الاعتقال مقابل فدية.. سيد الموقف في ريف حمص الشمالي


تفيد الأنباء الواردة من قرى وبلدات ريف حمص الشمالي والتي باتت خاضعة لسيطرة النظام، عن تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية، نتيجة توقف تام للأعمال وغياب فرص العمل ما زاد من معاناة الأُسر هناك.

في حين، تشهد المنطقة استمرار عمليات الاعتقال المتكرر بقصد الابتزاز لقاء مبالغ مالية تتراوح بين 100 ألف ليرة سورية حتى مليوني ليرة سورية، كما يتم اعتقال الأشخاص لأكثر من مرة بهدف الابتزاز من قبل عصابات موالية للنظام.

وفي أوائل شهر أيار/مايو من العام الحالي، توصلت فصائل المعارضة والفعاليات الثورية والمدنية والمحلية إلى اتفاق مع الطرف الروسي، يقضي بخروج من يرغب من الثوار والمدنيين صوب الشمال السوري.

وتضمن الاتفاق عدداً من النقاط أهمها: تسليم السلاح الثقيل، ووقف كامل لإطلاق النار، وخروج الرافضين لإبرام التسوية مع قوات النظام وتسوية أوضاع من يرغب بالبقاء وعدم الزج بهم في الخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية قبل مرور 6 أشهر، إضافة لتسوية أوضاع طلاب الجامعات والمدارس وتسوية أوضاع الموظفين السابقين في قطاعات الدولة.

وذكرت مصادر محلية أنه ومنذ استعادة نظام الأسد السيطرة على منطقة ريف حمص الشمالي فإنه لم يتم إعادة أي شخص من الذين تلقوا الوعود سواء من قطاع الصحة أو باقي القطاعات إلى عمله أو وظيفته السابقة، وامتد الأمر ليطال حتى طلاب الجامعات الذين لم تتحسن أو تتم تسوية أوضاعهم.

 ازدياد الملاحقات الأمنية وتردي الأوضاع من سيئ لأسوأ

رئيس تحرير مجلة " سنابل الثورة" والذي هو من سكان ريف حمص الشمالي المهجرين باتجاه الشمال السوري، والذي فضل عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، قال لموقع "اقتصاد": "منذ سقوط ريف حمص الشمالي في أيار الماضي وحتى اليوم؛ لم يبق نظام الأسد أسلوب ضغط أو ابتزاز إلا ومارسه على أهالي المنطقة، ابتداء من رغيف الخبز حيث باتت الأفران في مدن وبلدات الريف حكراً على عناصر الأسد، فهم فقط القادرون على شرائه وبيع الفائض عنهم للأهالي بأضعاف ثمنه".

"وبالنسبة للخدمات الأخرى فما زالت المرافق الخدمية والنقاط الطبية نفسها تلك التي أنشأها الجيش الحر يستخدمها المدنيون إلى الآن دون أي تجديد من النظام، وأمنياً فإن الوضع ينحو من سيء إلى أسوء مع تنصل الروس من التعهدات التي قدموها للجيش الحر إبان خروجه الى الشمال، فالملاحقات الأمنية أخذت تزداد بحجة الالتحاق بالخدمة الاجبارية، حتى الذين بلغت أعمارهم 47 عاماً طالهم الاعتقال".

وتابع المصدر: "أما بخصوص الوضع الاقتصادي للناس فهو مزرٍ جداً، مع انعدام فرص العمل بشكل كامل واستمرار احتكار التجار المقربين من النظام للسلع الأساسية كما كان الوضع في الحصار. وتعتمد الناس للحصول على قوت يومها على الزراعة بطريقة أساسية، والشيء الغريب أن من يملك بعض النقود أضحى يخشى صرفها خشية اعتقاله وطلب فدية مقابل إطلاق سراحه فيكون لديه المال اللازم".

مالكو الأبقار والأغنام والآليات في مرمى عمليات الابتزاز

وأكد المحامي "مصطفى الرجب" من سكان منطقة الحولة وهجر باتجاه الشمال السوري، المعلومات الواردة من ريف حمص الشمالي وقال: "من خلال تواصلي مع مصادر ماتزال في منطقة سيطرة النظام، فإنهم أكدوا لي صحة عمليات الابتزاز والانتهاكات الممارسة بحق من بقي ورفض التهجير".

وأضاف في حديثه لموقع "اقتصاد"، أنه لم يعد أي شخص إلى عمله نهائياً إلا في الأسبوع الأول والثاني من بعد عملية التهجير للأهالي، ومن ثم تم التحقيق معهم من قبل أفرع أمن النظام ليتم فصلهم من وظائفهم من جديد، ما يؤكد أن النظام لم يفِ بوعوده كالعادة.

