الانتحار في سوريا.. إعلام النظام "يرش على الموت سكر"


تشير إحصائيات منظمة الصحة العالمية إلى أن حوالي 800 ألف شخص يضـعون حـداً لحيـاتهم كـل عـام تقريبـاً، وأن هنـاك وفـاة كـل ٤٠ دقيقـة بسـبب الانتحـار، بينما تؤكد الرابطة الدولية لمنع الانتحار أن هناك ٣ آلاف منتحر كل يوم مـا يعنـي أن عدد المنتحرين يفوق عدد ضحايا الحرب والقتل العمد.

 وتشـير الإحصـائيات إلـى أن أكثـر مـن ٦٩% (من أعداد المنتحرين) كانت لديهم ضغوط اقتصادية قاسية. وبحسب المصدر آنف الذكر فإن أكثر من 78 في المئة من حالات الانتحار تحدث في دول منخفضة الدخل ومتوسطة الدخل.

وشهدت سوريا، مؤخراً، العديد من حالات الانتحار، منها انتحار رجل مسن قيل إنه يعاني من الزهايمر وتم تصوير الحادثة عن طريق كاميرا موبايل من قبل أحد الاشخاص المتواجدين في المبنى المقابل، وكان شخص آخر في الفيديو يصرخ لكي ينتبه الأطباء والممرضون للرجل الذي يحاول الانتحار لكن دون فائدة، ليسقط الرجل بعد لحظات من عدة طوابق على سقف القرميد.

كما لقيت فتاة حتفها بعد أن سقطت من الطابق العاشر في منطقة المزة بدمشق دون التوصل إلى معرفة الدوافع الحقيقية التي أدت إلى سقوطها. وذكر موقع "صاحبة الجلالة" المحسوب على النظام أن الحادثة وقعت منذ يومين حيث وصلت الفتاة إلى مستشفى الرازي جثة هامدة، وتبين لاحقاً من خلال التحريات أن الفتاة تعاني من مرض نفسي، حيث أنها حاولت الانتحار سابقاً من خلال تناول كمية كبيرة من الدواء لكن تم إسعافها حينها وإجراء غسيل معدة لها.

وفي حمص أقدم رجل خمسيني على الانتحار مطلع شباط الحالي عبر إلقاء نفسه من شرفة منزله في حي المحطة، ونقلت مصادر أهلية في حمص أن الرجل يدعى "محمد تمام جنيد" وعمره 53 عاماً، وقف على شرفة منزله الواقع في حي المحطة بحمص في الطابق الثالث وألقى بنفسه. وأكدت المصادر أن عناصر الشرطة والإسعاف والدفاع المدني والإطفاء وصلوا إلى المكان وحاولوا إقناع الرجل بالعدول عن الانتحار، لكنهم فشلوا في ذلك ورمى بنفسه من الأعلى ما أدى لوفاته مباشرة.
 
والمفارقة أن إعلام النظام يبدو إزاء هذه القصص وكأنه يرش السكر على الموت ولا يجد غضاضة في القول أن حالات الانتحار المسجلة في سوريا ما زالت منخفضة حسب المعدل العالمي للانتحار، مقارناً ذلك بمثيلاتها في الدول الاسكندنافية ويتبجح هذا الإعلام بأن الدول الإسكندنافية من أكثر الدول التي تنتشر فيها ظاهرة الانتحار بالرغم من أن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والرفاهية لسكان هذه البلاد في أعلى مستوياتها، إضافة إلى ارتفاع مؤشر السعادة هناك إلى القمة، بالمقابل "تُعتبر سوريا من الدول التي تنخفض فيها معدلات الانتحار عالمياً حيث سُجل منذ بداية سنة 2018 حتى الشهر التاسع 55 حالة فقط، وهو عدد منخفض حسب المعدل العالمي". و

لكن، تناسى هذا الإعلام الذي "اعتاد الكذب حتى في نشرات الجو"- حسب وصف الراحل ممدوح عدوان- الأوضاع الكارثية التي يعيشها السوريون وأزمات الغاز والخبز والكهرباء والماء والافتقار إلى أدنى مستويات الحياة البشرية، الأمر الذي دفع بأعتى مؤيدي النظام لإرسال رسائل احتجاج متلفزة على هذه الأوضاع.

ولاحقت حالات الانتحار اللاجئين والنازحين السوريين الذين يعيشون في المخيمات في أوضاع معيشية صعبة، وفي ظل عدم وجود عمل وعدم وجود مدخول، وارتفاع الأسعار وصعوبة شراء الحد الأدنى من مستلزمات الحياة، وكل هذه الأسباب وغيرها تدفع بهؤلاء إلى إنهاء حياتهم ظناً منهم بأن ذلك سينهي المشكلة-كما يقول النائب العام السابق في إدلب "محمد نور حميدي"- "لـ"اقتصاد"، مضيفاً أن هناك أسباباً أخرى لتفشي هذه الظاهرة ومنها الاضطرابات النفسية والعقلية، ففي كثير من الأحيان يكون المقدم على الانتحار غير واعٍ لهذا الأمر، وكذلك هناك حالات الإدمان التي انتشرت في الآونة الأخيرة نتيجة إغراق الأسواق السورية سواء في مناطق سيطرة النظام أو المناطق المحررة بالحبوب المخدرة والمهلوسة والحشيش خاصة في صفوف العساكر الذين مضى على التحاقهم بالخدمة فترة طويلة ولم يتم تسريحهم نظراً لظروف الحرب، وكذلك انتشار الإدمان بين طلبة المدارس.

