"ماكينة الساروت"... طريقة مبتكرة لدعم النازحين والمهجرين في الشمال السوري


في الوقت الذي أوشك فيه عدد كبير من اللاجئين السوريين على نسيان ثورتهم التي هُجّروا في أصقاع العالم من أجلها، اختار الشاب السوري "محمد حمزة" أن يظل وفياً لهذه الثورة ولحارسها ومنشدها "عبد الباسط الساروت"، وأن يقوم بمبادرة أطلق عليها اسم "ماكينة الساروت" ضمن محله التجاري في مدينة غلز نكيرشن بولاية شمال الراين، لبيع المشروبات الساخنة، يخصص ريعها لإنقاذ العائلات النازحة والمهجرة في مناطق عديدة من الشمال السوري التي تشهد أوضاعاً إنسانية صعبة وحركة نزوح غير مسبوقة جراء استهداف قوات النظام والقوات الحليفة له.

وكان حمزة وهو من مواليد مدينة حلب 1989 قد نال شهادة المعهد الفندقي وعمل كمساعد شيف في العديد من فنادق حلب لمدة 12 عاماً. وبعد الهجمة الشرسة للنظام على المدينة اضطر للجوء إلى تركيا عام 2013 وأمضى فيها سنتين قبل أن ينتقل إلى ألمانيا، وهناك التحق بكورس للغة الألمانية، وعمل في مجال التجارة وافتتح محلاً لتجارة الموبايلات والإلكترونيات في مدينة غلزنكيرشن gelsenkirchen stadt.


بتاريخ 1/7/ 2019 أطلق حمزة مشروعه الذي أسماه "الساروت" تيمناً باسم حارس الثورة السورية ومنشدها "عبد الباسط الساروت" بعد أيام من استشهاده. وروى حمزة لـ"اقتصاد" أنه لم يجد أي صعوبة في افتتاح مشروعه ولكن التحدي الذي واجهه هو اسم المشروع ففي ألمانيا الكثير من مؤيدي النظام وشبيحته الذين يعادون الثورة ولا يحبون الساروت ويعتبرونه إرهابياً، مضيفاً أن اختياره لهذا الاسم جاء انطلاقاً من المبدأ الذي يعيش عليه في رزقه وتجارته وفي نظرته وحياته عامة، وكشف محدثنا أن البوليس الألماني جاء إليه أكثر من مرة وذكر له أن هناك شكاوى من اسم المحل وبأن صاحبه "إرهابي" فلم يبال-كما يقول- ورد عليهم بأن الساروت رمز من رموز الثورة السورية ضد نظام الأسد القاتل، وأنه مستعد لإغلاق المحل مقابل أن لا يتخلى عن هذا الاسم، ولفت محدثنا إلى أن الألمان أنفسهم يعرفون بأن الساروت ليس إرهابياً بل إن الصحافة الألمانية ذاتها أطلقت عليه لقب "الثائر المشاكس".


ولفت حمزة إلى أنه لم يرغب باستغلال اسم الساروت الذي ربما يكون سبباً في إقبال الناس على محله فارتأى أن يكون هناك شيء مخصص باسم الساروت لتظل رسالته قائمة وذكراه دائمة، وأن لا ننسى ضحايا الحرب من أيتام وفقراء وأرامل من خلال ماكينة الساروت (آلة الإسبرسو) التي ساعد مردودها الكثير من المحتاجين في ريف حلب الغربي والجنوبي وريف إدلب والمدينة وصولاً إلى مناطق التركمان في الساحل بالأدوية والأغذية ومواد التدفئة وكفالات الأيتام وشراء الخيم، والكثير من الإعانات المادية حتى أنها كانت كفيلة بإخراج معتقلة عند النظام بكفالة مادية.


ولفت حمزة إلى أن توزيع المساعدات لأهلنا في الداخل من ماكينة الساروت يتم عن طريق أصدقاء في المناطق المحررة و90% من هذه المساعدات للأماكن المحررة وللنازحين و10% للمحتاجين المدنيين فقط ممن هم تحت سيطرة النظام، كون المشروع إنسانياً وبعيداً عن أي توجه سياسي.

 واستدرك حمزة أن ماكينة الساروت "الإسعافية" تساهم في جزء بسيط من احتياجات هؤلاء لأن الوضع في سوريا ليس بوسع دول ومنظمات كبرى تغطيته، ولذلك يتم البحث عن الحالات الأشد حاجة التي لا تصلها منظمات أو جمعيات إغاثية.


وأكد محدثنا أن "ماكينة الساروت" غطت مئات العوائل بعد أشهر قليلة من تدشينها ومن بينها أكثر من 40 عائلة ككفالة دائمة في التدفئة والمواد الغذائية في ريفي إدلب وحلب وكذلك في الحالات الإسعافية كالأدوية والروضات والتعليم وتأمين مأوى وأغذية للنازحين على الطرقات في "معرة النعمان" و"سراقب" و"سلقين" وريف حلب الغربي و"الأتارب" و"أعزاز" و"عفرين" و"الدانا" و"سرمدا" ومخيمات "دير حسان" و"الساروت" و"مخيم الكيماوي".

ونوّه صاحب الفكرة إلى أن الإقبال على ماكينة الساروت جيد جداً من قبل الألمان واللاجئين وباقي الجاليات على حد سواء، مضيفاً أن اعتماده في مردودها ليس على اللاجئين السوريين الذين لا يشكلون 10% من زبائنها، كاشفاً أن بعض الزبائن الألمان يسألونه عن الاسم وصاحب الصورة، لأن صورة الساروت موجودة على يافطة المحل ويُعجبون به عندما يعلمون أنه رمز وبطل في الثورة السورية حارب ضد الفساد والديكتاتورية والإستبداد ووقف إلى جانب المظلومين مع أنه كان بإمكانه أن يمتلك مئات الملايين من خلال شهرته كحارس لكرة القدم وأن يسافر إلى أي بلد في العالم ولكنه اختار أن يكون إلى جانب المظلومين ويقضي في سبيل قضيته.

ترك تعليق

التعليق