في أسواق دمشق.. حليب الأطفال بالقطارة


خمس ساعات ونصف قضتها "أم شذى" تبحث خلالها في شوارع العاصمة دمشق عن صيدلية يتوفر لديها حليب الأطفال صنف "نان 1" لطفلتها، وتمكنت من الحصول على عبوة واحدة صغيرة بعد مرورها بأكثر من 26 صيدلية. لكنها دفعت ثمنها ضعفاً عن أسعار النشرة التموينية الرسمية.

منذ سنوات، تشهد الأسواق الدمشقية انقطاعاً في كافة زمر وأصناف حليب الأطفال المعروفة والمعتمدة صحياً في سوريا، كـ "نان بأصنافه، كيكوز بأصنافه، نيدو، حليبنا، رينو"، ويتوفر عوضاً عنها حليب مستورد من إيران غير معروف الماركات. وتفاقمت هذه الأزمة في المراحل الأخيرة حتى وصلت إلى فقدان كافة الماركات لا سيما غير المشهورة منها، كـ "سويسلاك".

محافظ دمشق في نظام الأسد نوه خلال الأيام الماضية بأن العقوبات القادمة على سوريا ستكون الأشد مقارنة بالتي قبلها، مشدداً على ضرورة التزام الباعة بأسعار النشرات التموينية الدورية لا سيما في المواد الرئيسية والأساسية، بينما أصرت وزارة الصحة على توفر مادة حليب الأطفال في الأسواق نافيةً انقطاعها منذ سنوات وفي أقسى الظروف، وأكدت نقابة الصيادلة عدم وجود حالات احتكار لمادة حليب الأطفال.

على مدار السنوات الماضية عملت الشركات المستوردة لحليب الأطفال على تخفيض حصة الصيدليات منها. والمراحل الأخيرة شهدت تخفيضاً أكبر، حيث باتت حصة الصيدلية الواحدة لا تتجاوز ثلاثة علب أسبوعياً غالبيتها من نوع "سويسلاك" مع استمرار انقطاع حاد بكافة الأصناف، بحسب ما قال لـ "اقتصاد"، الصيدلاني "م - ق"، صاحب إحدى الصيدليات في مدينة جرمانا.

وأشار الصيدلاني أن التجار يشترطون عليه شراء فاتورة بقيمة 500 ألف ليرة سورية من مواد طبية غير مطلوبة ومتكدسة في الرفوف مقابل بيعه حليب "نان، كيكوز" بفاتورة لا تتجاوز 50 ألف ليرة، مؤكداً أن مصدرها عمليات التهريب التي تجري عبر الحدود السورية اللبنانية، ومشيراً بأن الكميات المتوفرة من الحليب لا تغطي أكثر من 10% من حاجة السوق وسط انعدام تام في البدائل.

وأضاف الصيدلاني أنّ ذرائع المستوردين ودوائر نظام الأسد المعتمدة على العقوبات المفروضة على سوريا، غير مقبولة، كون كافة مستلزمات الأطفال خارج نطاق الحظر، لكن المشكلة تكمن في مدى نجاح المستورد بتأمين النقد الأجنبي الذي يحتكره البنك المركزي بقوانينه "الظالمة" ويمول به تجاراً محسوبين على النظام فقط.

الصيدلانية "فاتن ، ش" تعمل في حي دف الشوك ترى أن أزمة حليب الأطفال مقصودة من قبل دوائر نظام الأسد لغاية إلهاء الناس وعدم تلبيتهم لمبادرات التحرك السلمي للتنديد بالمستوى المعيشي المتدني المرافق لانخفاض قيمة العملة المحلية أمام العملات الصعبة، وهي خطوة استباقية لتذكير الناس بإفرازات الحرب السلبية، وتؤكد بأن دوائر النظام لو أرادت حل المشكلة لقامت بتوفير البدائل، وتتساءل كيف يتم إدخال الدخان المهرب والمخدرات بشكل كثيف إلى العاصمة ولا يتم تأمين حليب الأطفال وأدوية الأمراض المزمنة.

وبحسب الصيدلانية فقد بلغ سعر عبوة حليب "نان 1 و 2" وزن 400 غرام بين 5 و 7 آلاف ليرة سورية بعد أن كان سعرها في العام الماضي 3 آلاف ليرة، وعبوة "الكيكوز" بين 3 آلاف و 4 آلاف ليرة، بعد أن كانت بسعر 2500 ليرة، وماركة "نيدو، رينو" بـ 4 آلاف ليرة بعد أن كانت بنحو 2500، بينما ارتفعت بقية الأصناف غير المعروفة كالـ "مامي لاك، بيبي لاك، بايوميل، نيسروبيبي، ألبين" بنحو 3 آلاف ليرة سورية، وهي معدومة الطلب.

ووفق هذه التفاصيل، لا يوجد أمام "أم شذى" إلا الاستمرار في طريق البحث عن حليب "نان 1"، تحديداً، لعل الحظ يحالفها في شراء أكثر من عبوة خلال رحلة واحدة، ويسرها أن يزف لها أحدهم خبر انتهاء أزمة حليب الأطفال التي لا تحتمل أي تأخير كونها تتكبد شهرياً، ثمناً له، نحو 25 ألف ليرة سورية، "أي نصف راتبها الشهري" الذي تجنيه من عملها في شركة خاصة..

ترك تعليق

التعليق