أرقام فلكية للتنقل بين "المحرر" ومناطق النظام


ليس ارتفاع الأسعار فقط وعدم استقرار صرف الدولار وجمود حركة الأسواق، ما يثقل كاهل السكان في الشمال السوري المحرر، بل يضاف إلى ذلك معاناة أخرى عنوانها الأبرز "ارتفاع أجور المواصلات".

ويعتبر النازحون والمهجرون وقاطنو المخيمات من أكثر الفئات تضرراً من هذا الارتفاع، خاصة في حال أرادوا التنقل بين القرى والبلدات داخل محافظة إدلب، كونها لا تتناسب مع دخلهم وقدرتهم على دفع الأجور المرتفعة بالنسبة لهم.

أمّا الفئة الأخرى التي تعتبر متضررة أيضاً من ارتفاع أجور المواصلات، فهي فئة الموظفين الذين ما يزالون يقبضون رواتبهم من مؤسسات النظام الحكومية ويتواجدون في الشمال السوري، إذ أن تكاليف التنقل من المناطق المحررة باتجاه مناطق النظام مرتفعة جداً مقارنة بأجور المواصلات داخل المناطق المحررة.

"محمد أبو علي" من سكان ريف إدلب يقول في حديثه لـ "اقتصاد"، إن كل الفئات داخل "المحرر" متضررة من ارتفاع أجور المواصلات، أما بالنسبة لأجور المواصلات باتجاه مناطق سيطرة النظام فالمتضرر الوحيد هم "الموظفون".

وتتراوح أجور المواصلات بين القرى والبلدات في إدلب ما بين 500 إلى 2000 ليرة سورية على الراكب الواحد، فعلى سبيل المثال يدفع الراكب من مدينة كفرنبل إلى معرة النعمان 500 ليرة سورية، ومن معرة النعمان إلى إدلب 700 ليرة سورية، ومن سلقين إلى إدلب 500 ليرة سورية، ومن جسر الشغور إلى إدلب 1000 ليرة سورية، ومن جسر الشغور إلى مخيمات الشمال عند باب الهوى 2500 ليرة سورية تقريباً، ومن مدينة كفرنبل إلى عفرين 2500 ليرة سورية أيضاً.

وبيّن "أبوعلي" أن ارتفاع أجور المواصلات يتم بشكل تدريجي تزامناً مع ارتفاع سعر صرف الدولار وارتفاع أسعار المحروقات، مشيراً إلى أن هذا الأمر بدأ منذ العام 2011 وما بعد، في حين أن أجور التنقل كانت قبل هذا العام أقلّ بكثير، فسابقاً كانت أجرة الراكب من مدينة كفرنبل إلى حلب 50 ليرة سورية، على حد تقديره.

أما فيما يخص تكاليف التنقل من المناطق المحررة باتجاه مناطق النظام فتتراوح ما بين 17000 و25000 ألف ليرة سورية على الراكب الواحد ذهاب فقط ومثل تلك التكاليف في رحلة العودة، وفق تقديرات "أبو علي"، وتختلف حسب بعد المسافة وصعوبة الطريق من عموم مناطق إدلب وريفها وصولاً إلى مدينة حلب وبعض المدن والبلدات في أريافها.

هذا الأمر، دفع بالموظفين إلى الاستغناء عن الراتب الشهري وعدم قبضه في الوقت المحدد، وتأجيله ليتم تجميعه لعدة أشهر ومن ثم يذهب الموظف لقبضه، في محاولة منه لتقنين مصاريف السفر التي باتت تكلفه نحو 40 ألف ليرة سورية في كل شهر أثناء سفره لقبض الراتب والعودة إلى قريته أو مدينته في المحرر.

وعن خط السّير الذي تسلكه المركبات باتجاه مناطق سيطرة النظام فأوضح "أبو علي" أن الانطلاق يكون من إدلب باتجاه منطقة اعزاز ومنها إلى مدينة منبج ومن بعدها يتم الدخول إلى مناطق سيطرة النظام في حلب.

وأرجع "أبو علي" سبب ارتفاع أجور المواصلات بين مناطق المحرر ومناطق سيطرة النظام، إلى أن حواجز قوات النظام وحواجز الوحدات الكردية تفرض على سائقي الحافلات "إتاوات" مقابل السماح لهم بالمرور.