وتؤكد دراسة غير رسمية أن النسبة الأعلى من حالات الانتحار هي بين النساء والشباب في سن ما بين 18 والـ 30 نتيجة الظروف الحالية.

ونوّه القاضي حميدي إلى أن قانون العقوبات السوري لم يجرّم المقدم على الانتحار أو من شرع به ولكنه بعكس كل التشريعات في الدول الأوروبية عاقب كل من ساعد أو حمل شخصاً على الانتحار، مشيراً إلى أن المادة 359 في الفقرة الأولى تنص على أن "من حمل إنساناً بأي وسيلة كانت على الانتحار أو ساعده بطريقة من الطرق المذكورة في المادة 218 الفقرة "أ" و"ب" و "د" عوقب بالاعتقال من خمس سنوات الى 12 سنة إذا تم الانتحار، أما الفقرة "ب" فيعاقب فيها بالحبس من 6 أشهر الى 3 سنوات في حال الشروع في الانتحار إذا نجم عنه إيذاء أو عجز دائم بالنسبة لمن حُرّض على الانتحار، فيما تنص الفقرة 3 على أن الشخص المحمول أو المساعد على الإنتحار إذا كان حدثاً دون 15 عاماً أو معتوهاً طبقت عليه عقوبة التحريض على القتل أو التدخل فيه"، فالمشرع-حسب قول "حميدي"- لم يعتبر الانتحار أو الشروع فيه جريمة لأن المنتحر يجني على نفسه وإن كان فعله هذا يحرّمه الدين ويجرمه وتمقته الأخلاق.

 وتابع أن "عدم ملاحقة من يحاول الانتحار بُررت بأن من أقدم على الانتحار لم يخف من الموت فكيف يخاف من العقوبة".

ولفت محدثنا إلى أن القانون العسكري يعاقب من يحاول الانتحار إذا كانت محاولة الانتحار بغية الإفلات من الخدمة العسكرية إذا أدى الانتحار إلى إلحاق أذى من شأنه إعفاء المقدم عليه من الخدمة الإلزامية.

 وشدّد حميدي على أن الوقاية من هذه الظاهرة الخطيرة تتطلب تضافر الجهود. وعلى الحكومات والمؤسسات والأفراد-كما يقول- اتخاذ تدابير الوقاية للحد من تلك الظاهرة أو التقليل منها قدر الامكان.

 ومن العوامل التي تفاقم هذه الظاهرة عدم وجود تربية صحيحة داخل المجتمع والأسرة، تدفع الشبان، في كثير من الأحيان، إلى الانحراف، وينتهي بهم الأمر إلى الإقدام على الانتحار، إضافة إلى ذلك-كما يقول- فإن انعدام الوازع الأخلاقي وانعدام التربية القائمة على أساس ديني صحيح تجعل من هؤلاء ضحية لهذه التصرفات.

 وتابع أن العنف الأسروي والمشاكل الزوجية تدفع الأشخاص في كثير من الأحيان إلى اللجوء للانتحار ظناً منهم أن ذلك هو الحل للمشكلة، إضافة إلى ذلك -كما يقول- الافتقار للرعاية الاجتماعية والصحية التي تضمن سلامة هؤلاء من الأمراض، سواء منها الجسدية أو النفسية والعقلية، ولكي يكون المجتمع بعيداً عن هذا الأمر لابد من زيادة فرص العمل والقضاء ما أمكن على البطالة.

وبدوره أشار الطبيب النفسي "جودت الحسيني" إلى أن الضغوط والإحباطات النفسية التي يعاني منها السوريون سواء من هم تحت سيطرة النظام أم في المناطق المحررة من أهم عوامل تفاقم ظاهرة الانتحار، وغالباً ما تكون مناطق الحروب والتوترات بؤر لازدياد الانتحار في ظل ظروف الفقر والحاجة، وقد تدفع هذه الظروف ببعض الناس لبيع أطفالهم أو كِلاهم أو أعضاء أخرى من أجسادهم.

 وأكمل الحسيني أن العامل الاقتصادي والرزوح تحت خط الفقر من أهم أسباب شيوع الانتحار، فراتب الفرد الموظف لدى النظام لا يتجاوز الـ 50 دولار وقد لا يتجاوز الـ 30 دولار أحياناً، رغم أن حاجته للعيش بالمستوى المطلوب تتطلب راتباً لا يقل عن 600 دولار.
 
وأشار المحامي "أيمن مندو" إلى أن حالة الحرب التي مازالت مستمرة وانعدام الأفق والضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي ألمت بالبلد منذ ثماني سنوات وحتى الآن هي السبب الرئيسي في ازدياد حالات الانتحار، مضيفاً أن "جميع الناس وخاصة فئة الشباب وصلت إلى طريق مسدود حيث لا استقرار ولا وظائف ولا تعليم ولا سماح بالهجرة خارج البلاد.. إلخ، مما أوصل الجميع الى حالة من الاحباط واليأس".

 ورأى مندو أن نسب حالات الانتحار متشابهة إلى حد ما بين مناطق سيطرة النظام والمناطق المحررة، مرجحاً أن تكون النسبة في المناطق المحررة أعلى بسبب الضغوط وعدم الاستقرار وضعف الأحوال المادية.

 ولفت محدثنا إلى أن الحل في التخفيف من ظاهر الانتحار يكمن بإزالة أسبابها وإنشاء مراكز للدعم النفسي والاجتماعي وإنشاء مشاريع تنموية وخلق فرص عمل جديدة وتحسين المستوى التعليمي والتربوي وإنهاء حالة الحرب وعودة المشردين إلى ديارهم.

ترك تعليق

التعليق