1.2 مليون ليرة.. ثمن الهروب من خدمة النظام بدرعا


ألقى شبح الخدمة الإلزامية والاحتياطية، الذي يلاحق شباب درعا، بظلاله السوداوية على أهالي المحافظة، وأصبح كابوساً يؤرق الأسر، ويقض مضاجعها.

ويشير الناشط أبو محمد الحوراني إلى أن حياة الشباب من الفئة العمرية ما بين 19 و42 عاماً، تحولت إلى كابوس حقيقي بعد أن بدأت قوات النظام بسوقهم عنوة إلى الخدمة الإلزامية والاحتياطية؛ ما تسبب بإفراغ المدن والمناطق من الشباب.

ولفت الحوراني إلى أن غالبية شباب درعا يتهربون من الخدمة العسكرية في صفوف قوات النظام؛ لقناعتهم بأن قوات النظام ستنتقم منهم إن آجلاً أم عاجلاً؛ بسبب انخراط معظمهم في النشاطات الثورية، والانتساب إلى الفصائل المسلحة، التي عملت على مقارعة النظام طيلة السنوات الثمان الماضية.

وأضاف أن مختلف الفئات العمرية من الذكور في المحافظة أصبحت مستهدفة من قبل قوات النظام، بعد بسط سيطرتها على الجنوب السوري في شهر آب من العام الماضي، سواء من أجل سوقهم إلى الخدمة الاحتياطية والإجبارية، أو من أجل تقديمهم للمحاكم، بتهم مختلفة وتقارير كيدية.

ولفت إلى أن التسويات التي حصل عليها الشباب العام الماضي، لم تكن إلا حبراً على ورق، وأنها لم تحم الشباب من القبضة الأمنية، رغم أن أحد شروط التسويات ينص بوضوح لا لبس فيه، على عدم التعرض لمن يحمل بطاقة تسوية، أو القيام بأي إجراء ضده.

وأشار إلى أن المئات من الشباب الحاملين لبطاقات التسوية ممن وثقوا بوعود النظام، وتعهدات الضامن الروسي، تم توقيفهم على الحواجز واقتيادهم مكبلين إلى الخدمة العسكرية.

ويقول "أحمد"، 23 عاماً، وهو أحد عناصر الجيش الحر سابقاً، "لا مجال أمام شباب المحافظة للهروب أو التملص من الخدمة العسكرية، لأن الخيارات أصبحت محدودة بعد سيطرة النظام على الجنوب، وإغلاق جميع المنافذ الحدودية أمامهم".

وأضاف أن الهروب إلى خارج مناطق سيطرة النظام، وهو أحد الخيارات المطروحة، أصبح مكلف مادياً، وليس كل الشباب قادر على تأمين ما يزيد عن مليون ليرة سورية لتمويل هروبه إلى الشمال السوري مثلاً، لا سّيما في هذه الظروف الصعبة، التي يعجز فيها الكثير من الأهالي عن تأمين ثمن قوتهم اليومي.

وقال: "إن طرق التهريب التي يسلكها الفارون إلى الشمال السوري محفوفة بمخاطر الوقوع في قبضة أجهزة النظام، كونها تمر عبر حواجز قوات النظام، التي تتعاون مع المهربين مقابل حصة مالية كبيرة، تصل إلى أكثر من 1000 دولار أمريكي على الشخص الواحد".

وأوضح أن هذه الطرق غير آمنة؛ لعدم وجود ضمانات من قبل المهربين، الذين غالباً ما يتملصون من التزاماتهم تجاه الأشخاص، الذين يتم تهريبهم بالتخلي عنهم أحياناً قبل وصولهم إلى وجهتهم المقررة.

وأشار إلى أنه قبل سيطرة النظام على درعا والقنيطرة، كانت تكلفة تهريب الشخص نحو الشمال السوري والحدود اللبنانية، لا تزيد عن مئة ألف ليرة سورية، لكنها ارتفعت بشكل كبير، مع استعادة سيطرة النظام على المنطقة لتصبح أكثر من مليون ومئتي ألف ليرة سورية.

