أن تكون عامل نظافة.. في دمشق


مقارنةً مع العاملين في القطاعين العام والخاص والأعمال الحرة، يُعد عامل النظافة الحلقة الأضعف في سوق العمل، بسبب غياب حقوقه وعدم الاكتراث بمعاناته من قبل الجهات الرسمية.

نزح الخمسيني "أبو سعيد" من مدينة دير الزور مصطبحاً زوجته وأطفاله الثلاثة أكبرهم في سن الـ 18، وذلك منتصف العام 2013، هارباً من جحيم الحرب واختلاطها هناك، ووجد نفسه تلقائياً في العاصمة دمشق كونها أكثر المناطق أمناً. في البداية، استأجر منزلاً صغيراً "غرفة وصالون ومنتفعات" في حي دف الشوك بمبلغ 40 ألف ليرة سورية شهرياً، إلّا أنّه ومع انخفاض قيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية رفع صاحب المنزل الأجرة الشهرية تدريجياً إلى أن وصلت لـ 75 ألف ليرة، ويحتاج "أبو سعيد" ما يوازي هذا المبلغ، شهرياً، لتأمين أساسيات المعيشة البسيطة، ويتلقّى معظمها كمساعدات من أبناء عشيرته المتواجدين في أوروبا وكندا.

يومياً، يخرج أبو سعيد من منزله متوجهاً إلى عمله في الساعة الثامنة صباحاً، ويعود في السابعة مساءً. يقضي من هذا الوقت ثمانية ساعات ونصف، جاراً العربة المخصصة لجمع القمامة، وساعتين في الطريق لمديرية النظافة بمحافظة دمشق ذهاباً وإياباً، ونصف ساعة استراحة بحسب ما قال لـ "اقتصاد".

ويُضيف أنّه تقدّم منذ أربع سنوات للعمل في مديرية النظافة جراء انعدام فرص العمل في العاصمة التي باتت سوقاً لأصحاب المال الوفير والتجار فقط، وطامحاً بتلقي تعويضات طبيعة العمل المؤلفة من "حليب – بيض – أحذية - لباس".

 وبالرغم من صدور القرار 182 منتصف العام 2018 الملزم بتقديم تعويض العمل كاملاً إلّا أنّه لم يتلقّى منها سوى جزءاً يسيراً كُلّ ستة شهور حاله كحال بقية العمال، إضافةً إلى أنّه لم يغب عن العمل يوماً منذ أن تعيّن، إذ أنّ نظام العمل يمنع الغياب لعدم توفّر البدائل بسبب فقدان المديرية أكثر من 40% من موظفيها بعد العام 2011، منهم من غادر الوظيفة إلى المناطق الخارجة عن سطوة النظام، ومنهم من قُتل في صفوف ميليشياته، ومنهم من هاجر خارج البلاد، مُؤكّداً أنّ أغلب العاملين في مديرية النظافة تخطّوا مرحلة الشباب بكثير.

وأردف أنّ حق العمال ضائعٌ في أدراج المعنيين بمحافظة دمشق، حيث أنّ مدير النظافة يُلقي اللوم على قسم المحاسبة، والأخير دائماً ما يتذرّع بأعطال الشبكة العنكبوتية والجرد الدوري "شهري وفصلي" وتعطّل أجهزة الحاسوب، "فنحن نعمل في ظلّ إدارة مهووسة بنظافة الأوساخ، ناسيةً أنّ أُولى خطوات التنظيف تغيير الإدارات الوسخة".

وعن الراتب الشهري قال أبو سعيد إنّه يقبض 28 ألف ليرة سورية شهرياً، يُضاف إليها 8 آلاف ليرة سورية طبيعة عمل لم تُسلّم منذ شهور، و 30 ليرة كُلّ يوم بدل وجبة طعام، ويُعلّق، "هي بالكاد تكفي ثمن قطعة بسكويت صغيرة لطفل في عمر ثلاث سنوات، بينما سعر سندويشة الفلافل المتواضعة تجاوز 250 ليرة".

ويختتم أبو سعيد أنّه حاول ممارسة عمل آخر إضافةً لعمله في مديرية النظافة، لكن صعوبة العمل والجهد الكبير الذي يقوم به يحولان دون ذلك، وبالرغم من كُل هذه السلبيات يبقى مُضّطراً للاستمرار بعمله، فـ "عصفور ثابت بالإيد أحسن من عشرة على الشجرة"، حسب وصفه، ويبقى واقعه أفضل من حال العامل الذي يتقاضى شهرياً 16 ألف ليرة سورية فقط، أي 30 دولار أمريكي لا أكثر لأنّه موظف بموجب عقد شهري.

أبو سعيد واحد من بين 11 ألف موظفاً ثابتاً "معيناً" في مديرية النظافة بمحافظة دمشق، جميعهم يكابدون الحياة، ويشتكون تدنّي الراتب الشهري وعدم تسليمهم تعويض طبيعة العمل لشهورٍ متتالية، يعيشون في سوريا التي يحكمها نظام الأسد المستمر بسلب مقدراتها وفرض المعاناة على كل صامدٍ فيها.

ترك تعليق

التعليق