سليم ياسين.. نهاية رجل خدم الأسد ثلاثين عاماً، وانتهى "فاسداً"


في معرض بحثك عن كل ما يتعلق بالدكتور سليم ياسين، نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية في عهد حافظ الأسد لمدة 15 عاماً، فإنك لن تجد في الانترنت، سوى تلك الأخبار التي تتحدث عن اتهامه بالسرقة والحكم عليه بالسجن لـمدة 16 عاماً، في العام 2000، على خلفية قضية طائرات الإيرباص الشهيرة التي أدت كذلك إلى سجن وزير النقل في تلك الفترة مفيد عبد الكريم لمدة 10 سنوات، وإلى انتحار رئيس الوزراء الأسبق محمود الزعبي.

وهي وثيقة تاريخية مؤلمة لورثة هذا المسؤول الذي خدم في نظام الأسد لأكثر من ثلاثين عاماً، وتبوأ أعلى المناصب، ثم انتهى به المطاف محكوماً عليه بالسجن بتهم تمس النزاهة المالية، بينما معاصروه يقولون عنه غير ذلك، ويصفونه بالاقتصادي النزيه والشريف الذي لا يمكن أن تمتد يده لسرقة المال العام، وهو ما ثبت لاحقاً، إذ لم يمض في السجن سوى ثلاثة أشهر، ليخرج بعدها، ولكن دون أن تشر وسائل الإعلام إلى براءته، أو حتى ذكر خبر خروجه من السجن.

(سليم ياسين إلى يمين الصورة، برفقة رئيس الوزراء الأسبق، محمود الزعبي)

حياته ومناصبه

تعود خدمة سليم ياسين في نظام البعث إلى عقد الستينيات من القرن الماضي، وهو ابن مدينة اللاذقية التي ولد فيها في العام 1937، وقد درس الاقتصاد في جامعة دمشق التي تخرج منها في العام 1960، وبعدها تابع الماجستير والدكتوراه في جامعة كولارادو ، حتى العام 1965، ليعود مدرساً في جامعة حلب ثم اللاذقية بعد افتتاحها، حيث ظل يشتغل بالتدريس الجامعي حتى العام 1978، عندما عينه حافظ الأسد وزيراً للنقل في حكومة محمد علي الحلبي، ثم وزيراً للتخطيط في حكومة عبد الرؤوف الكسم في العام 1980، ووزيراً للاقتصاد في حكومة الكسم الثانية من العام 1984 وحتى العام 1985، ونائباً لرئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية في حكومة الكسم الثالثة، حيث استمر في هذا المنصب مع تشكيل حكومة محمود الزعبي في العام 1987 إلى حين موت حافظ الأسد في العام 2000. حيث تم تعيينه بعدها عضواً في القيادة الإقليمية لحزب البعث، بالإضافة للتدريس في جامعة اللاذقية حتى وفاته في العام 2016.

الاقتصاد السوري في عهد ياسين

تعتبر الفترات التي تولى فيها سليم ياسين مناصبه الاقتصادية، من أحلك السنوات التي مرت على سوريا، من حيث الفقر والحصار والندرة في كل شيء، وكذلك انتشار الفساد، الذي أخذ شكلاً مافياوياً في بداية الثمانينيات، بقيادة رفعت الأسد شقيق حافظ الأسد، ثم تغلغل هذا الفساد بعد منتصف الثمانينيات، في أجهزة الدولة والحكومة، التي أصبحت باباً للسرقة لأفراد عائلة الأسد، والقيادات العسكرية والأمنية المرتبطة بها.

ولم يكن الدور الذي يؤديه سليم ياسين كنائب لرئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، واضحاً في عمل الحكومة، سواء لناحية السياسات الاقتصادية والقرارات، أو لناحية تنفيذ هذه القرارات، حتى أنه يقال أن هذا المنصب، الذي لم يكن معروفاً في تاريخ الحكومات السورية السابقة، اخترعه حافظ الأسد، ليقول إنه يعالج الأزمة الاقتصادية التي مرت على سوريا في الثمانينيات، بينما كان ذلك من أسباب ترهل العمل الحكومي وتشتت المهام والتنازع بين المسؤولين على الصلاحيات.

لكن الكثير من المتابعين للوضع الاقتصادي في سوريا وبالذات مرحلة الخروج من الأزمة في نهاية الثمانينيات ومطلع التسعينيات، يشيرون إلى فضل سليم ياسين في رسم السياسات الاقتصادية لتلك المرحلة، وبالتحديد، ما يطلق عليه فترة الانفتاح على القطاع الخاص وصدور مرسوم الاستثمار رقم 10، إذ يشيرون إلى أنه كان من أوائل من سعى لتغيير هوية الاقتصاد السوري، وأنه الأب الشرعي لذلك المرسوم، وليس وزير الاقتصاد محمد العمادي كما كان يشاع، لكنه كان دائماً يصطدم بنظام المحسوبيات الثابت الذي بناه حافظ الأسد، والذي أفقد البلد من أي جدوى في التغيير.

سليم ياسين "الفاسد"

كانت فضيحة من العيار الثقيل تلك المتعلقة بصفقة طائرات الإيرباص العشرة التي تم التعاقد عليها بمبالغ طائلة في نهاية التسعينيات من القرن الماضي، ثم تبين أن مجموعة من المسؤولين قاموا بالسمسرة عليها، وحصلوا على ملايين الدولارات من ورائها، بينهم وزير النقل مفيد عبد الكريم ورئيس الوزراء محمود الزعبي، وتم الزج لاحقاً باسم سليم ياسين.

كانت الفضيحة الوحيدة التي سمح النظام لوسائل الإعلام العالمية أن تتداول تفاصيلها الدقيقة، وكل ذلك من أجل تبييض صفحة بشار الأسد، الذي أخذ اسمه يصعد كمحارب للفساد في السنتين الأخيرتين من حكم والده.

وكما هو معروف بالنسبة للكثيرين من الشعب السوري، فإن القصة انتهت بانتحار رئيس الوزراء محمود الزعبي الذي يقال أنه وافق على محاكمته، لكنه اشترط أن تكون علنية، مهدداً بفضح ملفات فساد أكبر من ذلك بكثير، في إشارة إلى مبلغ الـ 14 مليار دولار التي كان يمتلكها باسل الأسد في أحد البنوك النمساوية، ولعب الزعبي دوراً في تخليصها من البنك بعد موت باسل.

أما مفيد عبد الكريم فقد حكم عليه بالسجن لمدة 15 عاماً وغرامة مالية بملايين الدولارات، قضى منها عشر سنوات، وتوفي بعد خروجه من السجن بسنتين في العام 2012، وقد سمح لوسائل إعلام النظام أن ترثيه وتعدد مناقبه.

 أما سليم ياسين الذي حكم بالسجن لمدة 15 عاما ًوبغرامة مالية كذلك بملايين الدولارات، فإنه لم يمض من عقوبته سوى فترة ثلاثة أشهر، ليخرج بعدها بريئاً، ويتوارى عن الأنظار والإعلام.. ويقال أنه رجع للتدريس في جامعة تشرين في اللاذقية إلى حين وفاته في عام 2016، إلا أنه كان لافتا أن وسائل الإعلام لم تنشر أي شيء عن براءته من الفضيحة التي لحقت به، ولم تنشر شيئاً عنه بعد وفاته، ولم ينبر أحد من الصحفيين، ليعدد مناقب الفقيد وفضله على الاقتصاد السوري كما حدث مع مفيد عبد الكريم.

ترك تعليق

التعليق