وأشار، إلى أن النظام يلجأ إلى إغراء بعض الأشخاص بالمال مقابل جمع معلومات عن بعض العائلات في قرى وبلدات ريف حمص الشمالي من أجل ابتزازهم مالياً، مبيناً أن هذا الأمر يتم بشكل يومي حيث يتم اعتقال الشخص وإطلاق سراحه مقابل المال، ومن ثم وبعد مرور شهر على إطلاق سراحه يتم اعتقاله مرة أخرى وابتزازه بالمال.

وضرب لنا "الرجب" مثلًا عن حادثة حصلت مع ابن عمه الذي ما يزال يقطن في إحدى قرى ريف حمص الشمالي وقال: "منذ فترة تم اعتقال ابن عمي من قبل أحد الأفرع الأمنية بحجة أنه يملك (مسدس)، وتم الافراج عنه بعد أن دفع مبلغ 600 ألف ليرة سورية، وبعد عشرة أيام عادوا إليه بحجة أنه كان يملك (بارودة) ودفع أيضاً مبلغ 400 ألف ليرة سورية، وبعد شهر أيضاً قاموا بابتزازه بمبلغ 250 ألف ليرة سورية بحجة أن منزل أهله كان في يوم من الأيام مقراً للفصائل العسكرية والثوار".

وأضاف "الرجب"، أن قصص الابتزاز ماتزال موجودة، لافتاً أنها تطال مالكي الأبقار والأغنام والآليات ممن بقوا في الريف الشمالي لحمص، مبيناً أن النظام أبقى هؤلاء في مناطق سيطرته طمعاً بأموالهم وأرزاقهم وليتم ابتزازهم.

وكشف المصدر ذاته عن عمليات ابتزاز أخرى من خلال استغلال الأهالي ودفع مبالغ مالية لقاء اعفائهم من الخدمة الاحتياطية، وقال: "إن النظام بدأ يرسل دعوات تبليغ للاحتياط تستهدف الرجال من عمر 55 عاماً وما دون، وبالتالي تم فتح باب جديد للاستغلال وسلب الناس أموالهم وباتوا يشترطون للإعفاء من الاحتياط دفع مبلغ 3000 دولار، مع التنويه إلى أنه الشخص المستهدف يُعطى ورقة إعفاء من هذه الخدمة لمدة ستة أشهر، ومن بعدها يتم تبليغه مرة أخرى للاحتياط".

مليون ليرة سورية.. حجم "الإتاوات" يومياً

الناشط الإعلامي "سامر الحمصي" أوضح أن الابتزاز ليس فقط عن طريق اعتقال الأشخاص واجبارهم على دفع مبالغ مالية معينة بحسب التهمة الموجهة لهم، بل امتد إلى قيام قوات النظام بفرض الإتاوات على إدخال البضائع إلى القرى والبلدات بريف حمص الشمالي والقادمة من مناطق سيطرة النظام في المدينة وما حولها.

ونقل "الحمصي" عن مصدر في قرية "الطيبة الغربية" شمالي حمص قوله: "يتم يومياً دفع ما يقارب من مليون ليرة سورية كإتاوات لحواجز النظام مقابل السماح بإدخال المواد والبضائع لتلك القرية، مع العلم أن عدد سكان القرية لا يتجاوز 2000 نسمة، ولا يقتصر الأمر على ذلك بل كل من يدخل ويخرج إلى قرى ريف حمص الشمالي يتم تفتيشه و(تفيشه أمنياً)، الأمر الذي يزيد من مخاوف من الاعتقال".

وبيّن "الحمصي" لموقع "اقتصاد" أن هذه الممارسات أدت لتوقف الأعمال وانتشار البطالة والفقر كون معظم العائلات في داخل ريف حمص الشمالي ليس لها دخل ووضعها صعب جداً، لذا فإنها تناشد وتستغيث لتأمين المساعدات لها خاصة مع حلول الشتاء كونه لم يعد هناك أي منظمات إنسانية تعمل في هذه المنطقة عقب سيطرة النظام عليها.

وفيما يتعلق بأوضاع الموظفين السابقين في الدوائر الحكومية ومن تمت تسوية أوضاعه، أوضح "الحمصي" أنه لم يتم إعادة أي شخص لعمله، موضحاً أن نسبة كبيرة منهم ينتظرون العودة إلى عملهم.

ولفت الانتباه، إلى أنه وبسبب تبليغ النظام للشباب بضرورة الالتحاق بالاحتياط وأن كل الشباب في بداية العام القادم سيتم سوقهم للالتحاق بصفوف جيش النظام، فإن هذا الأمر دفع بغالبية الشباب للهروب من ريف حمص الشمالي عن طريق التهريب باتجاه لبنان أو الشمال السوري، وهنا تأتي معاناة أخرى حيث يضطر الشباب لدفع مبالغ مالية تصل لحدود 2000 دولار للشخص الواحد مقابل تهريبه خارج الريف الشمالي لحمص.

ترك تعليق

التعليق