه القرد شكلاً، كانت السنوات الثماني التي تولى فيها الحكومة من بداية العام 1980 وحتى نهاية العام 1987، من أكثر الفترات التي مرت على سوريا ظلمةً، اقتصادياً وسياسياً وأخلاقياً.

ففي عهده خسرت الليرة السورية أكثر من 90 بالمئة من قيمتها، وتم نهب أموال الدولة عن آخرها، لدرجة أن خزائن المصرف المركزي كانت تصفر بها الرياح في العام 1985، وذلك بحسب وصف وزير سابق من تلك المرحلة.

كما وتراكمت الديون الخارجية على سوريا، حتى وصلت إلى أكثر من 20 مليار دولار، بينما كان الناتج المحلي الإجمالي في ذلك الوقت لا يتجاوز الـ 15 مليار دولار.

أما على المستوى السياسي، فقد عانت سوريا في تلك المرحلة من قطيعة من أغلب بلدان العالم بما فيها الدول العربية، باستثناء ليبيا وإيران والاتحاد السوفييتي ومجموعة الدول الاشتراكية.

لكن السؤال الذي يتبادر للذهن مباشرة، ما علاقة عبد الرؤوف الكسم بكل هذه الانهيارات، وما هو دوره..؟، بينما من المعروف في تلك المرحلة أن حافظ الأسد كان قد أحكم قبضته على كل شيء، وأصبح الآمر الناهي والمتحكم بكل مقاليد الحكم في البلد..!

البرجوازية الدمشقية ودورها في تثبيت حكم الأسد

يسود اعتقاد بين السوريين، يقترب إلى حد اليقين، أنه لولا البرجوازية الدمشقية، لما استمر حكم الأسد حتى يومنا هذا.. وقد عمل حافظ الأسد منذ البداية على كسب ود هذه الطبقة وتساهل معها كثيراً، لأنه كان يعلم أنها من أسباب تثبيت حكمه واستمراره.

ولعل عبد الرؤوف الكسم، بحسب الكثيرين، كان من بين هذه الطبقة البرجوازية التي اختارها حافظ الأسد لكي يتقرب بها إلى الدمشقيين، ومن ناحية أخرى، كانت تتوفر بالكسم امتيازات إضافية، كونه ينتمي إلى أسرة عريقة دينياً، إذ أنه والده كان مفتي الديار الشامية من عام 1918إلى 1938، وهو ما يعني، بحسب هؤلاء، إعطاء الأمان لأهالي دمشق في أموالهم ودينهم.

وبدون شك هذا النوع من التحليل ساذج ومحدود، رغم وجاهته في بعض الجوانب، من أن حافظ الأسد بالفعل حاول مهادنة الدمشقيين، ولكن ليس لأنهم من أدوات تثبيت حكمه، وإنما لأنه كان يخطط لاستقدام العلويين للعيش في دمشق ولا يريد أن يكون لهذا الأمر ردة فعل كبيرة أو أن يحدث تصادم بين الثقافتين.

بل إن حافظ الأسد كان يشعر بأن الدمشقيين هم الأقل خطراً على حكمه من باقي مكونات الشعب السوري، فهم لم يظهروا في أي مرحلة من المراحل، شبقاً بالسلطة وتمسكاً بها، إلا من باب كونها أداة للمحافظة على مصالحهم الاقتصادية وحياتهم الاجتماعية.. وهو أمر مقدور عليه إذا كان ذلك يعفيه من وجع الرأس في مقر سلطته..
 
الاقتصادي عبد الرؤوف الكسم

تولى عبد الرؤوف الكسم رئاسة الوزراء في مطلع العام 1980، وسط ظروف اقتصادية بدأت تتضح ملامحها بأنها ستكون صعبة على سوريا، وذلك من خلال إعلان دول الخليج العربية وقف مساعداتها المالية، بسبب موقف حافظ الأسد الذي أيد على الفور الثورة الخمينية في إيران، وأعلن دعمه لمشروعها.

لكن لم يكن اختيار الكسم، الذي كان يشغل منصب محافظ دمشق، لمواجهة هذا الواقع الجديد، وإنما لمواجهة الاعتراضات على أداء رفعت الأسد وللتغطية على سرقاته لمواد البناء في مشروع دمر السكني الذي انطلق العمل به في العام 1977، حيث قام رفعت بتحويل كميات كبيرة من الحديد والاسمنت المخصصة للمشروع، إلى بناء منشآته الخاصة، فكان أن تشكلت لجنة للتحقيق في الموضوع برئاسة عبد الرؤوف الكسم، الذي برأ رفعت من التهمة، وحصل على منصب رئيس الوزراء كمكافأة له، وكان أول قرار اتخذه في منصبه الجديد، هو رفع أسعار مواد البناء وبالذات الحديد والاسمنت بأكثر من خمسة أضعاف.

