الحلطمش أو الجلنش من أشهر مأكولات "شيشان رأس العين"


فرغت "نادية" لتوها من طبخ "الحلطمش" بمكان نزوحها بحي "الناصرة" غربي مدينة الحسكة، حين بدأنا حديثنا عن طريقة طبخه، والتي تعتمد كثيراً على والدتها لتطبيق خطواتها بدقة بهدف ضمان نتائج جيدة خلال صناعة الأكلة الأشهر لدى "شيشان رأس العين" المستقرين بجوار منابع الخابور، وأبناء جلدتهم بأنحاء العالم.

وتعتبر الشابة الشيشانية نادية (25 عاماً) عملية تشكيل العجينة هي المرحلة الأصعب بالنسبة لها كمبتدئة مقارنة بأمها الماهرة، فيجب تقدير طول قطع العجينة المناسبة وتقطيعها على التختة" قبل ضغطها بإصبعين مع سحب اليد على سطح اللوح الخشبي لتتحول إلى قطعة جاهزة تجمع في الصحن.

وترى الفتاة أنها –أي الحلطمش- ليست مخصصة لمناسبة معينة أو فترة، لكن تكوينها من العجين مع المرق الساخن وصلصة الثوم واللبن يجعلها أساسية في الأجواء الباردة أكثر، لكنها الأكلة الأشهر لذا فالشيشان برأس العين يصنعونها دائماً ويدعون أقاربهم وأصدقائهم لتناولها.

ولأن طلبنا بالحديث عن "الحلطمش" كان مفاجئاً لها لم تذهب إلى السوق لشراء اللحمة التي تحتاجها هذه الطبخة، فحاولت الاستعاضة عنها بأشياء أخرى مثل الماجي لصناعة المرقة بنكهة اللحم.

ولا تخفي نادية أن الأمر له علاقة أيضاً بارتفاع أسعار اللحوم حتى باتت الفروجة تكلف على الأقل 4100 ل.س فيما يكلف 1 كغ من لحم الضآن 8 آلاف ليرة وقد تحتاج لأكثر من ذلك للطبخة، بينما تلتزم العائلة خلال فترة نزوحها أجرة منزل شهرية 50 ألف ل.س ورغم رخصه مقارنة بغيره، فإنه يقضي على راتبها تماماً ما يجبرها على تدبر أمرها بالمردود الموسمي للأرض الزراعية برأس العين.



ويقال "من لا يأكل الحلطمش ليش شيشانياً"، وهذا يدل على أنها الأكلة الأشهر بين الشيشان سواء في مواطن هجرتهم ومنها رأس العين، التي وصلوا إليها في القرن قبل الماضي، أو في بلادهم الأصلية، حيث تعتبر وجبة رئيسية في مطاعم عاصمة الشيشان "غروزني" بسعر يعادل من 2 – 5 دولارت أمريكية وتسمى "الجلنش".

والأخير اسم يطلقه سكان قرية "أم حجيرة" في أطراف مدينة رأس العين، على هذه الأكلة، ويحرّف أحياناً من "الجلنش" إلى "الجرنش"، ويسلقون عجينها بماء الدجاج العربي حصراً لتكسبة طعماً رائعاً.

ويقول السيد سعد الدين مولود إن أكلة "الحلطمش" من الأفضل أن تطبخ بكراديش من لحم غنم، الذي يُسلق بشكل جيد في ماء وقليل من الملح، ثم تخرج قطع اللحم من القدر وتترك المرقة لتوضع فيها قطع العجين التي يفضل تشكيلها من طحين القمح غير المقشور أو الطحين البلدي.

ويعجن الطحين بإضافة قدر مناسب من الماء ويمكن أن يكون ماء السلق ذاته ثم يشكل كحبل متوسط السماكة ويقطع بالسكين إلى قطع تقيسها المرأة بعرض اصبعين أو أربعة من كفها التي تستخدمها بدقة لتحويل هذه القطعة إلى شكل مقوس يشبه بعض أنواع المعكرونة، لكنها ليست على شكل أنبوب كامل مثلها، وذلك عبر ضغطها على لوح الخشب المعروف "بتختة الخبز".

بعد ذلك تصف هذه القطع بطريقة خاصة في صينية رشت أرضيتها بطبقة رقيقة من الطحين ليصار إلى وضعها على دفعات في الإناء الذي يحوي مرقة اللحم وهي تغلي وينتظر حتى ينضج العجين، قبل أن يصفى ويصف في طبق التقديم الكبير المعروف محلياً بـ "الصينية" وفوقه قطع اللحم الكبيرة.

وقبل ذلك يصنع "البيرم" وهو ثوم مطحون يضاف إليه اللحم ليقدم على المائدة إلى جوار "الحلطمش" وهو ساخن بعد استخراجه من الماء، ويأخذ دور "كريم الثوم" مع البطاطا المقلية، فتغمس العجينة المسلوقة بالثوم وتؤكل.

وهنالك من يطبخها مستبدلاً كراديش لحم الضآن بالكروش والروس والمقادم أو بلحم الفروج.


وتقول "أم عبد السلام"، وهي امرأة عربية من قرية السفح، إنها تطبخ "الحلطمش" لعائلتها، وتسميه "الحتمش" كباقي السكان العرب بمنطقة "الخابور والجرجب" بريف مدينة رأس العين، حيث يسكنون بوئام مع العائلات الشيشانية التي أخذت منهم اللغة العربية باللهجة المحلية الريفية ذاتها وأعطتهم هذه الأكلة.

وتضيف قائلة: "تعلمت صناعتها من أهلي لكثرة ما نصنعها في البيت". ولم يمنعها يوماً عدم وجود اللحم من الشروع بتجهيز العجينة وتشكيلها ثم إضافة الماجي والفلفل والبهار مع الابتعاد عن الكمون والكزبرة، ولكنها لا تكون طيبة إلّا بمرقة اللحم وقطعها فوق الطبق.

ولا تدرك هذه السيدة أن مجاورتها لشيشان رأس العين هو سبب تبني عائلتها لهذا النوع من الطعام، وأن العرب على بعد بضعة كيلومترات من ضفاف الخابور ورافده الجرجب لا يعرفونها، رغم عدم وجود فوارق كبيرة بين أطعمة الريف والمدن بالحسكة، وذلك لسبب رئيسي هو: انحدار أغلب سكان المدن من الريف من جهة وحصول حالة التداخل بين السكان، وفق بحث "المأكولات الشعبية في تراث الجزيرة السورية" لمحمد السموري، والذي تحاشى ذكر المأكولات على أساس قبلي أو فئوي (قومي)، رغم انفراد بعض الفئات بخصوصية معينة.

ترك تعليق

التعليق