الدكتور عصام الزعيم.. قصة الاقتصادي الذي قتله بشار الأسد قهراً


الدارس لسيرة الدكتور عصام الزعيم، من المهد إلى اللحد، لا بد أن يفتتن بشخصية هذا الرجل وعلمه الواسع وأنشطته التي جابت أربع قارات، إلى أن انتهى به المقام في بلده، وزيراً أولاً، وثم متهماً بذمته المالية، وملاحقاً قضائياً، حتى توفاه الله في نهاية العام 2007 بنوبة قلبية، تاركاً إرثاً اقتصادياً كبيراً، وقصة حزينة عن مسؤول، يسميه كل من تعرف عليه، بأنه آخر المسؤولين المحترمين.

فمن هو الدكتور عصام الزعيم..؟

حياته العالمية

هو من مواليد حلب العام 1940، أنهى دراسته الابتدائية والثانوية في سوريا، ثم غادر في عام 1959 للدراسة في فرنسا، وبعد تخرجه عمل باحثاً في المجلس الوطني للبحث العلمي في باريس ثم رئيساً لفريق البحث ومديراً لمركز التوثيق المؤتمت والدراسات الاقتصادية عن الصناعات الغازية والبتروكيميائية في معهد البحث الاقتصادي والتخطيط بجامعة غرنوبل الفرنسية.
 
ثم انتقل الى الجزائر وعمل أستاذاً في معهد اقتصاد الدراسات العليا بجامعة الجزائر ومستشاراً اقتصادياً لشركة النفط الوطنية الجزائرية "سوناتراك" ولوزارة الطاقة والصناعة الجزائرية.

شارك الدكتور عصام الزعيم في تأسيس جمعية اقتصاديي العالم الثالث في شباط فبراير 1976 في الجزائر وانتخب مراراً أميناً عاماً مساعداً لها ممثلاً للاقتصاديين الآسيويين. وعمل أستاذاً في جامعات ولوفان الكاثوليكية البلجيكية وسانت لويس الأمريكية في فيينا وأستاذاً زائراً لمرات عديدة ثم مديراً لمجموعة البحث والدراسات المتقدمة في جامعة الكولوخيو دي مكسيكو في العاصمة المكسيكية وأستاذاً محاضراً في مركز دراسات أوبك التابع لجامعة فنزويلا المركزية ووزارة الطاقة والمناجم الفنزويلية وأستاذاً محاضراً في الجامعة العليا للعلوم الإدارية بمدينة ريو دي جانيرو في البرازيل.
 
ومن جهة أخرى، عمل الزعيم زهاء عشرين عاماً في وكالات الأمم المتحدة، أولاً في منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو) في فيينا ثم في إدارة التعاون الفني من أجل التنمية في الأمم المتحدة في نيويورك وبعدها في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في نيويورك ثم اليمن ثم جنوب شرق آسيا والمنطقة الباسيفيكية. عمل مستشاراً غير متفرغ للأمين العام لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول في الكويت ولدى المنظمة العربية للتنمية الصناعية في القاهرة وبغداد والرباط.

أدار الدكتور عصام لمدة ثلاثة أعوام في جامعة الكولوخيو دي ميكيكو في الجامعات المكسيكية ندوة أكاديمية متخصصة للقادة، كما أدار ندوة تخصصية عن مستقبل العلاقات الاستراتيجية والاقتصادية بين دول النادي الآسيوي الباسيفيكي للتعاون الاقتصادي "أيبك" الذي يضم الولايات المتحدة والصين واليابان وروسيا وأميركا اللاتينية وآسيا، وضم الهيئات الحكومية والشركات الدولية وأساتذة الجامعات والباحثين المكسيكيين.

كما درّس الاقتصادات العربية وموقعها في الاقتصاد العالمي في معهد الدراسات الآسيوية والأفريقية في الجامعة نفسها. وشارك في الحوار العربي الأوروبي منتدباً من جامعة الدول العربية وكان نائباً لرئيس الوفد العربي للمفاوضات العربية الأوروبية في قطاع التكرير البترولي والصناعات البتروكيميائية.

حياته السورية

كانت سمعة الدكتور عصام الزعيم قد ملأت الآفاق كخبير اقتصادي سوري، يحاضر في أرقى الجامعات العالمية، ويرأس أكبر الوفود الدولية، بينما طوال أربعين عاماً من مغادرته بلده، لم يتم التواصل معه أو الاستفادة من خبراته. حتى أنه لم يتم دعوته لإلقاء ولو محاضرة في سوريا.

في نهاية التسعينيات، وخلال التحضير لتوريث بشار الأسد السلطة، أحس النظام المخابراتي السوري، أن دعوة عصام الزعيم إلى سوريا والطلب منه المشاركة في الحكومة كوزير، من العوامل التي قد تساهم في تسويق صورة الولد الوريث، كراغب في الإصلاح، وساعٍ لمكافحة الفساد الحكومي، سيما وأن الزعيم كان قد أعد ورقة علمية في العام 1990، عن مشاكل القطاع الصناعي السوري، وكيفية النهوض به، تم تجاهلها تماماً، وفيما بعد تم اتهام عبد الحليم خدام بسرقتها وتقديمها للقيادة القطرية على أنه هو من عمل عليها.

تم التواصل مع عصام الزعيم، وإقناعه بالعودة إلى سوريا، وتوليته وزارة التخطيط والتعاون الدولي في العام 2000 في حكومة محمد مصطفى ميرو، التي تشكلت على أنقاض حكومة محمود الزعبي في الأشهر الأخيرة من حياة حافظ الأسد.

