تفاصيل من عالم حياكة الصوف في "القلمون الشرقي"


تعدّ حرفة حياكة الصوف من الأعمال الشتوية التي تشغل النساء في منطقة القلمون الشرقي بريف دمشق؛ فهي من الحرف التراثية التقليدية التي تشكل مصدر رزق للبعض، والبعض الآخر تعلمنها كهواية لملء أوقات الفراغ في ليالي فصل الشتاء الطويلة والباردة.

في هذا الشأن قالت "سعاد عبد الله" وهي مُدّرسة متقاعدة في الـ 55 من عمرها، من أهالي مدينة "الرحيبة"، في تصريح خاص لـ"اقتصاد"، إنّها بدأت العمل في نسيج الصوف مذ كان عمرها 17 عاماً، بعدها أخذت تصنع الملابس الصوفية لأولادها عندما كانوا صغاراً، ثمّ أصبحت تحيك الملابس لأحفادها، إلى أن تقاعدت قبل بضع سنوات وقررت امتهان هذه الحرفة، حيث وجدت فيها مربحاً ودخلاً جيداً بسبب الإقبال الكبير على منتوجاتها.

وأضافت: "أقضي معظم وقتي في نسج الألبسة وفي نهاية كل أسبوع، أقوم بعرض الملابس التي قد نسجتها على المعارف والجيران والأقارب، إذ أنّ أغلبهم يفضلون المنسوجات المشغولة يدوياً، نظراً لمتانتها وأصالتها إضافةً إلى كونها رخيصة الثمن مقارنة مع الألبسة العصرية المصنعة آلياً".

وأردفت: "مع قدوم فصل الشتاء من كل عام، تبدأ الأمهات والسيدات المهتمات بالتحضير لعملية حياكة الصوف وتلقي طلبات الزبائن التي تتنوع بين القبعات والأوشحة وشالات الكتف للنساء، والفساتين والجواكيت والأحذية الصغيرة للأطفال وجميعها مشغولة بالسنّارة وبألوان زاهية وأشكال متعددة".

وإضافةً إلى الملابس، تقوم "سعاد" بصنع مفارش وأغطية للطاولات وملابس لألعاب الأطفال بأشكال مختلفة، كما أنّها تستعين بالإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي لابتكار وانتقاء تصاميم مميزة وعصرية، وأيضاً في تسويق منتجاتها.


خبرة طويلة

بدورها أشارت "أم علي" وهي ربة منزل، من مدينة "جيرود" المجاورة، إلى أنّها تعمل في مجال حياكة الصوف اليدوي منذ ما يزيد عن أكثر من 20 عاماً، أنتجت خلالها مئات القطع والألبسة النسائية والولادية وحتى الرجالية، إذ باتت حرفة حياكة الصوف مصدر دخلٍ إضافي يساعدها ويساعد عائلتها على تأمين بعض متطلبات الحياة الأساسية.

ولا تقتصر منتجات "أم علي" –كما تقول لـ"اقتصاد"-على حياكة ونسج ملابس الأطفال والنساء فحسب، بل وتنسج حتى ملابس للرجال كالجرابات والقبعات الشتوية، بالإضافة إلى زينات لأثاث المنزل كأغطية لعلب المحارم والتلفاز وقاعدة وغطاء لأباريق الشاي، وكل قطعة منها تبدع تصميمها كما ترسمه في مخيلتها.

وأضافت: "تحتاج حياكة الصوف إلى صبرٍ وتركيزٍ شديدين، كذلك فإنّ أي خطأ في الغرز (القطبة) يُكلف فرط القطعة وإعادة حياكتها مجدداً، ما يعني خسارة ساعات طويلة من العمل".

وبحسب "أم علي" فإنّ الألبسة الصوفية التي تنتج عن طريق الحياكة اليدوية، تمتاز بالإتقان والجودة ومهارة الصناعة ودوام هذه الملابس لعدّة سنوات، فضلاً عن أشكالها الجميلة التي لا تستطيع الآلات الصناعية "التريكو" إنتاجها لأنّ هذه الآلات محددة برسوم وصور ونماذج معينة، على حد وصفها.


هواية في أوقات الفراغ

بالنسبة لـ "ريم" وهي موظفة حكومية، من المدينة نفسها، فإنّ حياكة الصوف بالسّنارة والسّنارتين، هي من أكثر الهوايات المنزلية التي تواظب على ممارستها في أوقات الفراغ أو الملل، خصوصاً وأنها لا تحتاج إلى معدات أو رأس مالٍ كبير، فالصوف متوفر وبأسعار رخيصة نسبياً.

وتذكر "ريم" في حديثها لـ"اقتصاد" أنّها تعلمت حياكة الصوف من والدتها ومن أختها الأكبر سناً، وساعدتها أيضاً إحدى زميلاتها في الوظيفة بتعلم كل ما يخصه من "نقلات" أي أشكال الغرزة الصوفية مثل غرزات (حجار القلعة، الجدلات، السادة) باستخدام السنّارتين، وغرزة (الوردة، العنكبوت، قشور السمك، عنقود العنب) من خلال السنّارة الواحدة، وقد أصبح باستطاعتها الآن وبمجرد النظر للقطعة المنسوجة معرفة الغرزة المستخدمة فيها وتقليدها بشكلٍ فوري.

وترى "ريم" أنّ حياكة الصوف تساعد على رمي الهموم والمشاكل جانباً، كما أنّها تساعد على تنشيط المخ، وذلك عبر تمرير الإبرة في الصوف، ثمّ القيام بنفس الخطوة مرات متكررة.


أسعار المشغولات الصوفية

من جانب آخر تتنوع أصناف الصوف باختلاف نوع الخيط ونسبة القطن الموجودة فيه، فكلما ازدادت هذه النسبة أصبح ذا جودة أعلى وثمن أغلى، ولكل نوع من الخيوط رقم خاص به يدل على حجمه وسمكه يكتب على الغلاف الخارجي لكرة الصوف، ومن أبرز أنواعه (المونس، كيتون، قوس قزح).

وعن أسعار المشغولات اليدوية، أوضحت المُدّرسة "سعاد" قائلة: "تختلف الأسعار بين قطعة وأخرى، والمتعارف عليه في تحديد الأسعار أنّ سعر القطعة يعادل ثمن الصوف المستهلك في الحياكة، فهناك الصوف التركي الذي ارتفع سعر كرته الـ 100 غرام، من 1000 إلى1500 ليرة سورية، والصوف الصيني من 700 إلى 1000 ليرة".

ونوّهت إلى أنّ حجم القطعة وكمية ونوع الصوف اللازم لإنجازها، يلعبان دوراً أساسياً في تحديد السعر؛ فعلى سبيل المثال سعر قطعة الصوف المخصصة للأطفال (لحشة، حذاء، قبعة، جاكيت) يتراوح بين 1500 إلى 3500 ليرة سورية، أمّا بالنسبة لقطع الرجال والنساء فتبلغ سعراً أعلى يزيد في بعض الأحيان عن 10 آلاف ليرة سورية.



ترك تعليق

التعليق