دم وزيتون.. في ريف اللاذقية


يجلس العجوز "أبو خالد" أمام خيمته مضطرباً، يتّجه ببصره إلى جهة الغرب، ينتظر قدوم عائلته التي ذهبت لقطاف ثمار الزيتون من أرضه التي هجرها بسبب القصف والاستهداف المتواصل بالرشّاشات الثقيلة. ضغط الحياة وفقدان الموارد الماليّة دفع أبناءه للمخاطرة بحياتهم من أجل تأمين بعض من مؤونة الزيتون وربّما القليل من قطرات الزيت من حقولهم التي كانت تفيض وتجود.

يحاول نظام الأسد بكلّ قوّته أن يمنع الاستقرار في ريف اللاذقيّة بحرمان الأهالي من مواسمهم، وتدمير منازلهم واستهداف طرقاتهم وقطع موارد العيش عنهم.

مع كلّ صباح وعند أيّة حركة خلال النهار يرصد نظام الأسد كامل المنطقة المحرّرة في ريف اللاذقية وريف جسر الشغور الغربيّ، يستخدم في ذلك المناظير العاديّة والحراريّة وطائرات الاستطلاع المسيّرة.

يريد تقييد تحرّك المدنيّين قبل العسكريّين، لمنعهم من التوجّه إلى حقولهم من أجل قطاف الزيتون بعد أن استمات في محاولات قتل من كان يتوجّه إلى جني مواسم التفّاح والخوخ والجوز على كامل المنطقة المحرّرة في ريف اللاذقيّة.

انفجار وغبار وجرّار ينقلب على حافة الطريق، شهيدان وثلاثة أطفال مصابون، كانت حصيلة استهداف من يتوجّه إلى أرضه من أجل قطاف غلالها باتجاه قرية اليونسيّة.

الزيتون رمز للتمسّك بالأرض والحياة والاستمرار ويدرّ مالاً على الناس، يساعدهم على العيش وتأمين لقمة الحياة ووقود التدفئة والطبخ، والأسد يريد لهم الموت والابتعاد عن محاور القتال.

شاب يرتقي بروحه إلى العلياء على أطراف حقله في قرية الكندّة، لا لشيء إلاّ لأنّ والدته وأخوته الصّغار يحتاجون إلى مؤونة وكسوة الشّتاء ووقود التدفئة، فانتظره نظام الأسد، استهدفه بصاروخ مضادّ للدروع وهو يهمّ بقطاف زيتون حقله.

"أبو محمّد" من قرية "مرعند" يسكن وحيداً بين خرائب قريته، أرسل زوجته وأطفاله إلى تركيّا من أجل الحفاظ على حياتهم، آثر البقاء مع الرعب وانتظار الموت القادم.

أراد الحياة لأشجاره لكي يستطيع تحمّل تأمين مصاريف عائلته.

بقي مع زيتونه، يعمل ليلاً ونهاراً.

يقول لموقع "اقتصاد": "هنا ولدت وهنا سأموت، ولن أترك أشجاري، سأعتني بها ما دمت على قيد الحياة ولن أتركها".

وأضاف: "استهدفتني مدفعيّة الأسد عدّة مرّات وأنا أعمل في أرضي، ولكني ما زلت حيّاً، أنا أستمد حياتي من خضرة زيتوني".

وتابع: "زيتوننا مشهور ويستحقّ التضحية، فهو يتراوح بين زيتون المنطقة الجافّة والرطبة، هو أقلّ حدّة من زيتون إدلب وأكثر كثافة من زيتون الساحل لوقوعه في المنطقة المطريّة الأولى مع قلّة الرطوبة في الجوّ، لذلك فهو مميّز عن كافة زيتون سوريا".

أمّا الحاجّ "محمد" من قرية بداما فقد أجاب عن سبب تضحيته ومغامرته في قطاف الزيتون بقوله: "سنحيا ويفنى الأسد، نحن نستمدّ حياتنا من استمرارنا في العمل وجني المحاصيل، فأرواحنا معلّقة على أغصان زيتوننا، وإن هجرناها فسنموت كمداً قبل أن نُدفن موتى".

وتابع –(يقصد بشار الأسد)-: "هو يريد لنا الموت جوعاً إن لم يستطع قتلنا، ولكنّنا نقول له سنبقى وسترحل أنت ونظامك ما دام في سوريا زيتونة، ومادام هناك جدّ يزرع شجرة من أجل أحفاد".

الأسد يريد لهم الموت ولا يريد الحياة لمن طالب بسقوطه.

يريد منع أيّة حياة مدنيّة في المنطقة، كي يثبت مقولة أنّه يقاتل الإرهابيّين وأن جبليّ الأكراد والتركمان لا يحويان سوى المسلّحين الخارجين عن القانون "حسب زعمه الباطل".


ترك تعليق

التعليق