ويقول ضياء محمد، 20 عاماً، وهو طالب جامعي مفصول، "لم تعد الخدمة العسكرية في صفوف قوات النظام هي المشكلة رغم مخاطرها وعدم القناعة بها، بل المشكلة أصبحت في سوق أكثر من شاب من ذات الأسرة الواحدة إلى الخدمة، بما يترتب على ذلك من مخاطر أمنية، وصعوبات مادية واقتصادية".

ولفت "ضياء" إلى أنه وثلاثة من إخوته باتوا مطلوبين للخدمة العسكرية، منهم اثنان متزوجان، ولهم أسر وأطفال، متسائلاً كيف سيتم الإنفاق على هذه الأسر بغيابه وغياب إخوته؟ ومن سيتكفلهم في حال ذهابهم إلى الخدمة العسكرية؟ لا سّيما في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة التي بالكاد يجد فيها رب الأسرة ثمناً لربطة خبز.

وتقول "أم غسان"، وهي سيدة ستينية من ريف درعا الشرقي، "لم يبقِ بشار الأسد في مناطقنا شباب، كلهم يا حسرة بالمعتقلات، واللي هرب هرب، واللي مات مات". وأردفت بلهجتها الحورانية "ماظل غير الختيارية والأطفال والنسوان، وهسع/الآن/ جاي يكمل ع الباقي بسحبهم ع العسكرية".

فيما يحتار "أبو دهمان"، 70 عاماً، وهو الرجل العجوز، الذي رسم الشقاء أثلاماَ غائرة في وجهه، من أين سيلبي حاجة الأفواه الجائعة لنحو 12 حفيداً، بعد سحب أولاده الأربعة إلى الخدمة العسكرية والاحتياطية.

ولفت إلى أن النظام يداهم القرى، ويسوق كل من هم في سن الخدمة الإلزامية والاحتياطية إلى المعسكرات؛ دون أي تقدير لأوضاعهم الاقتصادية أو مسؤولياتهم تجاه أسرهم بالرعاية والإنفاق.

ويقول" سعيد"، 37 عاماً، وهو معيل لأسرة مكونة من زوجة وثلاثة أطفال، تم سحبه للخدمة الاحتياطية مؤخراً، "الخدمة العسكرية صعبة جداً، وهي تحتاج إلى مبالغ كبيرة للإنفاق، في ظل غياب الطعام الجيد، والوجبات الكافية".

وأشار إلى أنه تم سوقه للخدمة في إحدى القطع العسكرية في ريف اللاذقية قبل ثلاثة أشهر، بعد اعتقاله على أحد الحواجز، لافتاً إلى أن شغله الشاغل الآن من أين سيدبر المال للإنفاق على أسرته، التي باتت لا تملك أي مبالغ مالية، بعد أن أنفقت ما كان بحوزتها.

وأضاف: "ليس هذا فقط، فالوصول إلى بيتي، إن فكرت بالحصول على إجازة، يحتاج على الأقل إلى عشرة آلاف ليرة سورية كأجور، وأنا لا أملك أكثر من ألفي ليرة سورية، لا تكفيني ثمناً لعدد من سندويشات الفلافل".

يشار إلى أن الآلاف من أبناء درعا، يرفضون الخدمة العسكرية في صفوف النظام؛ لأسباب أمنية واقتصادية بحتة.

حيث شهدت بعض المناطق إعلان العصيان والرفض القاطع للانضمام إلى صفوف قوات النظام؛ جراء عدم التزامها بوعودها التي قطعتها خلال التسويات الأخيرة بضمانات روسية، إضافة إلى ممارساتها المتواصلة للتضييق على الأهالي.


ترك تعليق

التعليق