في الكسوة.. الترفيق بالدولار


دخل اختراع "الترفيق" معجم اقتصاد الحرب بفعل ميليشيات نظام الأسد منذ اندلاع الثورة السورية وفصل المناطق عن بعضها البعض بالحواجز الأمنية والعسكرية. واختلف انعكاس هذه الظاهرة على التجار بين سلبي وإيجابي وفقاً للظروف، بينما فُرض أثرها السلبي بشكلٍ مُتلازمٍ على المدنيين في كافّة مناطق الجغرافية السورية.

وحتّى اليوم يحتار السوريون في تعريف "الترفيق"، فمنهم من يقول إنّه ضريبة جمارك محلّية تُفرض على التجّار ويدخل إيرادها في الصندوق العام، ومنهم من يراه أجراً متفقاً عليه، لقاء مُرافقة الميليشيات للشاحنات المُحمّلة بالبضائع والمواد الغذائية بغاية حمايتها من السلب والسرقة، وآخرون يقولون إنّه إجراء ابتزازي الهدف منه كسب الأموال بطريقة غير مشروعة على حساب المدنيين، كونه حُكماً وفصلاً، سيؤدّي إلى ارتفاع الأسعار في الأسواق.
   
وبالرغم من القرارات الكثيرة التي اتخذتها دوائر نظام الأسد حول "الترفيق"، والتي تُؤكّد فيها رفضها للظاهرة وضرورة مكافحتها، إلّا أنّها ما زالت تُمارس بكثافة في العديد من المناطق السورية الخاضعة لسيطرته، لا سيما العاصمة دمشق وريفها، الأمر المُستهجن لدى وسط المدنيين، إذ أنّ العاصمة وأريافها تخضع جميعها لسطوة النظام، وبعيدة عن المواجهات العسكرية المُباشرة.

في ناحية الكسوة بريف دمشق الغربي المُحاطة بحواجز الأمن العسكري والفرقة العسكرية الأولى، تطوّرت ظاهرة "الترفيق" بشكلٍ ملحوظ. إذ أنه قبل شهور فقط، كانت أجرة "ترفيق" سيارة شحن مُحمّلة بالبضائع انطلاقاً من بداية اوستراد منطقة نهر عيشة في دمشق إلى مدخل الكسوة وبالعكس بين 20 و 30 ألف ليرة سورية بحسب وزنها. وقبل عامين، وصلت بعض المبالغ إلى 200 ألف ليرة سورية على الشاحنة الواحدة. أمّا حالياً تُدفع أجرة "الترفيق" بالدولار الأمريكي، وتبدأ من 15 دولار على الشاحنات التي تحمل البضائع المُستهلكة بشكلٍ يومي وتصل إلى أكثر من 100 دولار على حطب التدفئة والكهربائيات وما يُشابهها، بحسب ما أكّده لـ "اقتصاد"، محمد عبد الرحمن، الذي يقطن في مدينة الكسوة ويتنقّل بشاحنته يومياً بين سوق الهال في دمشق والسوق الرئيسي في مدينته.

وأضاف عبد الرحمن أنّ للظاهرة أثر سلبي جدّاً في انخفاض قيمة الليرة السورية أمام سعر الدولار الأمريكي، كونها تُساهم في زيادة الطلب على الأخير، الأمر الذي يُزيد من أعباء المدنيين لا سيما والانهيار الاقتصادي يعصف بالأسواق السورية.

وأشار أنّ "الترفيق" خلال السنوات السابقة كان مُبرّراً، لكن بعد اتفاقيات المصالحة وعودة الهدوء لا يوجد أي تبرير يُقنع النّاس، وهنا يتساءل: "مُقابل ماذا يتم فرض الضريبة وبالدولار؟".

وبعد سنواتٍ طوال على ممارستها، لم تعد ظاهرة "الترفيق" سرّية، إذ أنّ نظام الأسد اعترف بها كـ "نظام" أكثر من مرة، كان آخرها في الشهر الخامس من العام الحالي حين أعلن "اللواء زيد علي صالح" رئيس اللجنة العسكرية والأمنية في محافظة حلب، وقف العمل بـ "نظام الترفيق" للمواد المنقولة داخل حلب وخارجها. ووُصف القرار حينها بـ "الجريء". كما أعلن رئيس "حكومة النظام" مراراً أنّ "الترفيق" اختياري لا إجباري. وفي منتصف العام 2018 صدرت عدّة قرارات رسمية مفادها إنهاء الظاهرة في ريف دمشق ودرعا والسويداء، إلّا أنّها بقيت حبراً على ورق.

مصادر محلية مُتطابقة في "مدينة الكسوة" قالت لـ "اقتصاد" إنّ رئيس اللجنة الأمنية في ريف دمشق الغربي يُعدّ المستفيد الأول من تطوير ظاهرة "الترفيق" وفرضها بالدولار الأمريكي، يُشاركه بذلك قائد الفرقة الأولى ورئيس مفرزة الأمن العسكري في ناحية الكسوة. ولم تنفِ المصادر استفادة عناصر الحواجز من الظاهرة كونها غير مُقوننة ولا تحتكم لإجراءات وأوراق رسمية.

وتقع ناحية الكسوة في الغوطة الغربية وتضم 22 بلدة، وتبعد عن وسط دمشق حوالي 18 كم، ويبلغ عدد سكانها حالياً أكثر من 200 ألف نسمة يعتمدون على زراعة "الزيتون والقمح والليمون والتفاح والبطاطا والمشمش والتوت والثوم، بشكل أساسي، كما تحتوي على العديد من المنشآت الصناعية.

وفي الوقت الذي يتنافس فيه العالم بأسره للحصول على براءات اختراع تنهض بها بلاده، ويعتزّ بها أصحابها بين الدول والنُخب، يتفاخر نظام الأسد بتطوير اختراعاته المُنافية للأخلاق، والمُنعكسة سلباً على المواطن السوري المكلوم، بالدرجة الأولى.


ترك تعليق

التعليق