مدير مستودع أدوية في دمشق لـ "اقتصاد": ارتفاع الأسعار طبيعي، لعدة عوامل


بلغ عدد المحتاجين للمساعدة الطبية 11 مليون و 300 ألف سوري وفقاً للتقرير الأخير الصادر عن "منظّمة الصحة العالمية" الّذي أكّدت فيه وفاة أكثر من خمسين طفلاً في العاصمة دمشق وريفها خلال الشهور القليلة الماضية بسبب انتشار مرض مجهول عجزت الكوادر الطبّية والمراكز الصحية التابعة لنظام الأسد، في الكشف عنه، على الرغم من إجراء مئات التحاليل بمختلف أنواعها.

وأردفت المنظّمة أنّ عدد المُصابين بمرض "اللشمانيا" خلال العام الماضي بلغ 58 ألف إنسان بارتفاع 10% عن العام الذي سبقه ثُلثيهم يعيشون في مناطق سيطرة نظام الأسد.

"اقتصاد" تكلّم مع والد طفل مُصاب بمرض مُزمن في دمشق حيث صوّر حال سوق الأدوية وحجم المُعاناة والعقبات التي تعترضه أثناء تأمين الأدوية.

وبحسب مُحدّثنا تتألف أدوية مرض "اللشمانيا" من عدّة حقن عضلية نادرة الوجود في الصيدليات، وإن توفّرت لا يقل سعرها عن 12 ألف ليرة سورية، وفي غالب الأحيان يضطّر للتوصية عليها عبر طرق التهريب بتكلفة تصل لثلاثة وأربعة أضعاف.

ووفقاً له يختلف سعر الدواء بفارقٍ كبيرٍ بين صيدليةٍ وأخرى، ومنذ سنوات أصبح الدواء بكافّة زُمره سلعةً تجاريةً كغيره من السلع الغذائية والكمالية، مُؤكّداً أنّ دخول الصيدليات بات مُشابهاً تماماً لدخول أيّ متجرٍ تتم داخله مفاوضات البيع والشراء.

في ظلّ تدهور قيمة الليرة السورية بشكل غير مسبوق ارتفعت أسعار الأدوية وأصبحت تحتكم للعرض والطلب، بعيداً عن النشرة الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة، وفقاً لما أكّدته لـ "اقتصاد" الصيدلانية "ف – أ"، التي تعمل منذ 22 عاماً في صيدلية بـ "منطقة صحنايا - ريف دمشق".

وأضافت الصيدلانية أنّ زبائنها من النازحين يدفعون أكثر من مُرتّباتهم الشهرية البالغة حوالي 60 دولاراً أمريكياً، ثمناً للأدوية، إذ أنّ أسعار الأدوية ارتفعت بشكل تدريجي لأربع مرّات منذ العام 2013 حتّى 2018 وصولاً إلى 600% ضمن النشرة الرسمية، أي الدواء الذي كان سعره 100 ليرة أصبح ثمنه 600 ليرة، لكن في الواقع تجاوز سعره ألف ليرة سورية.

وأشارت أنّ عدد الزمر الدوائية المفقودة تجاوز 58 صنفاً، أبرزها عقاقير المضادات الحيوية وأدوية الضغط والسكري والفيتامينات والربو والصرع، ويفتقد السوق للأدوية المُستوردة كـ "اللقاحات وعلاج أمراض الدم والأمراض البيولوجية والسرطانية"، فيما يتنافس 74 معملاً لإنتاج 7900 صنفاً دوائياً جميعها مُتشابهة لا تُغطّي سوى 30% من الاحتياجات المحلّية بارتفاع 13% عن العام 2017.

وحول أسباب تحليق الأسعار، ترى الصيدلانية أنّ دوائر نظام الأسد تركت المعامل تُدير شؤونها بنفسها دون تقديم الحد الأدنى من الدعم بالمحروقات وتكاليف النقل أو التمويل اللازم لاستيراد المواد الأولية وترميم المنشآت المُتضرّرة لتعويض تراجع القدرة الإنتاجية الذي بلغ ما بين 30 و50%. كما فشلت دوائر نظام الأسد في استقطاب المُستثمرين، وعجزت عن تأمين البدائل، وغيّبت التوازن بين سعر التكلفة والمبيع، ووضعت رفع السعر أمام المُستهلك حلّاً قد يُرضي المُنتج، كما أنّها تركت باب التهريب مفتوحاً وصرفت النظر عنه لاستدراج القطع الأجنبية دون دراسة حاجة السوق.

