السياسة تحكم الزراعة في الغوطة الشرقية


مع دخول موسم زراعة القمح، حذر رؤساء بلديات منطقة المرج في الغوطة الشرقية، الفلاحين من زراعة الأراضي التي هُجّر أصحابها إلى الشمال السوري بدون الحصول على تفويض رسمي بذلك من مالكيها.

التحذير جاء بناء على توجيهات الأجهزة الأمنية التي تجرّم، أصلاً، تواصل سكان الغوطة مع المقيمين في الشمال السوري، أي أن حصول أي فلاح على تفويض خطي أو إلكتروني لزراعة أي أرض، يقيم مالكها الأساسي في الشمال، يعدّ تجريماً بائناً يعرض صاحبه للمخاطر الأمنية. ما يعني استحالة إبراز أي وثيقة تدل على ارتباط سكان الغوطة بالمهجرين.

وتهدف تلك التحذيرات إلى حرمان مالكي الأراضي الأصليين "المهجرين" من استثمار أراضيهم أو الحصول على  أرباح زراعتها أو تأجيرها، إذ أن قيمة أجرة الدونم الواحد عن موسم زراعة القمح في الغوطة الشرقية تتجاوز 15 ألف ليرة سورية، أما أرباح الزراعة،  فإن كمية إنتاج الدونم الواحد من القمح تتراوح بين /600 ، 1200/ كغ، ويقدر متوسط سعر كيلو القمح خلال فترة الموسم بـ 225 ليرة سورية. ذلك ما يعني إمكانية استفادة المهجرين أصحاب الأراضي من مبالغ كبيرة، خاصة أن سقاية الأراضي هذا العام تعتمد على نهر بردى الذي تنتشر فروعه في مختلف بلدات الغوطة ووصلت مياهه إلى بحيرة العتيبة شرقاً، ولا يحتاج الفلاحون إلى السقاية من مياه الآبار الإرتوازية.

وأجرى وزير الزراعة ومحافظ ريف دمشق، الأسبوع الماضي، جولة على عدة بلدات في الغوطة الشرقية تعهدوا خلالها، أمام الفلاحين، بتقديم التسهيلات اللازمة للزراعة، ووعد وزير الزراعة بحكومة النظام، الفلاحين بتأمين بذار القمح اللازم لزراعة أراضيهم، بحيث سيتم بيع الفلاحين /25/ كغ من القمح لكل دونم واحد، وبسعر /190/ ليرة للكيلو الواحد أي أقل من سعر السوق بفارق /60/ ليرة سورية، بشرط أن يكون الفلاح مقيم في البلدة، وأن يقدم للجمعية الفلاحية كامل أوراق الملكية للأراضي، منعاً من محاولات زراعة أراضي المهجرين وإرسال العائدات المالية إلى الشمال السوري لاحقاً.

ومقابل التسهيلات الوزارية تشترط الجمعيات الفلاحية على الفلاحين بيع المحاصيل إلى وزارة الزراعة حصراً. لكن يبدو أن وزارة الزراعية لم تفِ بتعهداتها بعد، إذ أنّ الكميات التي قدمتها للجمعيات الفلاحية في البلدات لا تتجاوز 12 % من كميات البذار التي تغطي احتياجات الفلاحين الذين تنطبق عليهم الشروط، ذلك ما سيجبر الفلاحين المقيمين في الغوطة على شراء البذار من السوق المحلية وبأسعار أعلى وبجودة أقل، وبالتالي سينعكس ذلك سلباً على كميات الانتاج الزراعي وعلى قيمة الأرباح.

وتتجاوز مساحة الأراضي الزراعية في الغوطة، التي لم تزرع في السنوات الست الماضية بسبب الحرب، أكثر من /500/ ألف دونم، أكثر من 80 % من أصحابها غير مقيمين حالياً في بلداتهم بسبب السفر أو التهجير.

إقحام التوجهات السياسية والملفات الأمنية سيؤدي إلى ترك الأراضي الصالحة لزراعة القمح بوراً هذا العام، ما يعني منع إنتاج ما لا يقل عن /240/ ألف طن، أي حرمان أصحابها من مردود مالي يتجاوز /55/ مليار ليرة سورية على أقل تقدير، كان ممكن أن يستفيد منها الفلاحون في داخل الغوطة أو خارجها.
 
وينجم عن ذلك أيضاً تبعات أخرى تتمثل في إلغاء فرص عمل لفلاحين يعملون بالحراثة أو السقاية أو الحصاد، إضافة إلى تعطيل إنتاج كميات كبيرة من مادة التبن التي تستخدم كعلف للحيوانات، إضافة إلى خسارة مساحات كبيرة من المراعي التي تتكون بعد انتهاء محصول القمح أواخر شهر حزيران.

إسقاط المعطيات على زراعات أخرى كالبساتين والأشجار المثمرة التي تنتشر في منطقة القطاع الجنوبي بالغوطة يعطي أيضاً أرقاماً مالية ضخمة تلعب الاعتبارات السياسية والأمنية أيضاً دوراً في حرمان أصحابها منها.

ترك تعليق

التعليق