قصة الكابتن "رائد عبود".. مع معشوقته المستديرة


بصوت عالٍ مبحوح كان الكابتن "رائد عبود" يعطي تعليماته للصبية من حوله، ويشرح لهم طريقة السير الصحيح بالكرة، ويحثهم على اللعب بجد أكبر، في حين كان العرق يتصبب من جبهته السمراء، وهو يحمل صفارته في يدٍ، ومؤقتِ الزمن باليد الأخرى.

"لم أبتعد يوماً عن كرة القدم منذ صغري وحتى الآن"، بهذه الكلمات عبّر الكابتن ذو الثلاثين ربيعاً عن شغفه بالكرة المستديرة وأم الألعاب وأكثرها شعبية، حسب وصفه.

يروي محدثنا ابن بلدة سرمين بريف إدلب، بداية مشواره الرياضي، حينما ابتدأ لاعباً في أشبال سرمين، وتدرج إلى فريق الناشئين في محافظه إدلب، نادي أمية، وبعدها إلى نادي الرجال، كخط وسط وظهير أيسر.

في ساحة التدريب، كان الكابتن غاضباً جداً، ويوجه الصبية بحدة ويصرخ دائماً، وكان يقول: "لا أتمالك نفسي عند التدريب، وأبذل قصارى جهدي لكي يصبحوا أبطالا ً يوماً ما"، ويردف: "العلم في الصغر كالنقش على الحجر".


كما كل شيء منسي في إدلب، كانت الرياضة كذلك، فلم يكن نادي أمية يحظى بالدعم اللازم، ولم يُسمح للاعبي فريقه بالانتساب إلى المنتخب. "أقمنا مع منتخب سوريا الأولمبي عدة معسكرات ولعبت معه لفترة قليلة. ولكن في (سوريا الأسد)، يلي مالو واسطة لا يتعب ولا يشقى، فلن يستطيع اللالتحاق بالمنتخب، ولا أن يحقق شهرة"، يقول الكابتن رائد.

كانت بدايات مشوراه صعبة، فالأعباء المادية كانت تشكل عقبة كبيرة، ويوضح الكابتن: "أبي رحمه الله كان يمنعني من اللعب، وتردد كثيراً بالسماح لي بالانضمام لنادي أمية. باعتقاده أنه يجب علي تعلم مهنة فالرياضة لا تُطعم خبزاً".

برأي رائد، أن والده كان محقاً بعض الشيء، فالرياضة في سوريا لم تُكن تدعم بالشكل اللازم، فلم نسمع عن لاعب أصبح غنياً كلاعبي أوروبا، ولكنه كان يؤمن بأنه يجب أن لا يبتعد عن معشوقته مهما حصل. "كنت أعمل بمحل أبي في النجارة، صباحاً، وأتمرن مساءاً"، يتحدث رائد.

يجري الكابتن بالكرة مسرعاً ويسدد نحو المرمى محققاً هدفاً عجز الحارس عن صده، ويستدرك وهو يلتقط أنفاسه، "عشت متوسط الحال، ولكن لعبت وتدربت كثيراً، وأنا راضٍ عن نفسي".


رغم خروج إدلب عن سيطرة النظام واشتعال الحرب وتغير الظروف، حافظ الكابتن رائد على لياقته، وبقي يلعب لنادي أمية الحر، وأصبح مدرباً له عدة سنوات، وهو الآن كابتن نادي سرمين، ومدرب فريقه.

كان الدخل الشهري الذي يتلقاه طيلة هذه السنين، متوسط وضعيف في كثير من الأحيان، لغياب دعم الرياضة والرياضيين والتي تعتمد على الحفلات والتبرعات الخيرية من وقت لآخر. لكنه لم يلجأ لمهنة أخرى.


وينفخ الكابتن بصفارته معلناً انتهاء التدريب لهذا اليوم في الملعب المعشب الذي أُنشئ حديثاً بمساهمته، وهو الملعب الأول في بلدة سرمين.

موضحاً: "استطعت بمساعدة شريك إنشاء الملعب تحت مسمى (أكاديمية سرمين)، وبشكل منتظم نقيم فيه الدوريات والتدريبات لهواة الكرة، لأجل احترافها".

لم يفكر الكابتن رائد بمغادرة بلدته أو السفر للخارج للعب أو الاحتراف، رغم تغير الظروف وتراجع الرياضة، فهو يأمل أن تعود سوريا حرة، ليتمكن أصحاب المواهب من إظهار مواهبهم وتحقيق أحلامهم، كما تمنى أن تستقر الأوضاع ويعاد تنظيم نادي إدلب "أمية"، وأن يحقق صدارة الدوري والكأس.


ترك تعليق

التعليق