في الطرف الآخر، يرى "م – ق" مُدير مستودع للأدوية في "حي المجتهد - وسط دمشق"، أنّ ارتفاع الأسعار وتجاوزها للنشرات الرسمية أمر طبيعي جدّاً لعدة عوامل، أهمّها عدم مراعاة النشرات الرسمية لتكلفة تصنيع الدواء التي ارتفعت قياساً بسعر الصرف الجديد إلى أكثر من 800% مقارنةً بالعام 2011، وبارتفاع 30% مُقارنة بأسعار الأدوية في النشرات الرسمية الحالية.

 يلي ما سبق، طموح الصيدلاني البائع بتحقيق ربح يبعده عن شبح العوز والحاجة، لا سيما وأنّ أعباء الناس تتفاقم يوماً تلو الآخر تزامناً مع وصول سعر الدولار الأمريكي الواحد إلى 750 ليرة، لأول مرّة في تاريخ سوريا.
   
وعبّر السيد "م – ق" عن حزنه لما وصل إليه سوق الدواء، مُؤكّداً أنّ الإنتاج المحلّي قبل العام 2011 كان يُغطّي 90% من حاجة السوق ويُوفّر 3 مليار دولار سنوياً من الاستيراد حيث كان يصل إلى 50 دولة حول العالم ويُعدّ في المرتبة الثانية عربياً بعد الأردن.

وحمّل دوائر نظام الأسد مسؤولية ما وصل إليه السوق جراء غياب خطواتهم الوقائية المُتمثّلة بتقديم شتّى أنواع الدعم للمُنتج والبائع، مُشيراً إلى أنّ ذرائع من قبيل "الغرب يُحارب السوريين"، و"تضرّر المعامل"، لم تعد تُجدي نفعاً. وبحسب ما يرى، فإنّ 74 معملاً ينتجون اليوم، ليس بالحجم الصغير، مُقارنةً بالكثير من الدول الأوروبية التي لا يعمل فيها سوى 20 معملاً أو أقل.

وعن تهريب الدواء إلى سوريا، قال مُحدّثنا إنّ ذلك يُؤشر إلى مخاطر جسيمة، كون السوق المحلّي لم يعد يخضع للرقابة، فكيف سيخضع المُنتج العابر للحدود، للرقابة في جودته ومواصفاته وطريقة تصنيعه وشروط التخزين والتوزيع؟!

 وأضاف أنّ أكثر الأدوية المُهرّبة إلى سوريا تدخل عبر الحدود اللبنانية تحديداً، وهي 30% من إجمالي مستوردات لبنان الرسمية.
   
وفي الوقت الذي تضع فيه دوائر نظام الأسد العقبات أمام تراخيص جديدة لإنشاء معامل أدوية حديثة، تقوم بمنح إيران امتيازات لإنشاء مصانع أدوية. إذ أعلنت الأخيرة في الشهر الماضي عزمها إنشاء أربعة معامل في مدن الساحل السوري "اللاذقية - طرطوس" لتصنيع أدوية حديثة.

كما سمحت دوائر نظام الأسد، للمرة الأولى، باستيراد الدواء من المناطق الحرة داخل سوريا مقابل إلزام التجّار بإيداع 10% من قيمة المستوردات في صندوق دعم الليرة السورية مما تسبّب بعزوف التجّار عن الاستيراد تخوّفاً من تجميد ودائعهم، الأمر الذي رآه مراقبون تجارةً في أهم مادّة يجب توفيرها بشكل شبه مجّاني جراء بلوغ نسبة الفقر 85%، بحسب "منظّمة الأمم المتحدة".

ما سبق، غيضٌ من فيض، إذ تغيب المصداقية وتنعدم المرونة في أسمى المهن ذات الطابع الإنساني، مُتجاوزةً حدود الأمانة العلمية، لتؤثّر، مع غياب الخطّة الرسمية، سلباً في الأمن الدوائي، حيث أصبح الإنسان مُجبراً على شراء الدواء بصرف النظر عن دقّة المواصفات وارتفاع السعر.

ترك تعليق

التعليق