"زراعة" السمك في الغاب.. قصة مهنة تقاوم الانهيار


"زراعة السمك"، مصطلح يطلقه أهالي منطقة سهل الغاب بريف حماة الغربي، على تربية الأسماك ضمن أحواض مائية. ويجد أهالي منطقة سهل الغاب ممن يعملون في تربية الأسماك، صعوبات كثيرة في هذه الأيام، بعد انتشار الأمراض وتدهور سوق التصريف.

وتعتبر منطقة سهل الغاب بريف حماة ثالث أكبر مخزون للثروة السمكية في سوريا. وكانت نسبة الإنتاج فيها قبل الثورة، تُقدّر بنسبة 40 بالمئة من إنتاج سوريا العام من الأسماك.


المهندس "محفوظ الخطاب"، تحدث لـ "اقتصاد" عن سبب تراجع تربية أو زراعة الأسماك في منطقة سهل الغاب، مشيراً إلى أن السبب الرئيس لذلك هو ارتفاع كلفة الإنتاج مقارنة بأسعار السوق وعدم وجود أسواق لتصريف المادة المنتجة، مما يضطر المزارع لتصريف إنتاجه في مناطق سيطرة قوات النظام.

وأضاف "الخطاب" أنه يوجد أسباب عديدة أيضاً لتراجع هذه المهنة، إذ تتعلق كلفة الإنتاج بارتفاع أسعار الأعلاف والمحروقات والأدوية البيطرية التي وصفها بغير المتوفرة أساساً، ويضطر المزارع لاستخدام أدوية الدواجن والأبقار التي عادةً ما يكون سعرها  مرتفعاً جداً، كما أنها لا تفيد ولا تنفع بشيء، حسب وصفه.


وأردف "الخطاب" قائلاً: "إن الوضع الأمني في المنطقة لعب دوراً مهماً في تراجع زراعة الأسماك في سهل الغاب، ويضطر المزارع في المنطقة لتخفيض طاقته الإنتاجية بتخفيض المساحة المزروعة لتخفيف تكاليف الإنتاج خوفاً من الهجرة، لكي تكون خسارته أقل".

وأشار "الخطاب" إلى أنواع الأمراض التي تصيب الأسماك في المزارع ومن أهمها جدري الكرب وتعفن الغلاصم والعلق والتهاب الأمعاء، والتي تحتاج لأدوية من الصعب وجودها في المناطق المحررة.

وذكر "الخطاب" بعضاً من أنواع هذه الأدوية وهي "ماكس وأفتريل" الذي يستخدم للمواشي ويستخدم للأسماك أيضاً، والنوع الآخر هو "الأوكسي" للالتهاب والمعقمات والفورمالين.

وأنهى "الخطاب" قائلاً إن نسبة الإنتاج في عام 2012 كان قد قُدّرت بحوالي 7 آلاف أطنان منتجة من 350 مزرعة تبلغ مساحتها سبعة آلاف دونم تقريباً، وانخفضت في عام 2017 إلى 3 آلاف طن فقط.


المزارع "رامز السلوم"، أحد أكبر مزارعي الأسماك وأقدمهم في المنطقة، تحدث لـ "اقتصاد" عن المشاكل والصعوبات التي يواجهونها في هذه المهنة.

وقال "السلوم": "إننا نواجه صعوبات كثيرة في تربية الأسماك خصوصاً في الأعوام الماضية، أبرزها ارتفاع أسعار الوقود والأعلاف مع انقطاع التيار الكهربائي، وارتفاع كلفة الصيانة العامة في المزرعة من تجريف الأحواض وصيانة المحركات والمضخات".

وأضاف "السلوم" موضحاً أن انخفاض سعر الأسماك مقارنة بكلفة الإنتاج، وبالتالي ضعف الجدوى الاقتصادية بالنسبة لأسماك المشط، من الصعوبات الكبيرة التي يواجهها.

 ويبلغ سعر الأسماك متوسطة الوزن (200 غ) 700 ليرة سورية للكيلو الواحد في حين تبلغ كلفة إنتاج الكيلو الواحد 650 ليرة سورية تقريباً، وأما الفراخ الناتجة عن موسم التسمين فيبلغ سعر الكيلو الواحد 500 ليرة سورية مما يسبب خسارة كبيرة للمزارع، وأما الأسماك متوسطة الوزن (330 غ) وما فوق، فإن سعر الكيلو غرام يبلغ 1150 ليرة سورية وبالتالي تحقق أرباحاً جيدة، لكن إنتاج أسماك بهذا الوزن تواجهه صعوبات كثيرة منها أن تكون الفراخ المزروعة ذات وزن كبير (100 غ أو أكثر) وتحتاج أعلافاً مركبة بجودة عالية، وهذا ما يعجز عنه الكثير من المزارعين بسبب ارتفاع الكلفة.


وأكمل "السلوم" قائلاً: "إننا نعاني بشكل كبير من ضعف أو شبه انعدام الطب البيطري المختص والأدوية البيطرية حيث يضطر المزارع إلى العلاج عند حدوث أمراض في الحوض، فعندما تكون أسماكه ذات حجم تسويقي فإنه يبيع هذه الأسماك ولو بأسعار أقل من السوق تجنباً لخسارة رأس المال، وإذا تعذر البيع فهناك مجموعة من الأدوية، القليل منها خاص بالأسماك وما تبقى أدوية خاصة بالأبقار والأغنام".

وأشار "السلوم" إلى آثار الوضع الأمني الذي ينعكس سلباً على المزارع. ويلجأ المزارع إلى تخفيف كثافة الزراعة في وحدة المساحة لتخفيف الكلفة. ومن كان له مزرعة كبيرة يزرع حوضاً أو حوضين ويهجر الباقي خوفاً من الهروب وترك كل شيء خلفه.

ويرش "رامز السلوم" الملح في الأحواض السمكية، بعد أن باتت الطريقة الوحيدة للتعقيم "المقدور عليها" على حد قوله، آملاً أن تنجو أسماكه من الأمراض هذه المرة، والتي تشكل مصدر دخل له ولمئات العائلات في سهل الغاب، في انتظار حلول من الجهات المسؤولة بتقديم الدعم اللازم للثروة السمكية التي تعاني من الانهيار.



ترك تعليق

التعليق