خلال وجوده في وزارة التخطيط، الذي لم يستمر لأكثر من عام، وضع الزعيم العديد من الدراسات والخطط للنهوض بالاقتصاد السوري، كما أنه وضع رؤية تنموية للعام 2020، تقوم على إعادة هيكلة جميع أجهزة الدولة الإدارية، كما وضع خططاً لمكافحة البطالة والترهل في الأداء الحكومي والإنتاجي، بحيث تصبح سوريا حتى ذلك العام من الدول المتطورة اقتصادياً وتنموياً.

إلا أن النظام الذي انشغل بموت حافظ الأسد في منتصف العام 2000، وتوريث ابنه بشار، لم يول تلك الدراسات أي اهتمام، وبدل أن يستفيد من الدكتور عصام الزعيم في وزارة التخطيط، تم توليته في الحكومة التي تشكلت في العام 2001، منصباً عملياً بعيداً عن فكره، وهو وزارة الصناعة، التي استمر فيها حتى العام 2003، حيث استبعده بشار الأسد في حكومة محمد ناجي عطري التي تشكلت في ذلك العام، وليشكل قرار استبعاده صدمة كبيرة في الشارع السوري وفي الأوساط الإعلامية، التي تعاملت ولأول مرة في تاريخها، منذ مجيء البعث للسلطة في العام 1963، مع مسؤول مختلف لم تعرف مثيلاً له من قبل.

بشار الأسد يفترس الزعيم

على ما يبدو أن السمعة الحسنة التي حاز عليها عصام الزعيم خلال ثلاث سنوات من عودته إلى سوريا، وعمله في الحكومة، من الأشياء التي لم ترق لبشار الأسد، فقد كاد الزعيم أن يطغى عليه في وسائل الإعلام وفي أحاديث الناس العاديين، بفضل نشاطه وتواضعه، ودماثته، فضلاً عن علمه الواسع.

لذلك لم تمض بضعة أشهر على تشكيل الحكومة الجديد، حتى فوجئت الناس بخبر يملأ وسائل الإعلام، هو قرار من وزير المالية محمد الحسين بالحجز على أموال الزعيم المنقولة وغير المنقولة، مع فتح تحقيق في قضية فساد مالي تخص الزعيم.

وتتلخص القصة التي تم اتهام عصام الزعيم فيها، بأنه خلال توليه وزارة الصناعة، قام بصرف مستحقات شركة ألمانية كانت قد طورت معمل غزل جبلة، وذلك بعد أن عجز ثلاثة وزراء صناعة قبله عن حل هذه القضية، بسبب ارتباطها مباشرة بـ سومر كمال الأسد، ابن عم بشار الأسد، الذي كان يبتز الشركة الألمانية التي طورت المعمل مقابل مبلغ 330 مليون مارك ألماني، ثم لم تدفع له أي عمولة، فقام هذا الأخير بتعطيل صرف التأمينات الأولية للشركة بحجة أنها تأخرت في تنفيذ المشروع عن المدة المتفق عليها.

وقصة التأخير، أن الشركة وخلال عملها في المعمل اصطدمت بموقع عسكري، فأرسلت الكتاب خلف الآخر، إلى أن استجابت السلطات لنقل هذا الموقع، وهو ما استغرق شهوراً طويلة من الصد والرد.

وعندما جاء الزعيم على رأس وزارة الصناعة، تواصلت معه السفارة الألمانية بدمشق، وشرحت له القصة، فقام بتشكيل لجنة أقرت بأحقية حصول الشركة على مستحقاتها المالية البالغة 33 مليون مارك ألماني، وأمر بصرفها، وهو ما لم يعجب ابن كمال الأسد، فأوعز للحكومة بالبطش بعصام الزعيم.
 
لقد عانى الزعيم مرارة هذه القضية كثيراً، وعلى الرغم من أنه تم تبرئته منها لاحقاً، إلا أنها ظلت تلاحقه حتى وفاته في 14 كانون الأول من العام 2007، حيث لم يكن أحد يشك بأن بشار الأسد هو من تسبب بموته قهراً وكمداً، نظراً لمحاولات تشويه السمعة التي عملت عليها ماكينة الأسد الإعلامية المخابراتية، والتي كانت بين الفينة والأخرى، تتعرض لقضية الزعيم وقصة فساده المالي، حتى لو من باب الدفاع عنه.

خاتمة

أجمل ما يمكن أن تقرأه عن عصام الزعيم هو ما كتبه الصحفي اللبناني طلال سلمان، صاحب السفير سابقاً، بمناسبة مرور عشر سنوات على رحيله، إذ كتب: "ألقابه العلمية كثيرة وإن ظل الأردأ فيها اللقب السياسي (معالي الوزير) الذي استدرج به ليخدم وطنه، فخسرناه بغير أن يربح الوطن".



ترك تعليق

التعليق

  • تعليق
    2019-01-18
    يعني، لا يغرنك السي في الطويل والعريض. بيجوز الدكتور الزعيم الله يرحمه كان درويش وما فاهم شي. أنا عن جد ما عندي أية فكرة. عبد الله الدردي مثلاً كان إبليس وبيفهم بكتير شغلات، بس أكيد ليس من هذه الشغلات كيف يبنى اقتصاد سوري واقعي ومتين ويخدم التنمية الوطنية والاجتماعية؟