أحد "الموظفين" والذي فضل عدم الكشف عن اسمه قال لـ "اقتصاد": "كموظف في مديرية التربية أحاول كل 4 أشهر السفر من إدلب إلى مدينة حماة كون بناء مديرية التربية بحماة، وأضطر اليوم إلى دفع ما يقرب من 40 ألف ليرة سورية أجور مواصلات من إدلب إلى مدينة حماة وبالعكس، وهذه الأجور تعد مرتفعة جداً بالنسبة لي في حال أردت السفر في كل شهر لقبض الراتب، لذلك فأنا مضطر لتجميع الراتب وقبضه كل 4 أشهر توفيراً للتكاليف ومشقة السفر".

وأضاف، أنه في السابق وقبل إغلاق معبر مدينة مورك كانت تكلفة الطريق (ذهاب وإياب) تصل إلى حدود 20 ألف ليرة سورية، "أما اليوم فأنا مضطر للسفر عن طريق حلب رغم الفترة الزمنية التي تصل إلى أكثر من 24 ساعة بسبب الازدحام واضطرارنا لانتظار فتح المعابر من مناطق الأكراد أو مناطق الحر كون تلك المعابر يتم إغلاقها يومياً قبيل أذان المغرب، وبالتالي نضطر للانتظار ساعات طويلة على الطريق إلى حين فتح المعابر في صباح اليوم التالي".

"أحمد أبو إسماعيل" أحد المهجرين من الريف الحموي إلى ريف إدلب الشمالي، تحدث عن تجربته فيما يخص ارتفاع أجور المواصلات وقال: "كنت أدفع ما يقارب من 40 ألف ليرة سورية من أجل نقل والدتي من مدينة حماة إلى الريف المحرر وبالعكس، وفي فترة من الفترات اضطررت لدفع ما يقارب من 100 دولار كونه كان هناك تشديد من قبل حواجز النظام على الداخلين والخارجين من المناطق المحررة، خاصة من سكان مدينة حماة".

أمّا "أبو فيصل الحموي" أحد سائقي الحافلات فقال لـ "اقتصاد"، إن تكلفة الراكب الواحد اليوم من مناطق المحرر إلى مناطق النظام ذهاب فقط هي 20 ألف ليرة سورية ومثلها في طريق العودة، وهذه التكلفة هي للنساء وكبار السن والشباب دون سن 18 إضافة للموظفين، أما من هم أعمارهم من 18 سنة وما فوق فتكلفة نقلهم تكون أكثر بكثير، ما يجعل حواجز النظام تطلب إتاوات مرتفعة مقابل السماح بمرورهم.

وعلى الرغم من عدم وجود إحصائية خاصة عن عدد الموظفين المقيمين في المناطق المحررة، الذين ما يزالون حتى اليوم يستلمون رواتبهم من دوائر النظام الحكومية، نظراً لصعوبة عملية الإحصاء، إلا أن أغلب المستفيدين من رواتب النظام هم القائمين على العملية التعليمية في "قطاع التربية" كونها أكبر شريحة ما يزال فيها عاملون في قطاع النظام، إذ أن هناك أساتذة مضى على خدمتهم فترة طويلة ويأملون بالبقاء على رأس عملهم لحين التقاعد من أجل قبض الراتب التقاعدي.

وبحسب مصادر محلية، فإن حكومة النظام ما تزال تمول موظفي الزراعة والصحة والكهرباء والهاتف، وهذه الفئة تم الزامها بالدوام في مديريات حماة والبقاء تحت تصرفها، تحت طائلة الفصل حال عدم الالتحاق، ما دفع بقسم كبير من هؤلاء للانتقال للسكن في مدينة حماة، بعكس موظفي التربية فهم متواجدون في الريف الإدلبي ولم يتم إلزامهم بالانتقال إلى حماة.

وأرجعت بعض المصادر الأهلية سبب بقاء موظفي قطاع التربية في المحرر، إلى أن النظام يستفيد من دعم هذه الفئة عن طريق "اليونيسف" كونه يدعي أمام الأمم المتحدة والجهات الداعمة للتعليم بأنه ما يزال حتى اليوم يدعم قطاع التربية، بعكس قطاع الصحة الذي خرج من يد النظام، كون مديرية الصحة الحرة بإدلب استطاعت أن تنزع ملف اللقاحات الذي كان يشرف عليه النظام عن طريق الهلال الأحمر بإدلب وبات بيد مديرية الصحة التابعة للمعارضة، وبالتالي لم يعد يستطيع النظام أن يزعم أمام الجهات المانحة أنه يدعم قطاع الصحة في المناطق المحررة.

ترك تعليق

التعليق