كيف يتأقلم سكان الغوطة الغربية مع تدهور الليرة السورية؟


مع استمرار تذبذب سعر صرف الليرة السورية وفقدانها جزءاً كبيراً من قيمتها الشرائية، يعيش الأهالي في الداخل السوري وخاصة في الريف الدمشقي، حالة من الترقب الحذر، بعد أن بدأ هذا الأمر يلقي بظلاله على حياتهم المعيشية.

وبهذا الصدد، يقول أحد سكان الغوطة الغربية ويدعى "سامي الشامي" (اسم مستعار لأسباب أمنية): "هناك حالة سخط وقلق بين الناس وسط المخاوف من انحدار الوضع للأسوأ، وهناك حركة قلقة جداً لشراء المواد الأساسية مثل السكر والغذائيات".

وأضاف "الشامي" في حديثه لـ "اقتصاد": "هناك حالة جمود في الأسواق بسبب فقدان بعض المواد الأساسية بشكل مفاجئ، نظراً لخوف التجار من الخسارة بسبب الغلاء".

وأشار إلى أنه بسبب تدهور سعر الليرة السورية، كل شيء تأثر، بداية بالغذائيات وصولاً إلى الالكترونيات وحتى كشفيات الأطباء.

ونقل "الشامي" مخاوف سكان الغوطة الغربية من أن يتدهور الوضع بشكل أكبر، وقال: "ازدادت مخاوف الناس من عدم القدرة على تدبر الوضع المعيشي بعد الغلاء، لأن الرواتب والأجور لا تكفي سوى للأكل والشرب، حتى أن الكثيرين باتوا يعيشون على الاستدانة".

وتابع قائلاً: "بالنسبة للمصروف الشهري فتحتاج العائلة يومياً ما يقارب 5000 ليرة سورية، وبالنسبة للراتب الشهري فإنه يكفي لأول أسبوع من الشهر لشراء بعض الاحتياجات الأساسية وباقي الشهر نضطر لأن نعيش على الدين".

وبيّن "الشامي" أن كثيراً من الأشخاص باتوا لا يعتمدون على راتبهم الشهري فقط كونه لا يكفيهم، وبسبب ذلك يلجؤون لأعمال إضافية بعد دوامهم الرسمي لتأمين مصدر دخل إضافي يعينهم على تأمين متطلبات الحياة المعيشية.

ووصف "الشامي" حالة الأهالي بأن "جميعهم مهموم ووجوههم شاحبة وكئيبة جداً بسبب ما آلت إليه الأمور الاقتصادية"، مبيناً أن "بعض المحال التجارية بدأت بإغلاق أبوابها بسبب هذا الوضع".

ونقل المصدر ذاته أسعار بعض السلع، وقال: "سعر ربطة الخبز وصل إلى 100 ليرة سورية وكغ السكر يباع بسعر 500 ليرة أما كغ اللحم فوصل إلى 6000 ليرة سورية".

وفي رد منه على سؤال حول البدائل أمام الأهالي لتأمين وسائل التدفئة في ظل موجة الغلاء، قال "الشامي": "الحطب أو القمامة، هي بدائل الوقود المتاحة أمام الأهالي من أجل التدفئة في هذه الأيام".

ووسط ما تعانيه الليرة السورية والتي دخلت غرفة العناية المشددة، يقف نظام الأسد عاجزاً أمام إيجاد الحلول لإنقاذ العملة الوطنية، في حين يبقى المواطن السوري هو الطرف الذي يدفع ثمن ذلك الانهيار.

وفي هذا الجانب قالت إحدى قاطنات الغوطة الغربية وتدعى "سحر" لـ "اقتصاد": "لقد "تأثرنا بشكل ملحوظ بانخفاض الليرة السورية، حتى أن بعض الدكاكين الصغيرة أغلقت أبوابها بانتظار استقرارها".

وأشارت "سحر" إلى أن هذا الوضع جعل كثيرين يصابون بالصدمة والذهول، في حين كان البعض الآخر يتوقع هذا الانحدار المتسارع الذي تشهده الليرة اليوم.

أما بالنسبة لمصروف المنزل، فبات الحديث عن الليرة السورية يثير الكثير من الاستهزاء بحالتها وما وصلت إليه وراتب شخص واحد لم يعد يكفي الأسرة.

وقالت "سحر": "راتب أخي يصل إلى حدود 80 ألف ليرة سورية لكنه لا يكفينا، ووالدي عنده محل صغير بالكاد يؤمن مصروفه اليومي في ظل الفواتير المتراكمة عليه لصالح الدولة والتي لم يعد بإمكانه تسديدها وبات يلجأ للتأجيل".

ودفعت تلك الظروف بعائلة "سحر" إلى محاولة التأقلم مع الأوضاع قدر المستطاع، مشيرة إلى أنه "لا بدائل اليوم أمامهم سوى التقنين بمصروف البيت".

حتى أن تلك الظروف انعكست على الأمور الأخرى ولم يعد الشغل الشاغل للأهالي سوى توفير متطلبات الحياة اليومية، إذ تقول "سحر": "كنت أرغب بتسجيل بناتي في مدرسة خاصة، لكني فضت أن ألغي هذه الفكرة لأنه لا قدرة لدينا على دفع الأقساط، المؤسف في الأمر أننا مجبرون على تحمل المأساة كاملة ولم نعد نفكر بتطوير أنفسنا، فقط أصبح همنا تأمين لقمة العيش لأولادنا".

ووسط تلك الظروف الاقتصادية المتردية يطفو على السطح ما يسمى بـ "تجار الأزمات" الذي يحاولون استغلال أوضاع الناس وحاجتهم للمواد والمستلزمات الرئيسة.

وفي هذا الصدد، قالت سيدة تقطن في إحدى بلدات الغوطة الغربية وتدعى "نور"، إن "الأحوال ضاقت جداً وأكثر شيء تأثر هو أولويات الحياة المعيشية والتفكير بتأمين الغاز ومواد التدفئة، لكن الناس مضطرة للتأقلم كونه لا يجد خيار آخر أمامها".

وأشارت في حديثها لـ "اقتصاد"، إلى أن "غلاء الأسعار يقف وراءه التجار فهم يقومون باحتكار المواد وتخزينها في المستودعات، ومن ثم يقومون بعد فترة بإخراجها حتى يربحوا على حساب مأساتنا، حتى بتنا نرى أن الأسعار بين ليلة وضحاها ترتفع للضعف".

وفي ظل تصدر الليرة السورية واجهة الأحداث في سوريا يرى مراقبون أن نظام الأسد لا يزال يمارس حماقته في إدارة البلاد، ومن تلك الحماقات توريط سوريا بمزيد من الانهيارات الاقتصادية، التي جعلت من دمشق مستنقعاً للتجارة الفاشلة والاستثمارات الخاسرة، وجعلت القلق والتوتر والخوف من قادمات الأيام هو العنوان الأبرز لحياة المواطن السوري، اليومية.

ترك تعليق

التعليق