البرغل "مسامير الركب".. طقوسه، ومراحل صناعته في حوران


ما أن ينتهي الأهالي من إنجاز عمليات حصاد القمح، وجمع المحصول، حتى يبدأوا بعد العدة والتحضير، لصناعة مونة "البرغل" التي تعد من الطقوس السنوية المتواترة منذ عشرات السنين.

ويشير الحاج "عمر العبدالله"، 65 عاماً، إلى أن "البرغل" يعد من المواد الغذائية المهمة، التي تدخل في تركيب العديد من أنواع الأطعمة التي يتناولها الأهالي في حوران على مدار السنة، لذلك تراهم يعمدون إلى تحضير البرغل، وتخزينه بكميات كبيرة، لتأمين احتياجاتهم الغذائية على مدار العام.

وأضاف أن عادة تحضير "البرغل" في حوران هي عادة قديمة متوارثة منذ مئات السنين، وهي مرتبطة بشكل وثيق مع انتهاء أعمال البيدر، وجمع المحاصيل الزراعية، لا سّيما محصول القمح.
 
ولفت إلى أن عمليات تحضير البرغل تمر بعدة مراحل: أولها تنظيف القمح المعد لصناعة البرغل، والتي تدعى "بالصويل" وهي عملية غسل القمح بالماء عدة مرات، بواسطة آنية كبيرة، لتخليصه من الأتربة والشوائب.

وأضاف أنه بعد تنظيف القمح، تدخل المرحلة الثانية وهي عملية "السلق" أو"السليقة" التي تتم بواسطة "حلل" /أواني كبيرة/ تتسع الواحدة منها لأكثر من 30 كيلو غرام، حيث تعبأ "الحلة" حتى منتصفها بماء نظيف، وتوضع على موقدة كبيرة، ثم تضاف إليها كميات القمح، التي يتم تحريكها باستمرار حتى النضوج.

وأضاف الحاج "عمر العبدالله": "بعد نضوج القمح، تدخل المرحلة الثالثة وهي نشره على أسطح المنازل لتجفيفه، وتستمر هذه المرحلة لعدة أيام، تتراوح ما بين سبعة وعشرة أيام، وذلك تبعاً لارتفاع درجة حرارة الشمس".

وتابع: "بعد ذلك، يتم جمع القمح المسلوق والقيام بتنظيفه مرة أخرى من الشوائب، وبعد الانتهاء من هذه العملية، يتم تعبئة القمح بأكياس ونقلها إلى الجاروشة الآلية، حيث يتم جرش القمح والحصول على نوعين من البرغل، نوع خشن، وآخر ناعم، لكل منهما استخداماته في المطبخ الحوراني".
 
ولفتت السيدة "سعاد المحمد"، 60 عاماً، وهي معلمة سابقة، إلى أن عمليات "صويل" القمح، وسلقه، كانت تعبّر عن أبهى أوجه التكافل الاجتماعي والعمل الجماعي، حيث كانت الجارات، يجتمعن لمساعدة بعضهن البعض في جميع الأعمال التي يحتاج انجازها إلى عدد كبير من الأيدي العاملة.

وأشارت إلى أن مثل هذه الأعمال الجماعية، كان يسودها الفرح وتبادل الأحاديث الودية، والأخبار، والأهازيج لكسر الملل والتغلب على التعب.

وأضافت أن مكان عمل "السليقة" وهو /عادة ما كان يتم في الحارة أمام المنزل أو في "حاكورة" مجاورة/ كان يتحول إلى تجمع كبير لأطفال الحارة، الذين كانوا ينتظرون نضوج القمح بفارغ الصبر، وهم يحملون أوانيهم الصغيرة، للحصول على حصصهم من القمح المسلوق، الذي كان يتم خلطه ببعض السكر، ويؤكل ساخناً وسط فرحة الأطفال بهذا الطقس السنوي الرائع.

وحول الأكلات التي يدخل في صناعتها البرغل، أشارت "المحمد" إلى أن المطبخ الحوراني غني بالأكلات الشعبية، التي يدخل في صناعتها البرغل بنوعيه الخشن والناعم، لافتة إلى أن من أشهر هذا الأطعمة: "منسف المليحي"، "المجدرة" و"الكبة" بأنواعها، "الطبيخ الأحمر"، "الدحاريج"، كما يدخل في مكونات "التبولة" وبعض الأطعمة الأخرى.

من جهته أشار "عبد القادر الحسن"، 50 عاماً، وهو مزارع، إلى أن البرغل لا يصنع من أجل المونة المنزلية فحسب، بل يتم تحضيره من أجل بيعه إلى المحال التجارية، لافتاً إلى أن سعر الكغ يصل إلى المستهلك بحوالي 350 ليرة.

وأضاف أن هناك عائلات كثيرة تقوم بتحضير البرغل، لأغراض تجارية، موضحاً أن هذه الأسر حققت أرباحاً جيدة من تجارة البرغل، واستطاعت من خلالها تحسين أوضاعها المعيشية.

ولفت إلى أن كمية البرغل، تخزن حسب الحاجة والاستهلاك، موضحاً أن مونة العائلة من البرغل تبدأ من 25 كغ، وتصل إلى 100 كغ سنوياً، وذلك يعود إلى عدد أفراد العائلات، ومقدار استهلاكها من هذه المادة.

وحول الأهمية الصحية للبرغل، أشار الدكتور "خ. ح" المختص بالأمراض الداخلية، إلى أن البرغل يعتبر من المأكولات الصحية، المفيدة جداً للإنسان، لافتاً إلى أنه يطلق على البرغل في حوران وفي بعض المحافظات السورية، تسمية "البرغل مسامير الركب" نظراً لفوائده في تشكيل بنية الإنسان، وتركيبته الجسمانية، وقوته العضلية.

وأضاف أن البرغل غني بالألياف والفيتامينات والأملاح والسكريات، وكلها عناصر مفيدة وضرورية لعمل أجهزة الإنسان، مشيراً إلى أن البرغل، وبسبب فوائده الكثيرة، يدخل في تركيب الكثير من الأطعمة والوجبات الغذائية عبر العالم.

ترك تعليق

التعليق