في الحقيقة كانت الظروف الاقتصادية الطارئة، مفاجئة لعبد الرؤوف الكسم، فهو لم يكن اقتصادياً بارعاً، ولم يكن يعرف كيف تدار الخطط الحكومية والموازنة والانفاق على المشاريع، وهو أمر كان من دواعي سرور حافظ الأسد وأخيه رفعت، و"شلة" الحرامية التابعين لهم. لأنهم استثمروا هذا الجهل، بالسرقة بالشوالات من الأموال الحكومية، وقاموا بإيداعها بالبنوك الأجنبية، إلى أن وصل الحال بسوريا إلى حافة الإفلاس في العام 1986، وانخفض سعر صرف الليرة أمام الدولار من أربع ليرات في العام 1980 إلى أكثر من 50 ليرة، بينما راح الشعب السوري يهيم على وجهه بحثاً عن العمل في الدول المجاورة، بعد أن اشتد الغلاء وتوقفت حركة البناء وتلاشت معها الفرص بشكل شبه كامل.

وكانت حكومة الكسم في تلك الفترة، تدعي أن هناك حصاراً اقتصادياً دولياً على سوريا، هو من يمنعهم من توفير السلع في الأسواق، لكن فيما بعد اتضح أن الدولار المخصص لعمليات الاستيراد، كان يتم سرقته من قبل الأخوين الأسد وأقاربهم، ويتم تهريبه إلى الخارج وإيداعه في الحسابات الخاصة أو استخدامه في عمليات التهريب التي كانت تنشط على وجه الخصوص من لبنان ومن قبرص واليونان عبر البحر.

ومن سخريات تلك المرحلة، أن رفعت الأسد قام بتعيين وزير مالية من رجالاته، يدعى قحطان السيوفي، تحول فيما بعد إلى أستاذ جامعي، بعد أن قدم خدمات جليلة لآل الأسد في التغطية على سرقاتهم من الأموال الحكومية الكاش. وهو لايزال حتى اليوم في سوريا، ويمارس مهام الخبير والمحلل الاقتصادي.
 
نهاية حكومة الكسم

بعد الأزمة الكبيرة التي حدثت بين الأخوين حافظ ورفعت، في العام 1984، وما ترتب عليها من دفع أموال طائلة لرفعت مقابل خروجه من سوريا وترك الحكم لأخيه حافظ، أدرك هذا الأخير أن التنافس بينه وبين أخيه لسرقة أموال البلد، لم تعد سياسة ناجعة بعدما استقرت أمور الحكم له ولأولاده من بعده، وبالتالي لا بد من إعادة النظر بالسياسة الحكومية، وإعطاء الاهتمام لشؤون الشعب من جديد ولو بالحد الأدنى.

لذلك قام حافظ الأسد باستدعاء الدكتور محمد العمادي في نهاية العام 1985، الذي كان قد غادر في مطلع الثمانينيات إلى الكويت للعمل في صندوق النقد العربي، وطلب منه تسلم زمام أمور وزارة الاقتصاد والانتباه جيداً لمخزون البلد من العملات الصعبة، التي كان رفعت ورجالاته قد أخذوها بالكامل.

وكانت سوريا في تلك الفترة قد نفذ منها مخزون القمح وباتت على حافة الجوع، فاستطاع العمادي بفضل علاقاته مع صندوق النقد العربي من توفير بعض القروض لشراء الطحين، كما أنه كان صاحب فكرة خلط القمح بالشعير، من أجل التوفير في استهلاك القمح.

أما بالنسبة لـ "عبد الرؤوف الكسم"، الذي كان محسوباً على رفعت أكثر من أخيه حافظ، فقد أدرك أن نجمه بدأ بالأفول، إلا أن حافظ الأسد أعطاه الأمان مجدداً، وأعطاه الفرصة لكي يثبت ولاءه له، لكنه بنفس الوقت بيت النية لتغييره، لكن ليس قبل الانتهاء من دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط، التي كانت عاملاً آخر، ساهم في إفقار خزينة الدولة وتراكم الديون الخارجية على البلد.

وبالفعل بعد نهاية دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط في العام 1987، أصدر حافظ الأسد مرسوماً بتغيير حكومة الكسم، وتكليف محمود الزعبي برئاسة الحكومة، وقام كذلك بتسمية الكسم مديراً لمكتب الأمن القومي مع الاحتفاظ بعضويته في القيادة القطرية للحزب، في موقف بدا غريباً منه، لأنه سبق قرار تغييره، حملة حكومية شرسة عليه، حمّلته كل أسباب الانهيار الاقتصاد في البلد، لذلك توقع الكثيرون أن تتم معاقبته، إلا أن حافظ الأسد وضع حداً لكل هذه الأقاويل.
 
ويقال أن حافظ الأسد كان يحمل وداً لعبد الرؤوف الكسم، الذي استطاع أن يحفظ أسراراً خطيرة عن عائلته وسرقاتها، ولم يفرط بها رغم تعرضه للكثير من الضغوط والاهانات، من قبل ضباط الجيش والمخابرات وبالذات جماعة رفعت..

لهذا أراد الأسد عبر تسميته مديراً لمكتب الأمن القومي، بأن يقول للآخرين بأنه لازال من المقربين منه.

ظل عبد الرؤوف الكسم في منصبيه الاثنين حتى العام 2000، حيث جرى إعفاؤه بعد موت حافظ الأسد.. ثم توارت أخباره بعد ذلك التاريخ.


ترك تعليق

التعليق